رأي

إضرابات السكة الحديد

بين الرئيس الأسبق “نميري” وبين السكة الحديد وعمالها دراما استمرت طوال فترة حكمه، فقد كان لا يثق فيهم ويعتبرهم أعداءه الذين يضيقون على المواطن عيشه، لكي يثور هذا المواطن على “نميري”.. كان لدى “نميري” حكم مسبق أنهم كلهم تحت نفوذ الحزب الشيوعي، في تلك الفترة كانت السكة الحديد هي الناقل الرئيسي للسلع بين أقاليم السودان الشاسع.. وكانوا يستغلون تلك المكانة للضغط على النظام المايوي وهم يدركون ضعفه أمامهم.. أخيراً استطاع “نميري” أن يتحرر منهم بإقامته لكتيبة احتياطي علمهم قيادة القاطرات وجعلهم جزءاً من قوات أمنه، يأتمرون بأوامره وأغدق على أفراد هذه الكتيبة لذا لم يكونوا يتأخرون عندما يهدد عمال السكة الحديد بالإضراب.
وأذكر أننا نحن طلبة الجامعة كنا نخرج كثيراً في تظاهرات ضد حكم “نميري”، وكنا نتابع الأخبار والبيانات لنعرف هل سيساندنا عمال السكة الحديد أم لا، إذ كان معنى مساندتهم لنا أن الإضراب نجح.. ومازلت حتى اليوم أذكر المظاهرة التي سيرناها من ميدان المحطة الوسطى إلى محطة السكة الحديد بالخرطوم لدفع عمالها للمشاركة في الإضراب، وكيف أن معنوياتنا ارتفعت حين علمنا أن عمال السكك الحديد قرروا المشاركة في الإضراب.. ولم نعرف شيئاً عن كتيبة “نميري” التي تم تدريبها لتسيير عمل السكة الحديد ووزع أفرادها على كل المحطات، وهم في الحقيقة من الذين يعملون في الأمن. وفوجئنا في اليوم التالي أن القاطرات تسير بانتظام بل استمعنا إلى بيان صادر من “نميري” يتوعد فيه الذين شاركوا في الإضراب.
ورغم أن تظاهراتنا كانت تصطدم دائماً بأعضاء الاتحاد الاشتراكي إلا أنها لم تلجأ لتخريب ممتلكات المواطنين، وأذكر أن “نميري” عقب أحد التظاهرات استجلب أعداداً كبيرة من مزارعي الجزيرة وتحدانا إن كنا نخرج لمواجهتهم. وأذكر جيداً الخطة المحكمة التي أعددناها لمواجهتهم بالحجارة، فقد حصبنا اللواري التي تحملهم بوابل من الحجارة وبددنا شملهم، لكننا لم نتحسب لاستخدام”نميري” لمجموعة من (البلطجية) أعطى كل واحد منهم سوط عنج وطالبهم باستخدام هذه السياط ضدنا. وكانت بالفعل سلاحاً فعالاً إذ هربنا كلنا من الجلد، وبالطبع لم نلجأ للتخريب أو إحراق الممتلكات.
ولم يكن لإضراب السكة الحديد أثر على حركة القاطرات، لأن الاحتياطي كانوا يغطون مكان العمال المضربين. وأخيراً أصدر “نميري” قراراً بإغلاق الجامعات والمعاهد العليا التي كان طلابها يقودون التظاهرات. وكنا نظن أن الإغلاق لن يستمر لأكثر من أسبوع، ولكن الأسبوع الأول مضى والثاني أيضاً فأصابنا القلق لأننا كنا انتقلنا إلى المستوى الرابع أو النهائي، ونعد الأيام حتى التخرج والعمل.. وفي الأسبوع الرابع دعانا “نميري” لاجتماع جماهيري ففرحنا لأن ذلك معناه نهاية فترة لإغلاق الجامعات. وفي ذلك الاجتماع الجماهيري أعلن “نميري” فتح الجامعات. وأؤكد على نقطة مهمة وهي أننا لم نخرب أو نحرق أي منشأة عامة، لأننا نعرف أننا المتضرر الأول.. ومنذ تلك المظاهرات فقدت السكة الحديد دورها كمهدد للنظام المايوي، وانشغلنا نحن بالتحصيل ولم نتسبب في أي إزعاج للسلطات إذ كان همنا سرعة التخرج.
سؤال غير خبيث
تعمد “نميري” إهمال السكة الحديد لأنها تهدده دائماً بالإضراب – هل تعتقد أنه من تسبب في تخلفها عن الركب لأن قاطراتها أصبحت قديمة؟

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية