أخبار

(حليل) الماضي!!

} قبل أن تكون هناك مشاكل في الاقتصاد جراء الزيادات الأخيرة ورفع الدعم وما صاحب ذلك من أحداث، لا بد أن نعترف ونقر بأن الأسر السودانية باتت تعاني من أزمة صفاء ونقاء وتعافٍ وصدق في التعامل مع معطيات الحياة كما كان في السابق، إذ إن التلوث قد أصاب الجميع كباراً وصغاراً للدرجة التي بتنا نفرح عندما نجد رجلاً صادقاً أو امرأة حنينة أو شاباً نظيف الدواخل.
} ذكريات جميلة وحكايات تشعرنا بالارتياح الوقتي ونحن نتأمل في الشكل المعروض على سطح الحياة هذه الأيام، بعد أن تبدلت النفوس وعم السواد كل أرجاء القلوب التي كانت ممتلئة بالنقاء وصفاء السريرة وحب الآخر والتعاون الاجتماعي الجميل.
} تذكرت ولاية القضارف مدينتي المحببة، واسترجعت شريط ذكرياتي فيها من خلال التجمع الاجتماعي الرائع والترابط العائلي الذي ينم عن حياة صافية وصادقة تحفها صفات متفرقة تكمن في التواجد والترابط الخالي من التلوين، والحريص على المصالح المشتركة، والخوف على الأخ والبنت والصديق والجار، والوقوف في الأزمات، والإحساس بالمشاكل الجماعية، والفرح الخرافي في الأفراح والأحضان التي كانت تشكل لوحة رائعة تؤكد أن الجميع أهازيج لهذا البناء الجديد، ويا لك من زمان!
} وصينية الغداء واحدة من الذكريات التي باتت في طي النسيان، فالحنين إليها مختلف والذكريات مدوزنة في آخر مكان في القلب والعقل، لأن الحوار الاجتماعي الذي يدور من خلالها يوضح مسار الأسر وتوجهاتهم في الأيام القادمات من خلال طرح الأب ونصائح الأم ومشاورات الأخ وإصغاء الابن؛ مما يؤكد أن الأسرة حريصة على البناء السليم من خلال الملح والملاح، ويا لها من رسائل اجتماعيه غالية الثمن.
} والجار الذي يهرع إليك عند أول صوت من الصياح أو الألم بات لا يبالي بأي هرج يحدث أو ضجيج يملأ المكان؛ لأن الكل بات مهموماً في اتجاهات أخرى، فاندثرت مقولة (الجار قبل الدار) لأن الجار الآن متماشٍ مع التغييرات التي حدثت، وبات يرد السلام بآخر الأنفاس، وربما فضل بعض الهمهمة؛ لأن الصدق ما بات نبراساً للتواثق الاجتماعي، ولأن الحب قد هرب إلى عوالم أخرى بعيدة من هذه الفوضى الاجتماعية التي نراها.
} استرجعت حكايات (الحيطة) وونسات منتصف الليل مع بنات (الحلة) والتصافي والنصائح التي كنا نتبادلها بصدق فطري، ومن ثم توجيهات متتالية عبر (النفاج) وعبر الأسوار والمتابعات التي تتلوها الأمهات والدعوات من الآباء للدرجة التي نطالع فيها الدروس مع جارنا السابع في الحي، ونتناول الطعام في منزل آخر، ونتداعى للشاي والقهوة في منزلنا وتدور الدائرة بحب غير مسبوق خالٍ من النميمة والقطيعة والاستخفاف بالناس.
} الأفراح في السابق كانت عبارة عن فرح جماهيري كبير، لأن الكل يحس بأن العروس أو العريس أبناءه، ويتعامل بذات المنطق لتوزع المهام بعفوية خالصة، فيخرج الاحتفاء كمهرجانات الدول العربية هذه الأيام، وكذلك الحال في أتراحها التي تحس فيها بوجع الفقيد وصدق الدموع وألم القلوب ويا له من صفاء.
} بدلاً من عراكنا حول الأوضاع الاقتصادية والدخول في المعارك السياسية التي لم نكن نعرف طريقها، فلنتجالس سوياً ونفكر في التفكك الاجتماعي الذي بات ظاهرة تشوه الجسد السوداني، بعد أن تقاطعت العلاقات حتى بين الأهل والإخوان، وقضى من بعدها على كل المعاني والمبادئ والقيم والأخلاق الفاضلة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية