أخبار

ابكوا على أنفسكم

مضى “عوض الكريم عثمان”  فتى الحصاحيصا النحيل  إلى ربه شهيداً فقبرناه هناك بجوار دغل نافر تظلله شجرة، وتركنا “عبد الناصر الطيب” قبرناه هناك في نواحي سندرو وقد هجر أمبده. واليوم قبرنا “حسن الباقر” ومضوا هم بيض النوايا وبقينا نعافس الدنيا والنساء ثم التيارات والأجنحة، نصطنع الحزن ونمارس كذبنا الرصين ونعقف أصابعنا نهلل ونكبر . تبا لنا شاهت وجوه أكاذيب النفاق النضير.
إن “الباقر” الذي شيعته حشود الإسلاميين والمجاهدين من كل الجماعات والطوائف بالدمع والاحتساب المنير، يبقى مثله والشهيد “الزبير” و”شمس الدين” و”على عبد الفتاح ” والعم “عمر نصر” لو أنهم خيروا أمام هذه الحشود بين الجنازات المهيبة ووحدة الصف، لقال أولئك الشهداء كلهم ارجعوا فأصلحوا ذات بينكم فما نصنع بوحدة تلتئم في المقابر وبيوت الأحزان وخطب المعزين.
عجباً لهم إسلاميو هذا البلد ، صار أفضل ما عندهم من تواصل يوم أن يودعوا عزيزاً. فعلوها يوم أن مضى “الكاروري” الكبير ويوم أن مات “يسن”، ويوم أن مضت (أم الفقراء) هناك في الركابية، ووقف “المحبوب” يتلقى العزاء، عجباً لهم لا تعظهم اللحود ولا المقابر وتفرقت بهم المنابر وصاروا على قممها إخوة أعداء، يخرج المرء منهم وزيراً ويعود ثائراً مصلحاً.
إن أعظم ما يمكن أن يقدم لأمثال ذكرى “حسن الباقر” و”فضل المرجي” وغيرهم من الشهداء والبررة الكرام، أن يتعلم الجمع منهم كيف يعيش الحر هناك بقلب الحر وكيف يموت، فقد خرج هؤلاء الشهداء جميعاً من هذه الفانية وكانوا من قمة العطاء والتميز والتجرد ونكران الذات، ولم نسمع أن أحدهم قد اعتصم في بيته لأن لعاعة من الدنيا فاتته، ولم نسمع أن أحدهم قد أدخل قدمه ويده وتوقيعه في محل شبهة، ولم نسمع لأحدهم جارح قول أو فظ عبارة حتى في مواقيت الجدل الكبير.
إن الحشود التي غطت مقابر الصحافة من خواتيم الأسبوع الماضي، لو أنها أرادت الإحسان فإن عليها كفكفة الدموع واجترار ذكريات مناقب من مضوا، فالطريق طويل والمسير شاق والعدو واحد¡ فإن ظفر برأس “البشير” فإنه حتما بالغ رأس “الترابي” و”غازي” و”الميرغني” و”المهدي” معاً، فلا تمييز بين هذا وذاك فكلهم مطلوبون وكلهم مقصد التفكيك والإزالة.
إن مثل هذه اللحظات إن لم ترد الجميع إلى أصلهم وسابق الرابط الأقوى بينهم¡ فما من مواقيت أخرى تجمع القوم. وإن مثل هذه اللحظات إن لم تقشع غشاوة الخصومة والفجور فيها فلا خير في باك أو ناع¡ فكله سيبقى مسلك (علاقات عامة ) حتى لا يفتقد فلان وعلان في (الدافنة) التي إن انصرفوا منها عاد كل منهم إلى نثر الكراهية والبغضاء¡ وكأنه لم يجمع مع من يشتم ويسيء موقف وقضية تبقى دوماً فوق الأشخاص والإحن والضغائن.
ابكوا على “حسن الباقر” أو لا تبكوا عليه فقد مضى صابراً محتسباً إلى من لا يظلم عنده أحد أو يصنف¡ لذا ابكوا على أنفسكم سادتي.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية