تلتلة الشاكي أم المشكو..؟!
} وصلتني المداخلة التالية من الأخ الزميل “محمد حامد تبيدي” طارحاً رؤية من باب (ومن ناحية أخرى) بشأن معتقدي في مسألة جرجرة الصحافيين لنيابات خارج العاصمة في قضايا نشر.. مرحباً بالأخ “تبيدي” والرجل إعلامي معروف وصاحب جهد وافر طارحاً تصوره:
} بالتأكيد فإن ملف (النيابات الولائية المتخصصة في قضايا الصحافة) ملف حيوي ومهم ومؤثر، وبالتالي فإن الحديث فيه وحوله يحتاج إلى قدر جيد من الموضوعية والتجرد، وقد تطرقتم أخي أستاذ “محمد” إلى هذا الموضوع في أحد أعمدتكم بزاويتكم هذه، وخلصتم إلى مطالبة السيد وزير العدل بإعادة النظر في تلك النيابات، بل إلغائها ومركزة التقاضي بالعاصمة الخرطوم بزعم أن النيابات الولائية محاولة لإذلال الأقلام (الحرة) وإجبارها على السكوت عن أخطاء الولايات وإخفاقاتها!
ومع تام احترامي لرأيكم أرجو أن يتسع صدركم لمناقشة هذا الملف من زاوية أخرى، بعيداً عن الممارسة وكيفية تنفيذ الإعلانات وأوامر القبض وإجراءات الضمان وما إلى ذلك من مسائل إجرائية يمكن بالتأكيد إعادة النظر فيها بما يحقق مقاصد العدالة ويراعي أحوال أطراف الاتهام. لكن أخي “محمد”، ألا ترى معي أن مرْكَزَة القضايا بالخرطوم فيها ضغط وحيف و(إذلال) وإرهاق للشاكي والمتضرر شخصاً معنوياً كان أم اعتبارياً؟ لماذا يهون علينا ونستسهل (تلتلة) محمد أحمد وإجباره على الحضور إلى الخرطوم من أحد أصقاع دارفور أو بوادي كردفان أو أرياف كسلا أو غرب الجزيرة تاركاً أسرته وإبله وأبقاره وأغنامه وزراعته ومصادر معاشه ليدون بلاغاً ويشتكي فيه صحيفة أو صحفياً وهو المفترض ابتداءً تضرره من النشر؟! هل من العدل (تلتلة) الشاكي أم المشكو؟ (الضحية أم الجاني)؟!
المواطن الريفي البسيط الذي (يتخمخم) ويسافر مضطراً إلى الخرطوم قد يفضل التنازل عن مظلمته وشطب بلاغه، عوضاً عن السفر إلى الخرطوم وما يرافق ذلك من صرفٍ ماديٍ مرهقٍ قد يكون فوق طاقته و(ميزانيته)، فهل هذا ما يصبو إليه دعاة المرْكَزَة؟! المنطق والعدالة عندي تقول إن المتضرر يشكو إلى أقرب نيابة لمكان إقامته ويدوِّن بلاغه هناك وعلى المشكو (المتهم) أن يتعب ويسافر ويمثل أمام العدالة مترافعاً عن صحيفته أو نفسه.. نعم قد تكون هناك صيغ وسطى مثل أن تكون للنيابات المركزية والولائية (توأمة) مع بعضها البعض، بحيث يُفتح البلاغ هناك ويتم الاستدعاء والتحري هنا أو نحو ذلك من تنسيق وتكامل، لكن هذا الخيار قد لا يكون عملياً وممكناً ومُجدياً في كل الأحوال.
شخصياً.. أتمنى أن يلتزم الصحافيون قبل غيرهم بالقانون، وأن يلتزموا بأخلاقيات المهنة ومواثيق الشرف الصحفي، وأن يضطلع رؤساء التحرير بواجباتهم بدقة وتركيز، وأن تتحول (السكرتاريات الصحفية) إلى مصافٍ فعالة (تحجز) الأخبار المختلة والمواد المعتلة وتعيدها إلى (الدسك) لتُعاد خدمتها وتحريرها أو إهمالها، ذلك حتى يقل الازدحام بسوح النيابات المخصصة لقضايا النشر ويوظف الجهد المهدر والوقت المبدد لما ينفع ويفيد.. وأخيراً أتمنى أن تضطلع نيابات الصحافة كافة بمهامها وتؤدي واجباتها دون مساس بقيم ومؤشرات الاحترام والتقدير لحملة الأقلام وما يعانونه من رهق، ويتحملونه من معاناة في سبيل أداء رسالتهم السامية.
معزتي ومودتي واحترامي
محمد حامد تبيدي