رأي

القمامة.. القمامة!!

لا أعتقد أن نقل القمامة مشكلة في أي بلد في العالم غير السودان.. ولا أعرف ما الذي غير عاداتنا وجعلنا لا نهتم كثيراً بمسألة وجود القمامة في شوارعنا.. هل السبب أن المسؤولين عن نقل القمامة لم يعد لهم نفس الهمة فأهملوا مراقبة المخالفات؟ وبعد أن كانت شوارعنا أنظف الشوارع في العالم العربي صارت الآن أقذرها!!
عندما كنا أطفالاً لاحظنا أن القمامة تنقل بعربات تجرها الحيوانات.. هذه العربات البدائية كانت تنظف الشوارع بنسبة مائة بالمائة، فلا تجد في أي شارع قشرة موز، وكان في كل حي كناس من نفس أبناء الحي، لكنه يتقاضى مرتباً نظير عمله.. ولم يكن عمل هذا الكناس فقط نقل القمامة، بل هو أيضاً يضبط المخالفات.. وما زلت أذكر حتى اليوم أنه أصر على فتح بلاغ في أمي لأنها ألقت القمامة قرب سور المنزل، ولم يتراجع عن فتح البلاغ إلا بعد أن تعهد والدي أنه سيتابع الأمر بنفسه.. هذا الكناس كان جارنا، لكنه كان يؤدي عمله وهو يعرف أن هناك مراقباً يطوف بالشوارع وسيحاسبه على الإهمال.
تطور أمر نقل القمامة، فظهرت العربات التي تحمل ثلاثة أطنان من القمامة، وتطور معها أمر النظافة فصارت الشوارع أكثر نظافة.. وأذكر أن طالبات جئن في رحلة من مصر أجرت معهن الإذاعة حواراً فاتفقن على أن ما لفت نظرهن الشوارع النظيفة الخالية من القمامة، وهو أمر يفتقدونه في مصر.. كل من تحدثت من الطالبات أشارت إلى هذه النقطة وتوقفت عندها.. كان ذلك عام 1970م، ولا أعرف ماذا سيكون تعليقهن الآن والوضع كما نرى.
في اعتقادي أن التغيير للأسوأ حدث بمجيء آلاف الأسر من القرى وإقامتها في الخرطوم.. كانوا بحاجة إلى من يذكرهم بشروط الإقامة في المدينة.. صارت القمامة في كل مكان، وتم إهمالها إلى أن أصبحت هناك (كوشة) في حي الثورة تسمى (الجبل) لارتفاعها، وأصبحت أحد معالم الحي لدرجة أن أحدهم وصف لي منزله أنه يقع قرب أشهر (كوشة) في الخرطوم، وقال لي: (ما عليك إلا أن تطلب من سائق التاكسي ليأخذك إلى الكوشة الفلانية لتجد منزلي قربها وهو بالتأكيد سيعرفها).
لازلت في حيرة.. هل النقص في الأيدي العاملة؟ أم السيارات؟ أم في القوانين؟ أم هو كل هذا معاً؟ أعتقد أنه كل هذا معاً.. لم يعد الكناس يحاسب الناس على إلقاء القمامة في الشارع.. ولم يعد يرغب في أن يعمل بهذه المهنة لأن الأجر ضئيل والعمل شاق وغابت المحاسبة للمخالفين، كما أن آليات النظافة لم تتطور وما زلنا نستخدم وسائل بدائية، وهذه الآليات تعمل لساعات محدودة في الأحياء الراقية وتنسى أن القمامة تؤثر على الصحة حتى لو كانت من الأحياء الشعبية.
أسأل.. لماذا كنا نستورد أحدث آليات النظافة في الستينيات والسبعينيات والآن لم نعد نفعل ذلك؟ هل هي غالية؟ لماذا لا نتعاقد مع شركات نظافة عالمية ونحاسبها على أي تقصير؟ هل يصعب شراء مائة عربة نظافة وتوفير مبالغ لتشغيلها؟!
> قالوا.. ونقول
في السعودية القمامة تنقلها شركات بأحدث الآليات.. ونقول ما الذي يمنع تطبيق ذلك في السودان؟!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية