رأي

فلسفة دعم الفقراء ومشاريع الإعاشة

حذر نواب برلمانيون من مغبة عدم العدالة في توزيع الدعم الاجتماعي الذي خصصته الحكومة لمعالجة آثار الإصلاحات الاقتصادية، مقرين بوجود محاباة في اختيار الأسر مما يولد الغبن، وهذا كله من الحقائق المشاهدة ولا يستطيع أحد إنكارها، لكني كنت أود أن يكون السادة النواب الكرام قد راجعوا نوعية الدعم نفسه لمعرفة الفلسفة التي يقوم عليها، فنحن في السودان يقوم الدعم على منح النقود أو الخبز ولا يفكر أحد في وراء ذلك من خطوات تعالج الفقر نفسه من جذوره.
الفلسفة الجديدة لا بد أن تبنى على الحكمة الصينية القديمة أنك إذا أعطيت الفقير سمكة فإنك أطعمته ليوم واحد، ولكنك إذا علمته كيف يصيد السمك تكون قد أطعمته طيلة حياته. فهل نحن نتحرك كما يقول المثل الصيني.. يفترض أن يطالب النواب بإنشاء مزارع مهما كانت تكلفتها وجعل الفقراء يطعمون أنفسهم بأنفسهم، وفي هذه المزارع يتم تدريب المواطنين على العمليات الزراعية وكيفية رعاية النباتات دون النظر إلى التكلفة العالية.
لقد أقام الإنجليز مشاريع الإعاشة وهم يعرفون ارتفاع تكلفتها، لأن الهدف منها كان تعويد الناس على الزراعة. وقد أقامت الإدارة الإنجليزية مشاريع الطلمبات ودربت الرعاة على العمليات الزراعية، فكانت مشاريع زراعية في شبشة وأم جر والدويم، استطاعت عبرها استقطاب الرعاة وحولتهم إلى مزارعين ينتجون الذرة والقطن والخضروات، ويبيعونها بأسعار تحقق ربحاً ضئيلاً لكنه يغطي حاجة المزارع المسكين. واستمر هذا الوضع لعشرات السنين، كان البديل لهذه المشاريع أن تقدم الحكومة إعانات مالية وغذائية للسكان ولكن هذا الوضع كان سيجعلهم معتمدين على الحكومة في كل شيء، ولن يكون أمامهم سوى انتظار ما تجود به الحكومة كل عام.
إن تحويل الرعاة إلى مزارعين سيكون له نتائج إيجابية حيث سيعرف الناس قيمة العمل وإن الإنسان مسؤول عن إطعام نفسه وأسرته، ولا شيء يمنع تطبيق هذه الفكرة الآن إذ توجد مساحات كبيرة على الضفتين الشرقية والغربية للنيلين الأبيض والأزرق تمتد لآلاف الكيلومترات، ولا أعرف ما هي المشكلة حتى تترك كل هذه المساحات بوراً إضافة إلى بعض الجزر. لا شك أن هناك بعض الإداريين الذين عملوا مع الإنجليز في مشاريع الإعاشة يمكن الاستعانة بهم مرة أخرى.
ويمكن تطوير هذه المزارع لتصبح مكاناً لرعاية الحيوان المفيد للإنسان فنطور بذلك أساليب رعاية الحيوان.. وبالإمكان المضي أكثر لتعليم الناس صيد الأسماك فيصبح لهم مصدر دخل إضافي.
المهم أن يتحرك النواب الكرام باتجاه التوجه نحو الإنتاج وليس الإغاثات وعليهم أن يطالبوا بشدة حتى لا تتحول مشاريع الإعاشة إلى مشاريع للتشجيع على الكسل والبطالة. وكنت أود مطالبة أحد النواب بالاهتمام بالإنتاج ووقف الإغاثات لأن الإغاثات تعود الناس على الاعتماد على الكسل والصدقات وإهمال الزراعة، وأن يضغطوا على السلطات حتى توفر للناس الطلمبات وأن تعمل على شق الترع والقنوات، وأن تتأكد أن كل من منح أرضاً يزرعها بنفسه وأنه يعتمد عليها في رزقه.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية