حوارات

نائب رئيس حزب الأمة القومي الفريق "صديق محمد إسماعيل" لـ(المجهر):

الرجل هادئ وبسيط ومرتب، وظل يتلقى الاتهامات التي توجه له بصدر رحب، ويجيب بلغة واضحة وعبارات مرتبة. شغل منصب الأمين العام لحزب الأمة القومي إلى حين تنحيه أو إقالته عبر الهيئة المركزية للحزب في دورتها الماضية في صراع برز في ذلك الحين وما زالت تداعياته مستمرة ومؤثرة داخل الحزب..ذهبنا له ومعنا المسجل والكاميرا وطرحنا عليه الأسئلة الصعبة، فكانت إجاباته على النحو التالي:

 } كثيرون يقولون إنه تم فصلك من حزب الأمة بناءً على الإجراءات التي اتخذت في الهيئة المركزية الأخيرة. كيف تنظر لذلك؟
-يبدو أن استهلاك هذه المسألة جاء متأخراً، فهذه القضية مضى عليها عام وثمانية أشهر، وحزب الأمة لديه مؤسسات رقابة وعمل تنفيذي ومؤسسة رئاسة، والهيئة المركزية هي المعنية بمحاسبة الجهازين وهما الأمانة العامة والمكتب السياسي، وهي تقرر إحداث تعديل فيها أو استمرارها، وبالتالي انعقدت الهيئة المركزية في أبريل واتخذت قراراً بإسقاط خطاب الأمين العام وعدم إجازته، وطبعاً عدم إجازة خطاب الأمين العام يترتب عليها شيئان، إما أن يطلب الأمين العام منحه فترة لمعالجة الضعف الذي أدى إلى عدم إجازة الخطاب أو يتقدم باستقالته ويذهب، ومن حقه أن يرشح شخصاً آخر أو يطلب إعادة الثقة فيه، وأنا في إطار التأسيس للتداول السلمي وتوسيع دائرة المشاركة وتحقيق التوافق داخل حزب الأمة الذي بذلنا فيه جهداً كبيراً رأيت أن أخلي هذا الموقع بالاستقالة، ولذلك أنا ذهبت في اتجاه إخلاء المنصب وقبول النتيجة واختيار بديل نتوافق عليه وندعمه ونتبنى البرنامج الذي يطرحه ونذهب به إلى الأمام، وذلك لا يعني فصلي كما يُروج أو سحباً للثقة، وإنما هو إسقاط لخطاب الأمين العام الذي جاء في ظل ظروف غير عادية، وفيها استقطاب واستقطاب مضاد لا يعطي الفرصة لإعمال العقل في الأمر، والخطاب الذي قدم أنا كنت أعتقد ولا زلت وسأظل وكثيرون مثلي يعتبرون أنه ليس الخطاب الذي يسقط، ولكنه أسقط في إطار ذلك الاستقطاب، وكما قلت أنا إن الذين أسقطوا خطابي في الهيئة المركزية لو قرأت عليهم (سورة يس) بالروايات السبع لأسقطوها كذلك.
} تردد على قطاع واسع بعد الهيئة المركزية التي أقلت فيها أنك تقود تياراً هو الذي أقعد وعطل أداء الأمين العام الجديد. ماذا تقول؟
-كل إنسان يمكن أن يدعي ما يدعي، ويلقي من الاتهامات ما يلقيه، ولكن العقل السليم والوجدان السليم هو الذي سيقرر العدالة، وأنا أعلنت منذ إخلائي هذا الموقع عن قبولي ودعمي ومناصرتي لمن تختاره الجماعة، وحينما وقع الاختيار على الأخ “إبراهيم الأمين” تعانقت معه على الملأ، وأعلنا أننا سنعمل مع بعض، وقال هو إنه سيسير على هدي الأمين العام السابق، دون أن يكون بيننا تخطيط، ولكن هذه كانت إرادتنا كأبناء كيان واحد، ولذلك أنا ما زلت عند هذا الموقف، وظللت أتقدم للأخ “إبراهيم الأمين” بكل نصح وبكل رؤية أعتقد أنها تدعمه، وهذا هو الموقف السليم الذي كنت سأتخذه لو كنت في أي موقع، وأي حديث عن وجود تيار يعمل على القعود بالأمين العام وإضعافه فهذا غير موجود، ولكن الإضعاف جاء نتيجة للاختلاف والتراجع عن ما تم الاتفاق والتوافق عليه في الهيئة المركزية، وهو ما أدى إلى ظهور تيارين؛ الأول يعتقد أنه من جاء بالأمين العام، والتيار الآخر يعتقد أن الأمين العام جاءت به الجماعة، وحصل هذا الخلاف، وهذا الأمر يحاول أن يقيد الخروج من حالة الانقسام إلى حالة التوافق على أمين عام متوافق عليه، وهو الأخ “إبراهيم الأمين” ليستطيع أن يعبر، ولذلك أنا أؤكد لك أنني ليس لديَّ تيار ولا غيره، وأنا الآن نائب رئيس الحزب، وأنا مسئول عن كل الناس الموجودين في حزب الأمة بمن فيهم الأمين العام، وأنا لن أناصب أي شخص العداء، وإنما أعلنت على الملأ بأنني سأتعامل مع الجميع متسامياً ومترفعاً عن كل الصغائر وعافياً عن كل ما لحق بي من إساءة أو تجريح أو تآمر، وأعتقد أن ذلك نوع من التدافع، وهو ثمرة لممارسة الحراك الديمقراطي الصحيح والعادل، الذي يمكن أن يقود الناس إلى الأمام في السودان.
} يثار سعادة الفريق، أنك مهندس خروج حزب الأمة من تحالف قوى الإجماع الوطني والاتجاه نحو تأسيس تحالف جديد يكون قريباً من المؤتمر الوطني. ماذا تقول؟
-طبعاً هذا الحديث غير صحيح، لأن حزب الأمة حزب مؤسسات، وهي تعمل بتناغم وتأخذ برأي الجماعة والأغلبية، وحتى الإمام “الصادق المهدي” رئيس حزب الأمة لا يتخذ قراراً بمفرده، وإنما يطرح الأمر للتشاور ولأخذ الرأي الجماعي الذي يمكن أن يصدر عنه قرارنا الجماعي، ولذلك أي كلام عن وجود خط يقوده فلان أو علان، فهذا غير صحيح، وقد تكون لديَّ وجهة نظري، ولكن إذا لم أقنع بها الآخرين ستنتهي في مكانها، وسألتزم بما يقرره الآخرون وهكذا، ولذلك أي حديث عن أننا نسعى لتفكيك التجمع غير صحيح، ونحن نسعى لإصلاح التجمع ولعلمك مؤسسة قوى الإجماع الوطني هذه نحن من صناعها، والوثيقة التي تم توقيعها في سبتمبر في العام 2009م، التي على أساسها عُقد مؤتمر جوبا الثاني في نوفمبر، الذي منه تمخض الإجماع الوطني، أنا والأخت “مريم الصادق” وآخرين ساهمنا في صياغتها مع الأخ “باقان أموم”، ونحن صغنا هذه المذكرة، ولذلك نعتبر أن الإجماع الوطني وليد عمل قمنا به نحن بالتراضي، ولكن فيها عيوب، وهي كانت وثيقة تفاهم وُقعت بين حزب الأمة القومي والحركة الشعبية، وهي التي أدت إلى عقد مؤتمر جوبا في نوفمبر، الذي منه خرج الإجماع الوطني، وحينما جاء الإجماع كان رأينا أن فيه خللاً من أول يوم، ولاحظنا أن رئيسه- وهو الأخ “فاروق أبوعيسى”- هو شخص ليس لديه مؤسسة ذات سند جماهيري يستطيع أن يعمل بها عملاً، وهو يحتاج لسند الآخرين، والشيء الآخر أن الأمين العام لقوى الإجماع الوطني- وهو الأخ “باقان أموم- وهو جزء من الجهاز التنفيذي، ظل ينازع الشمال طالباً للانفصال، وكنت أعتقد أن تلك المؤسسة بشكلها ذاك لم تكن صحيحة، وقلنا لابد من تشكيل مؤسسة رئاسة وأمانة عامة وسكرتارية تنفذ ما تقرره المؤسسات.
} لماذا تصرون على أن السيد “فاروق أبوعيسى” لا يستند إلى جماهير، ويقول البعض إن تلك الدعوات تهدف لتفكيك التحالف وإضعافه؟
-مسألة “فاروق أبوعيسى” هذه وجهة نظري الشخصية، وليست قناعة حزب الأمة التي تقول إن الإجماع الوطني يحتاج إلى إعادة هيكلة وتغيير اسمه والاتفاق على برنامج.
مقاطعة: ولماذا إعادة الهيكلة؟ وما هي الأسباب الموضوعية التي تجعل من إعادة هيكلة التحالف أمراً مُهماً وحيوياً؟
-لأن القرار مجهول، ومن الذي يتخذ القرار؟. نحن مؤسسات لدينا مسؤولية والتزام دستوري، ولدينا ارتباط بقواعد وجماهير، ولا نستطيع أن ننفذ برامج لم تأتِ في إطار مؤسساتنا؛ ولذلك طالبنا بالهيكلة للضبط التنظيمي والالتزام بالمؤسسات التي نتعامل معها وفقاً للنظام الأساسي الذي نتراضى عليه جميعنا.
} هل المؤسسية والانضباط غائبان الآن في داخل تحالف قوى الإجماع؟
-نعم. هذه المسألة واضحة، وعندما تم التوقيع على ميثاق (الفجر الجديد) في “كمبالا”، كان واضحاً أن كل الذين وقعوا باسم الإجماع الوطني وُوجهوا برفض من قوى الإجماع الوطني لأن تلك المسألة تتعارض مع تشريعات النظام الأساسي التي تنظم عمل التحالف، بل وحتى رئيس التحالف نفسه قال إن هذه المسألة لا يؤيدها، وبالتالي تلك دلالة على وجود خلل، ولن يُعالج إلا بوجود مهام محددة، ويحاسب من خلالها الأشخاص.
} وما هي شكل الهيكلة التي تطرحونها في حزب الأمة؟
-كنا نطرح مؤسسة رئاسة ينتمي لها كل رؤساء المؤسسات الموجودين داخل قوى الإجماع، بحيث إن ما يتم اتخاذه من قرار مُتوافَق عليه يكون غير متعارض مع النظم الأساسية لكل مؤسسة من مؤسساته، ومن ثم تكون هنالك أمانة عامة تتولى تنفيذ تلك القرارات، وتُساءَل أمام مجلس الرؤساء، وتلتزم بصورة قاطعة بإنفاذ تلك المسائل بما يحقق مصلحة الإجماع وليس مصلحة حزب أو جماعة من الجماعات.
} وهل هناك من يساند رؤيتكم تلك من الآخرين في داخل التحالف؟
-نعم، ونحن حينما خرجنا وقلنا لإخواننا في الإجماع الوطني رأينا اتفقنا على عقد ورشة، وقلنا إن هذه الورشة تُعقد ويُناقش فيها هذا الأمر، ونتفق عليه ونتجه بعده نحو التفعيل، ولكن الإخوة تراجعوا عن الأمر وعن هذه الأطروحة، ولم تنعقد الورشة لسبب أو آخر؛ وبالتالي أصبح الأمر كما هو عليه الحال.
} البعض يتهمكم بشق التحالف من خلال الحديث عن هيكل جديد وجسم جديد؟
-نحن في حزب الأمة القومي لدينا مسئوليات توجب علينا أن لا نقف مكتوفي الأيدي انتظاراً للمجهول، وإنما التحرك نحو مواجهته وكشف الحقيقة عنه، ونحن لن ننتظر، وحينما دعونا هؤلاء الإخوان رفضوا الالتزام بقيام الورشة وإجراء الإصلاحات داخل الإجماع الوطني، فنحن لدينا مسئوليات وندعو ونقدم أطروحاتنا وندعو من يتوافق معنا حولها، ولكن لم نقفل الباب أبداً أمام العمل الجماعي، ونحن معه وسنتمسك به، ولكننا نتحدث عن ضرورة لتغيير اسم قوى الإجماع نفسه باسم يتراضى عليه الناس.
} ومن يقف معكم في التحالف الجديد؟
-ليس لدينا تحالف جديد وإنما ندعو جميع الناس للتوافق معنا على الثوابت الوطنية.
} مقاطعة: لكن وسائل الإعلام تناولت وجود تحالف جديد يقوده الإمام “الصادق المهدي”؟
-ليس صحيحاً، وما يرشح في وسائل الإعلام هذا شأن الإعلاميين، ونحن في حزب الأمة نعطيك الحقائق، ونحن الآن نعمل على طرح ميثاق وندعو القوى السياسية كلها للتعاطي معه سواءً كان بالحذف أو الإضافة، ومن ثم تأتي لتوقع عليه، إذا أحدثنا بديلا خلال الفترة الانتقالية التي نتفق عليها.
} هناك حديث عن تنسيق وتحالف خفي بينك وبين المؤتمر الوطني لتفكيك وإحباط أهداف تحالف المعارضة. ما مدى صحة ذلك؟
-أعتقد أن هذا مجرد وهم. هذا هو الوهم السياسي الحقيقي، وقلنا إن العاملين في المجال السياسي ينبغي أن يتعاملوا مع السياسة بأخلاق، وأنا ليس لي مصلحة في المؤتمر الوطني تدفعني لوضع خطة لتفكيك المعارضة، وأنا اكتوي بنار برنامج المؤتمر الوطني وسياساته، كما يكتوي عامة الشعب، بل أنا أكتوي بها أكثر، ولكن أنا لديَّ قناعة بأن الوطن السودان الآن أحوج ما يكون لتوحيد الجبهة الداخلية لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وهذا لن يتأتى إلا عبر قبول بعضنا بعضاً، وأن لا يكون هناك مجال للعزل أو الإقصاء، وهذا هو خطنا في حزب الأمة، وهذه هي قناعتي الشخصية ونحن نعمل بها، بينما بعض الإخوة الآخرين يعملون للإقصاء والعزل، وهناك إخوة في المؤتمر الوطني يتهموننا بأننا نعمل عملاً تخريبياً داخل المؤتمر الوطني باختراقه بالطريقة التي نتحدث عنها، هذه الاتهامات تواجهنا مع اتهامات أخرى توجه لنا من المعارضة، ولكن ما أود أن أؤكده للعامة أننا نعمل من أجل إحداث تغيير سلمي يؤدي إلى تحول ديمقراطي حقيقي في البلد، ويؤسس للتداول السلمي للسلطة في السودان، عبر توافق يأتي بإرادة جماعية لا عزل ولا إقصاء فيها لأي مُكوِّن من مكونات الساحة السياسية السودانية سواء كانت مدنية أو مسلحة.
} وهناك من يتحدث عن وجود تنسيق بينك وبين السيد “عبد الرحمن الصادق المهدي” بغرض السيطرة على حزب الأمة. ما مدى صحة ذلك الحديث؟
-الأخ الأمير “عبد الرحمن الصادق المهدي” خرج من مؤسسات الحزب واستقال عنها، وهو كان مساعداً لرئيس الحزب وعضواً في المكتب السياسي، ويجمعنا به العمل في هيئة شئون الأنصار، وهنالك تنسيق كان في هذه المؤسسات، ولكن الآن هو خرج عنها، وبالتالي لم يعد هنالك مجال للتنسيق معه، ثانياً أنا ليست لديَّ أي طموحات أو تطلعات لفرض واقع على الآخرين بالسيطرة والهيمنة، ولكني أعمل مع الآخرين في جميع المؤسسات لما يحقق تطلعات الأنصار بصفة عامة، وفي سبيل هذا نقدم كل التضحيات والتنازلات، ونضع أيدينا في يد كل من يهتم بهذه المعاني ويعمل لأجلها.
} ويقال إنك من الناشطين بوسائل مختلفة لإبعاد السيد “مبارك الفاضل” عن الدخول لمؤسسات حزب الأمة؟
-السيد “مبارك المهدي” هو أرسخ قدماً مِنَّا في مؤسسات الحزب، وسبَقَنا إليها في وقت مبكر، وعمل فيها وقدم إسهامات كثيرة، وكان رقماً من الأرقام، ولكنه انحرف عن هذا المسار باتفاقه مع المؤتمر الوطني ودخوله شريكاً في الحكومة، وحتى هم قذفوا به خارج أسوار القصر الجمهوري، ولكن نحن حاولنا جادين وبكل تجرد وصدق أن نفسح له مكاناً داخل مؤسسات حزب الأمة، ولكنه تعالى علينا ورفض واعتقد بأننا أقزام سياسية، وأننا مراسلات أو مراسلة للمؤتمر الوطني- كما قال، وظن بنا كثيراً من الظنون؛ ولذلك تباعدت الخطوط بيننا وبينه، ولكن بيننا المودة التي تقوم على أننا جميعاً من كيان واحد، ولكنه آثر الحبة وضرب بالمحبة عرض الحائط.
} يقال إن حزب الأمة أصبح متجاذباً بين مجموعات مختلفة في كل القضايا، وتظل خلافية حتى يتدخل السيد “الصادق المهدي” ويحسم الأمر، ويقال إن حزب الأمة هو حزب الرجل الواحد ماذا تقول؟
-طبعاً حزب الأمة ليس حزب الرجل الواحد، والسيد “الصادق” لا يقطع بمفرده، مع أن الكثير من القضايا تصادم مشاعره وآراءه ورأي المؤسسات، ولكنه ظل يعمل برأي الجماعة ويستمع لهم ويحقق التوافق بينهم، ودائماً يبحث عن محطة وسطى تجمع الناس حتى يقود السفينة إلى بر الأمان، وأؤكد أن حزب الأمة حزب مؤسسات، وكل من لديه درجة من الانضباط بالتنظيم يجد نفسه داخل تلك المؤسسات، والآخرون يضيقون ذرعاً بالمحاسبة إذا خرجوا عن المسار الصحيح.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية