هل فقدت الاشتراكية سحرها؟!
يلاحظ أن أصوات اليساريين قد خفتت تدريجياً إلى أن توقفت نهائياً.. ويبدو أن الجميع في السودان والعالم العربي اقتنعوا أن في هذه المرحلة لا صوت يعلو على صوت أمريكا وحلفائها وإعلامها، فالبضاعة الاشتراكية لم يعد لها سوق، ولم تعد أمريكا هي الشيطان الرجيم، بل أصبح الجميع يسعى لكسب ودها أو عونها والعمل في إعلامها أو الإعلام الواقع تحت نفوذها أو الذي يوصل إليها.. هل فقد اليسار سحره ولم يعد يجتذب الشباب كما كان في الماضي؟ هل صحيح أن الاشتراكية فقدت سحرها في العالم العربي، وأن الـ(بترو دولار) أصبح يسحر الأجيال الصاعدة والكل يحلم بالعمل في دول الخليج الغنية والتمتع بالحياة فيها؟!
صحيح أن الاشتراكية لم تعد بنفس السحر السابق، حيث كل فرد أصبح يحلم بالثراء، ويعتقد أن دوره في الثراء سيأتي وما عليه سوى الانتظار والمحاولة في أكثر من اتجاه.. ولكن الاشتراكية هل هي فقط المساواة بين الأغنياء والفقراء؟ أم في الحقيقة الأخذ من الأغنياء للفقراء؟ أم أنها مبادئ متكاملة يجب تطبيقها كلها لنحصل على نتائج؟!
التعريف المبسط أنها إنصاف الفقراء من خلال إعادة توزيع الدخل والثروة، أي أن كل مواطن له الحق في ثروة بلده، ربما أمريكا لم تمر بعصر الإقطاع لأنها اكتشفت حديثاً ونشأ فيها مجتمع خال من الإقطاع، ولكن في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط كان هناك إقطاع وكان هناك إقطاعيون.. وكان هناك خلل في علاقات الإنتاج.. في الصين مثلاً كان الإقطاعيون يعاملون الفلاحين وكأنهم حيوانات لدرجة أن الزعيم “ماوتسي تونغ” ثار على والده بسبب سوء معاملته للفلاحين وكان أول إقطاعي يثور عليه هو والده. ورأينا في أوروبا كيف امتلك الإقطاعيون آلاف الأفدنة لدرجة أن قرى بأكملها كانت تضمها الإقطاعية وكل من فيها يعمل دون أجر.. حتى في مصر كان الباشاوات يمتلكون آلاف الأفدنة من أخصب الأراضي وأيضاً يملكون من عليها من فلاحين.. وكان الفلاحون يقيمون في جحور من الطين، بينما الباشا يقيم في قصر تحيط به الحدائق.
هذا الوضع لا يمكن استمراره، ولهذا ظهرت الدعوات للاشتراكية وإعادة توزيع الثروة.. إذن كانت هناك حاجة للاشتراكية في روسيا والصين وأوروبا، فازدهرت الحركات التي تدعو لها.
الآن نحن في عصر جديد استطاعت النقابات العمالية انتزاع الكثير من حقوق العمال والفلاحين، فأصبحت هناك ساعات معينة للعمل بعد أن كان العامل يعمل لساعات طويلة دون راحة فأصبحت لديه عطلة أسبوعية والحق في أخذ إجازة إذا مرض والحق في العلاج، والآن في كل الدول الأوروبية ليست هناك شكوى من غياب العدالة.. لقد استطاعت النقابات المهنية انتزاع الكثير من الحقوق.. ولم تترك الدول الرأسمالية الأمور لتصل إلى مرحلة الثورة، بل أصلحت قوانينها دون ثورات فتجنبت بذلك الثورة واستفادت من الأفكار الاشتراكية في إصلاح قوانينها، والآن في كل بلد أوروبي رأسمالي هناك حزب اشتراكي معترف به، صحيح أنه من النادر وصوله للسلطة المطلقة، ولكن بقاءه في المعارضة يحرس حقوق العمال والفلاحين ويدافع عنهم.
إذن كانت هناك حاجة للاشتراكية، وهي لم تنبت من فراغ وأدت دورها بانتزاع حقوق العمال والفلاحين، لكنها الآن فقدت الكثير من أوراق الضغط التي كانت بحوزتها، والدول تنبهت إلى أهمية إعطاء العامل حقوقه قبل أن يجف عرقه. لكن في الدول النامية ما زالت بعض الحقوق مهضومة، والنضال مستمر من أجل انتزاعها، وهذا هو السبب في أن الدعوات الاشتراكية ما زالت مزدهرة في المناطق المتخلفة، لكنها تتحدث عن التاريخ!!
{ قالوا.. ونقول
قالوا إن الدعوات الاشتراكية لم تعد تجد حماساً.. ونقول لأن الدول الرأسمالية أخذت تطبق الأفكار الاشتراكية وأنصفت العمال.