رئيس حزب المؤتمر السوداني "إبراهيم الشيخ" لـ(المجهر)
هو السياسي الرأسمالي أو الرأسمالي السياسي، يوائم بين الاثنين في وقت يصعب فيه تحقيق النجاح في كلا المجالين.. سطع نجمه المعارض من خلال تحالف قوى الإجماع الوطني، وظل يتحرك مع حزبه في مناطق شمال كردفان والوسط الطلابي.. (المجهر) جلست إليه وكانت إفاداته على النحو التالي..
} أودعت رهن الاعتقال عقب التظاهرات الأخيرة.. لماذا اندلعت الاحتجاجات وفقاً لرؤية حزبكم؟
– الأحداث الأخيرة هي نتاج طبيعي للسياسات الاقتصادية الأخيرة ورفض الناس لها.. ومعلوم أن النظام ظل ومنذ وقت مبكر يبشر أنه بصدد رفع الدعم عن المحروقات والدقيق، وأيضاً رفع الدولار الجمركي، وفرض المزيد من الضرائب مثل ضريبة الإنتاج، ولا شك أن زيادة أسعار المحروقات ستكون لها انعكاسات شاملة وكاملة على مجمل الحركة الاقتصادية وعلى السلع المستوردة والمحلية، بسبب تأثر النقل بأية زيادة تطرأ.
} هل تم اختزال مجمل الأزمة السودانية في قضية رفع الدعم أم أن المشكلة أعمق من ذلك بكثير؟
– التجربة الطويلة لحكم الإنقاذ التي شارفت على بلوغ ربع قرن من الزمان، أورثت البلاد الفقر والعوز، فأغلب أهل البلد باتوا إما متسولين أو فقراء أو مساكين لا يملكون قوت يومهم، وحتى الموظفين والعاملين دخلوا في شرائح الفقراء والمساكين المستحقين حتى للزكاة، وهذا الواقع، بالإضافة لعدم إحساس النظام العميق بوجود مشكلة حقيقية، وفقر حقيقي، وأن الناس ما عادت تملك ما يسد الرمق وليس لديها الدخل، ومن الموارد ما يجعلها تتحصل على السلع الأساسية، بالإضافة للمشاكل الأخرى من مصروفات المدارس والوجبات والعلاج.. ومعلوم أن الخدمات يتحصل عليها الناس بالمال، ولا توجد خدمة مجانية لا في التعليم ولا في غيره، وجاءت الزيادات الأخيرة لتصبح عبئاً إضافياً لعبء آخر ظل الناس يتحملونه على مضض ومكرهين، وجاءت الزيادات الأخيرة لتصب الزيت على النار، فزادت الاشتعال وزادت من غضب الناس الذين ظلوا يعانون منذ ما يقارب ربع قرن من الزمان.
} البعض يقول- وما شاء الله- إنك تزداد ثراء.. ألا ترى أن ذلك يتناقض مع إدعاءات المعارضة بأن المؤتمر الوطني يضيق على النشاط الاقتصادي لمعارضيه.. هل صحيح أنك تمنح تسهيلات من النظام؟
– هذا قول مردود ظلت تردده صحافة النظام ليلاً ونهاراً.. سراً وجهراً.. صحيح أني ظللت أعمل في السوق، وصحيح أنني ظللت أنمو اقتصادياً لا شك في ذلك، ولكن ذلك ليس بفضل النظام لأنه أغمض عينيه عن “إبراهيم الشيخ” وترك له الحبل على الغارب، بالعكس، فالنظام ظل يلاحقني منذ أن كنت موظفاً في الهيئة القومية للكهرباء، حيث سلط عليّ سيف الصالح العام وأحالني إلى المعاش في سن مبكرة يوم أن كنت في الثلاثينيات من عمري، حيث قام بطردي من الخدمة المدنية، و(دخلت السوق)، ولم يرض بذلك، فحينما بدأنا العمل وبدأنا نتحصل على بعض العطاءات في الهيئة القومية للكهرباء نفسها، النظام أوعز لأحد مسؤوليه، وأنا سبق أن ذكرت هذا الحديث، بأنه لابد من إيقاف التعامل معي وقد كان، حيث تم طردي من العمل في هيئة الكهرباء، من الوظيفة ومن التعامل التجاري معي من حيث العطاءات وفرص العمل التجاري معها.
} أريد وقائع محددة لما تقول؟
– تمت مصادرة خطاب ضمان لعطاء كنت مستحقه، حيث كنت الفائز في ذلك العطاء، وتم حجب هذا العطاء في درج مسؤول نافذ بإحدى الهيئات في ذلك الوقت إلى أن ارتفعت الأسعار، وتصاعد سعر الدولار حينها، فاعتذرت له وقلت له (حتى ميعادها فات)، فما كان منه- وهو كان (مبيت النية) أصلاً- إلا مصادرة خطاب الضمان خاصتي بقيمة (2%) خطاب التأمين، وفوراً أخرج خطاباً بحرماني من العمل داخل تلك الهيئة.
} البعض يقول إن لك صلات تجارية بالحكومة وتتلقى منها تسهيلات؟
– أنا دخلت السوق مكرهاً بعد أن فصلت من وظيفتي، وكنت مطارداً في كل مكان، فكان السوق ملجأي الأخير، والأرزاق بيد الله وحده، وبالتالي لا تستطيع جهة مهما أوتيت من قوة وجبروت أن تتسلط على الرقاب وتصادر رزق أي إنسان، وأنا أتصور أن كل ما حدث لي بعدها كان مقدراً من ربنا، وهو كان يحميني، وآخر محاولة لقتل “إبراهيم الشيخ” وخنقه اقتصادياً كانت حينما طلب مني دفع ضريبة بقيمة (59) مليار جنيه لكن بعد الإجراءات التي اتخذناها صار المبلغ في النهاية ثلاثة مليارات ونصف المليار، فقمت بدفع المبلغ الذي أقوم بتسديده الآن بواقع (136) مليون جنيه شهرياً، وهي ليست بالضريبة المستحقة، تم فتحها بعد مضي ستة أعوام عليها.
} أثرتم قضية في شمال كردفان وتم حظر حزبكم بعدها هناك وردد البعض أنها كانت مشكلة شخصية وليست سياسية.. لماذا تركزون على شمال كردفان؟
– شمال كردفان منطقة وعي، لذلك انحازت للمؤتمر السوداني، ورفضت المؤتمر الوطني، ونحن اكتشفنا وعيها الكامل بقضيتها، وبما فعله المؤتمر الوطني بجسد الدولة السودانية طوال ما يقارب ربع قرن من الزمان، وأورثنا الفقر والانفصام والانقسام، وبالتالي نحن راهنا على وعي الناس هناك، وعملنا هناك، وهذه المناطق ليست مناطق غير واعية، بل مهمشة، هي مناطق هامش، ونحن خطابنا كله قائم على الوعي بالمسافة الفارقة ما بين المركز والهامش.. المركز المستأثر بالثروة والسلطة والثقافة، بينما الهامش محروم من كل شيء، وهذه هي القضية، ولو رأيت هذه المناطق فإنك ستجد المدارس مبنية من القش، والناس يشربون مياهاً غير نقية، ويتقاسمون شرب الماء من حوض واحد مع البقرة والكلب والجمل، كلهم يشربون من إناء واحد، وهذا هو الواقع هناك، والحكومة لم تستطع تقديم التنمية للناس.
} يثار اتهام لطلاب المؤتمر السوداني بأن بعضهم ينتمي للأجهزة الأمنية.. هل ذلك صحيح؟
– هذا الحديث غير صحيح، ولو أن كل أبنائنا انتموا للأجهزة الأمنية لما كانت هناك حركة طلاب بالغلبة والقوة والنشاط الكبير الذي تمارسه الآن في الجامعات والمعاهد العليا، ولو أنك أحصيت كم تنظيماً بقي ستجد تنظيمين أو ثلاثة، واحد منها هو (مؤتمر الطلاب المستقلين) الذي ظل صامداً ومنتشراً ومتمدداً في كل الجامعات والمعاهد العليا، ولكن ولطبيعة النفس البشرية يستطيع النظام أن يصطادهم، وبالتالي اختراق حركة طلابنا.. ولكن في النهاية فإن غالب الجسم هو جسم معافى وسليم، وهم وطنيون وملتزمون بوطنهم وبأهلهم، وبقضيتهم، ولديهم وعي كامل بخطل هذا النظام.
} أنتم في المؤتمر السوداني مع التحالف الوطني أم التحالف الجديد الذي يحاول تكوينه الإمام “الصادق المهدي”؟
– نحن أعضاء مؤسسون في قوى الإجماع الوطني، وانعقد اجتماع بيننا وحزب الأمة لقواسم مشتركة كثيرة تربطنا بهذا الحزب، ولأننا كنا حريصين على استمرار حزب الأمة في قوى الإجماع، إلا أنه قدم ميثاقاً أطلق عليه (ميثاق النظام الجديد)، علماً أن لدينا نظاماً تمت إجازته من قبل هو (ميثاق البديل الديمقراطي) أو (برنامج البديل الديمقراطي)، وحددنا فيه الفترة الانتقالية، ومن يحكم في تلك الفترة، والنظام البرلماني، لكن “الصادق المهدي” وبعد أن وقع معنا على كل ذلك وقبل به، الآن هو يقدم ميثاقاً جديداً، ومشروعاً جديداً، وبالتالي نحن عددناه خروجاً على المواثيق وعدم الالتزام بها. “الصادق المهدي” نفسه أنت ترى كيف أنه يعيش في منزلة وسط، وغير معروف الآن، لا هو مع الحكومة ولا مع المعارضة، في منزلة بين منزلتين، لا يستطيع تحديد إلى من ينتمي وهذه هي مشكلته الأساسية.
} هل مثّل التباعد الفكري بين الإسلامويين وما يطلق عليهم العلمانيين سبباً في عدم تماسك المعارضة.. الأمة والشعبي يمين.. والشيوعي والبعث والناصري يسار؟
– لا.. الآن الصراع الدائر داخل قوى الإجماع الوطني بما فيها حزب الأمة، لا توجد مساحة لـ(العلمانية) ولا (الإسلام).. الصراع محدد جداً والمعركة محددة جداً ويحكمها ويضبطها برنامج الحد الأدنى، وهو أنه لا توجد جهة أصلاً من خلال التحالف طرحت برنامجها، على العكس، فكل الأحزاب والقوى رأت أن الوطن الآن مأزوم ومجروح ومنقسم تسوده الحروب، ويتمدد فيه الفقر، وكل هذه القضايا والوعي بها، هو ما جعل هذه القوى تلتقي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد انفصال جنوب السودان، وعقب الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي رأيت رد الفعل القوي عليها حينما حدثت الزيادات الأخيرة، من قوى الإجماع ومن الشارع السوداني ومن الشباب وكل ألوان الطيف، وبالتالي لا توجد الآن معركة بين علمانيين وإسلاميين، وليست مطروحة أصلاً لا اليوم ولا الغد ولا بعد (30) شهراً- هي الفترة الانتقالية- التي يفترض أن يصفي فيها الناس كل آثار هذا النظام، ويعيدوا للخدمة المدنية والقوات النظامية قوميتها، ويعيدوا للسودان روحه، ويعيدوا له الحياة بعد أن صار (رجل أفريقيا المريض).
} ظل السودان يتقلب في دورة عسكر وأحزاب طائفية.. هل البلاد في طريقها للخروج من هذه الدوامة؟
– أنا أعترف لك بشكل صريح وواضح أن الصراع الذي يدور الآن داخل قوى الإجماع يشي بشكل واضح أن هذه الأحزاب لم تتعافَ ولم تنس شيئاً، ولم تتعلم شيئاً، ولو قدر لنا أن نحدث التغيير الآن، فأتصور أن نجتر ذات التجارب التي أعقبت ثورة أكتوبر 1964م، وانتفاضة 1985م، لأنه إلى الآن، وعلى الرغم من الميراث الثقيل الذي يمكن أن نرثه من هذا النظام الذي يحتاج إلى وقت طويل لتصحيحه وإعادة ترميم وبناء جسد الوطن المنهك والمتهالك، إلى الآن يتحدث البعض أن الفترة الانتقالية ستة أشهر، وعاماً واحداً. أي أنهم متعجلون للسلطة، ولا يعلمون أن كل هذه تعدّ قنابل موقوتة لو لم يتم حلها ومعالجتها، فسيتم ترحيل هذه الأزمات للفترة الديمقراطية، وبالتالي تدمير التجربة منذ بدايتها، لأنها ستكون تجربة مأزومة ومحاصرة بأزمات ومشاكل كثيرة، تحتاج إلى زمن انتقالي طويل لتفكيكها لترجع قدرة البلاد ومؤسساتها لمصلحة أهل السودان.
} تحفظتم على بعض بنود وثيقة الفجر الجديد.. ما هي هذه النقاط التي رفضتموها؟
– نحن في المؤتمر السوداني تحفظنا على مسألة إيجاد ثمانية أقاليم سودانية طرحتها الوثيقة بدلاً عن ستة أقاليم.. نحن لا نريد أن نخلق الآن أقاليم في جنوب النيل الأزرق وفي جنوب كردفان، فتاريخياً معروف أنها كلها كانت كردفان الكبرى، والنيل الأزرق.
} مقاطعة.. ما هي تحفظاتكم الأخرى على وثيقة (الفجر الجديد)؟
– نحن وافقنا على الوثيقة بتحفظات على بعض بنودها ونحن في المؤتمر السوداني نرى أن (القوات المسلحة) و(الشرطة) لا يزال الطابع القومي يغلب عليهما، وبالتالي نحن نصر على تماسكهما، ولو تم حلّ هذه القوات أو تفكيكها سيكون خراباً للسودان.. نحن حريصون على بقاء قوات الشعب المسلحة، لا يتم تفكيكها ولا تشريد الناس منها، وكذلك الشرطة.
} هل تؤيدون وساطة الرئيس “سلفاكير” لإجراء حوار بين الحكومة والجبهة الثورية أو بينها وقطاع الشمال؟
– أنا أقدر جداً لحكومة جنوب السودان هذه الوساطة التي ظلت تلح بها على المؤتمر الوطني، وظل الأخير يتعالى عليها، وحكومة الجنوب برئاسة “سلفاكير” هي أكثر جهة مؤهلة الآن لتلعب دور الوسيط وتقرّب المسافات بين المؤتمر الوطني والجبهة الثورية، وبالتالي لا أرى أي سبب يدعونا للمماطلة أو التردد أو التعالي على قبول هذه الوساطة، وهنالك صلات وقواسم مشتركة بين الحركة الشعبية في الشمال والجنوب، إضافة إلى المصلحة الاقتصادية بين دولتي الشمال والجنوب في عبور النفط.