معلمو التوأمة.. من ينصفهم؟!
لم تكن إستراتيجية الدولة حين ابتعثت معلمي التوأمة الذين تم تفريغهم من عملهم في الولايات الشمالية وإرسالهم إلى الجنوب تحت مسمى (كتائب النور) مطلع العام 1992م. للإسهام في نشر التعليم وفتح دور العلم في المناطق التي لم تشهد أية محاولة للتعليم من قبل فحسب، بل تعدتها إلى أهداف أخرى كان من ضمنها التبشير بالسلام والمنادة به والدمج الاجتماعي ونشر الإسلام واللغة العربية وثقافة السلام، بالإضافة إلى التعايش السلمي بين القبائل… أكثر من (216) معلماً ظلوا يمارسون عملهم في ولايات الجنوب العشرة والدولة تستعين بهم في عملية الوحدة الجاذبة عبر المعاهد الدينية في الجنوب، ولكنهم بعد انفصاله وجدوا أنفسهم في مهب الريح بعد أن تم توفيق أوضاع جميع العاملين في الجنوب عدا معلمي التوأمة الذين استشهد عدد مقدر منهم إلى جانب تعرض اثنين منهم للأسر، بالإضافة إلى وجود حالات خاصة فقدت عقلها من هول وفظاعة المشاهد، فقدوا عقولهم مثلما فقدنا جزءاً من بلادنا، فهل ذهبت حقوقهم التي جاءوا يطالبون بها هباءً كما ذهب الجنوب؟ ألم تأتِ فكرة التوأمة أكلها طيلة السنوات المنصرمة؟ أم أن الانفصال الذي حالت الدولة دون وقوعه كان أمراً لابد منه؟
كتيبة إستراتيجية
فكرة التوأمة هي فكرة قديمة بدأت منذ أواخر الخمسينيات (1957م)، وتطور نشاطها تحت مظلة رئاسة الجمهورية ثم إلى منسقية التوأمة تحت إشراف ديوان الحكم الاتحادي، ومن ثم أصبحت التوأمة إدارة عامة بعد إجازة الدستور الانتقالي في العام 2005م تتبع إلى أمين عام وزارة الحكم الاتحادي، وكان اختيار المعلمين يتم بعد تفريغهم من عملهم في الولايات الشمالية وفق اختبارات محددة لتنفيذ إستراتيجية الدولة ومشروعاتها التي نفذتها عبرهم في الجنوب، فقد كانوا يبشرون بالسلام والدمج الاجتماعي وذلك عبر الزواج من أعيان القبائل في الجنوب بغرض الانصهار والمد الإسلامي وانتشار اللغة العربية وثقافة السلام والتعايش، كما كانوا يدعون إلى الجهاد وكانت التوأمة ضمن الكتيبة الإستراتيجية وكان معلموها من المقاتلين والمجاهدين الذين يسدون الثغور ليلاً ويعملون بالتدريس نهاراً مقدمين عدداً من الشهداء والأسرى، وكانوا ينادون بالسلام إلى أن تحقق في العام 2005م، وكانت الحكومة تستعين بهم في أية مهمة وقد عملوا على تأسيس الخدمة المدنية في بعض ولايات الجنوب عبر المنظمات الوطنية وغيرها، وكان منهم الدعاة المحترفون وأئمة وخطباء المساجد الذين ساهموا في دخول عدد كبير من المهتدين إلى الإسلام، كما أسسوا (وكالة النشاط الطلابي)، وبعد خروج كل الواجهات الحكومية في الجنوب أصبحت التوأمة هي الواجهة الحكومية الوحيدة بعد القوات المشتركة، حيث أنها كانت تعمل على تنفيذ العديد من المهام التي توكل إليها، من بينها مراقبة التعداد السكاني والانتخابات، فانتشر معلمو التوأمة في كل ولايات الجنوب وتم اعتقالهم جميعاً وعُذب عدد كبير منهم آنذاك، كما أن الدولة استعانت بهم في قيام فعاليات الدورة المدرسية في (كواجوك) و(واو)، بالإضافة إلى دورهم في عملية الوحدة الجاذبة وذلك عبر المعاهد الدينية في الجنوب بالتضامن مع منظمة (هيئة الإغاثة الإسلامية) و(الهيئة الشعبية لدعم الوحدة).
مطالب مشروعة
لم تكن مطالب معلمي التوأمة تتعدى الحدود حتى تتم مماطلتهم لأعوام، فقد تمثلت في منح كل معلم توأمة مبلغ (50) مليون جنيه إلى جانب منزل بالسكن الشعبي أو قطعة أرض في مكان مناسب، كما تم منح كل معلم شهادة تقديرية ووساماً من رئاسة الجمهورية تقديراً لجهوده، على أن تتبنى وزارة التعليم العام إعادة التأهيل الأكاديمي للمعلمين من حملة الدبلومات والشهادة السودانية لينالوا شهادة البكالوريوس، ومنح الراغبين منهم فرصاً لنيل درجة الماجستير والدكتوراة في إطار خطة الوزارة التدريبية مع اختيار المعلم للوزارة التي يعمل بها.. هذه المطالب كانت بمثابة النقطة الحاسمة والفاصلة في حياة كل معلم منهم بعد تنفيذهم للأهداف التي أُبعدوا عن أسرهم ومناطقهم من أجلها ولم يجدوا مناصاً سوى اللجوء إلى الإعلام للحصول على استحقاقات خدمتهم المدنية بعد انفصال الجنوب خاصة بعد أن عجزوا في الحصول عليها عبر رحلة طويلة ما بين وزارة التربية والتعليم العام ورئاسة الجمهورية عبر سلسلة من المكاتبات والتوصيات والاتفاقيات. وكان الأستاذ “الصادق محمد مقبول” أحد معلمي التوأمة ورئيس لجنة توفيق أوضاعها – هو ورفاقه – يحسبون أنهم بعد عودتهم من الجنوب سيقابلون بالترحاب ويسلمون استحقاقاتهم، ولكنهم لم يجدوا سوى مكاتبات ولم يقبضوا سوى الريح!!
يقول أستاذ “الصادق”: كان معلمو التوأمة يتبعون إلى مؤسسة السلام والتنمية (استشارية السلام)، وهي مؤسسة تتبع إلى رئاسة الجمهورية، وقد تم حلها وتوفيق أوضاع جميع العاملين بها عدا معلمي التوأمة الذين لم يتم توفيق أوضاعهم وتسليمهم مستحقاتهم. بعد ذلك قمنا بتقديم مذكرة إلى رئاسة الجمهورية التي طالبت أن تكون المذكرة عبر (وزارة التربية والتعليم)، ومن ثم رأت الوزارة تكوين لجنة بقرار وزاري يحمل الرقم (5) لعام 2011م لدراسة أوضاع معلمي التوأمة والتوجيه بشأنهم، وكانت اختصاصات اللجنة في كتابة تقريرعن تجربة التوأمة والتوصية بتنظيم التجربة، وبعد عدد من الاجتماعات استعرضت اللجنة موقف معلمي التوأمة بالولايات الجنوبية وتوزيع المعلمين في مختلف الولايات الجنوبية ودورهم الفعال، ومن ثم تمت صياغة مذكرة إلى رئاسة الوزراء تتضمن مطالبنا، ويواصل أستاذ “الصادق” قائلاً: بعد ذلك حدث تماطل وتم نقل الوزير ولم تصل مذكرتنا إلى رئاسة الجمهورية، وتم تعيين الوزيرة “سعاد عبد الرازق” التي قامت بتكليف وزير الدولة بالجلوس معنا، وهناك مجهودات عديدة قامت بها الوزارة بمخاطبة رئاسة الجمهورية والنائب الأول ومخاطبة المدير التنفيذي لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، وخلص الأمر إلى اتفاق بين وزارة التربية والتعليم العام ممثلة في وزير الدولة، وتم الاتفاق على اعتراف الوزارة بمطالبنا نظير عملنا في الجنوب والعمل على تحقيقها مع رئاسة الجمهورية والجهات ذات الصلة، ولكن في شهر رمضان الماضي تم اتفاق بين وزارة التربية الاتحادية والولائية على إحالة ملفاتنا ومرتباتنا إلى وزارة التربية والتعليم الولائية، وهذا الاتفاق يعتبر خرقاً واضحاً للاتفاق الذي تم بيننا وبين الوزارة، والآن نحن نحاول الوصول إلى الوزيرة والجلوس معها ونناشدها عبركم الجلوس معها لتوفيق أوضاعنا لأننا عاجزون عن الوصول إلى المسؤولين بالدولة، ونطالب بوضعنا في الميزانية قبل شهر ديسمبر.