أخبار

قلب الصحفي!

القلب في أبسط تعريفاته هو (الدينمو) المحرك للجسد.. ومضخة الدم التي تروي الشرايين والأوردة لتكتب الحياة للبشر.. لذلك حين يتوقف القلب يموت الإنسان!!.
وفي أيامنا هذه ازدادت حالات الإصابة بأمراض القلب.. وهناك عشرات الحالات التي تسجل في المستشفيات يومياً ضمن قائمة المصابين بالسكتة القلبية والجلطة وانسداد الشرايين والأوردة.. وبعضها لا يمكن معالجته إلا بالعمليات الجراحية.. وهي عمليات دقيقة جداً رغم انتشارها الواسع الآن وإمكانية إجرائها في العديد من البلاد بما فيها السودان والذي دخل هذا المجال وتقدم فيه لولا الشكوى من ضعف البنية الصحية نفسها والقصور في مستوى المستشفيات وغرف العمليات ومعينات الجراحة..!.
لكن لماذا ازدادت حالات الإصابة بأمراض القلب؟!.. سؤال بات يطرح نفسه بقوة وقد تعددت إجاباته بسبب القراءات العلمية الجديدة التي تفاجئنا كل يوم برؤية مختلفة عن سابقاتها، غير أن الملاحظ والثابت ربما هو هذا الازدياد في حالات الإصابة ولأعمار مختلفة تشمل الرجال والنساء على حد سواء، كما أن الكثير من هذه الحالات أخذ يرتبط بمهن بعينها منها (الصحافة) و(الإعلام) والمجالات الثقافية والفنية والإبداعية، وكأن أصحاب هذه المهن قلوبهم أكثر قابلية وجاهزية للاعتلال والعطب وهو ما دفع البعض للحديث عن علاقة القلب بالمؤثرات النفسية الضاغطة التي يعيشها كل إعلامي أو مبدع ممن يعملون عقولهم ويشعلون أفكارهم وتأثير ذلك كله على القلب!.
والغريب أن أصحاب المهن الشاقة والمجهد، لم تشملهم هذه القراءات غير المتخصصة.
رغم أن القلب في حالة الحراك البدني يكون أكثر عملاً وربما ضغطاً، وهي مسألة محيرة بالفعل وإن لم يتفق على مقدماتها اختصاصيون وتجاوزت مجرد الملاحظة اليومية العابرة.
وإذا كان الذين أصيبوا بهذا المرض قد اكتشفوا الأمر وتأقلموا معه، فإن المخاوف التي تعتري الذين لم يصبهم بعد كثيرة ولا شك.. وأعرف زملاء وأصدقاء (مهنة المتاعب) يشكون من أعراض بعضها (وهمي) وبعضها (حقيقي) وكثرة الشكوى كما أقول لهم مسألة نفسية أكثر من كونها صحية تأسيساً على المقولات التي تتحدث عن فرص الإصابة بداء القلب بشكل أكبر وسط العاملين في المجال الإعلامي، ومن دلائل ما ذهبت إليه أن البعض إذا شكا من ألم في ظهره أو يده أو قدمه سرعان ما يمسك بصدره ويشكو من أن شيئاً ما يحدث في قلبه.. في حين أن لا موضع الألم ولا الأعراض لها علاقة بهذا القلب.
الصحفيون ربما يبحثون عن من يطمئنهم.. أو يفتي لهم بشكل علمي عن (قلوبهم) وما إذا كانت هي بالفعل أكثر عرضة للإصابة بالمرض أم لا.
وإن كانت الإجابة (بنعم) فالمؤكد أنهم يريدون معرفة الأسباب.. ثم وهذا هو الأهم كيف يمكن تأمين الوقاية اللازمة.. وهل تتطلب مثلاً ترك هذه المهنة أصلاً؟!
(قلب الصحفي) دليله إلى العديد من الاكتشافات والاقتراحات المهنية وإلى ما يسمى بالسبق الصحفي الذي يؤكد على حظوته بحاسة خاصة يسميها البعض بالسادسة ويسميها البعض الآخر بالسابعة.. و(قلب الصحفي) يصفونه بالشجاع والجريء والمغامر مثلما هو في توصيف آخر (مرهف) و(رقيق) و(حساس).. و(قلب الصحفي) مشغول بالآخرين ومسكون بهمومهم وقضاياهم.. وهو أيضاً (ينبض) في حالات اليقظة أكثر من غيره ربما بسبب الساعات المفتوحة التي يقضيها الصحفي في الدوام اليومي!!.
و(قلب الصحفي) مضغوط بالرقيب الداخلي وسيوف الآخرين إن وقع في المحظور أو أخطأ في حقهم.
مثلما هو أيضاً عرضة للإشاعات والقيل والقال شأنه شأن كل من عليهم الأضواء.. ولأنه يسعى للحقيقة ويجتهد للوصول إلى نصفها على الأقل أو بعضها.. فإن هذه المعرفة كثيراً ما تكون (مرهقة) و(مزعجة) و(محرضة) على الشقاء والتعاسة.
فالعلم بالأشياء أحياناً يصدمنا ويهزم ساحات الأمل في دواخلنا ويجعل أعيننا تقع على ما لا نحب رؤيته.. مثلما يدخل (قلوبنا) في تجربة قاسية وعلى نحو كفيل بإسكاتها وتعطيل (الدينمو) الذي يحركها.. لذا فالاستشارة العلمية المأمولة قد تتمنى أن يكون قلب الصحفي كقلوب الناس جميعاً وليس مختلفاً عنهم.. إن كان ذلك يضمن الصلاحية ويمدد في المفعول.. ويجنب الصحفي هاجس الشكوى المستمرة من القلب.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية