رأي

هل تعود تلك الأيام؟

كلما مررت بشارع سينما (كوليزيوم) أقاوم دمعة حري توشك على النزول مما آل إليه حال السينما التي كانت مقصدنا في الأمسيات السعيدة تلك الأيام، ويستعيد ذهني شريطاً من الذكريات عندما كنا شباباً وأجسامنا تمتليء بحيوية الشباب وحرارته، كنت أنا بالذات أقصد هذه السينما كل مساء تقريباً حتى لو لم يكن لمشاهدة أحد الأفلام، لأن جوارها مكتبة عامرة بكل ما تنتجه مطابع القاهرة وبيروت من صحف ومجلات وروايات. كانت الصحف المصرية تأتي إلى السودان في نفس يوم صدورها وبسعرها المكتوب على غلافها، ولم نكن نجد صعوبة في شرائها وأساساً كان الجنيه قوياً لذا يبدو أي شيء رخيصاً، فكان الواحد منا يشتري أكثر من مجلة وأكثر من كتاب، إذا لم يعجبني الفيلم كنت أكتفي بهذه الرحلة اليومية التي أعود منها بكثير من الغنائم.
شاهدنا في هذه السينما أقوى الأفلام العالمية.. وشهدنا تكريم الموسيقار اليوناني الذي وضع الموسيقى التصويرية لفيلم (زوربا)، حتى لو لم يكن لدينا أي شيء نفعله أو نشتريه من مكتبة السينما، كنا ننتهز فرصة وجودنا هناك لزيارة المحلات والمطاعم الكثيرة .. كانت هناك كافتيريا قريبة من السينما تبيع الباسطة بعد أن يقطعها البائع قطعاً صغيرة، وبعد ذلك يعطيك الشوكة والسكين لتلتهما بكوب الحليب الطبيعي، أو الشاي باللبن الذي لا يساوي سعر الكوب منه ومعه الباسطة فقط أربعة قروش.
{ كانت الأسر تحضر لهذه السينما بكل أجيالها لتشاهد أفلاماً مثل (ثرثرة فوق النيل) أو “جيمس بوند” ولا أحد يخشى مضايقة باللفظ أو بالفعل، فقد كان الناس يحترمون الأسر ويحرصون على توفير الأمان لها، لهذا لم نسمع عن أي حادث اعتداء على أحد أو فتاة كانت مطمئنة أنها ستذهب وتحضر وكرامتها محفوظة.. وكنا أحياناً نفضل الدور الثاني أي الذي يبدأ بعد التاسعة، حيث هناك نوعية مختلفة من المشاهدين تركز على الفيلم ولا تحب الإزعاج. وكنا بعد الانتهاء من مشاهدة الفيلم نجد التاكسي على استعداد ليقلنا بنظام الطرحة بسعر لا يتجاوز خمسة قروش، أو نجد بصاً لا يأخذ من الواحد سوى قرشين فقط.
{ الآن كلما مررت بموقع هذه السينما لا أجد سوى العتبات المكسورة والقمامة وبعض (الشماشة) الذين لا يعرفون تاريخها، واختفت وفود الأسر الراقية وحل محلها (الشماشة). لا زالت المكتبة في موقعها لكن لا تبيع نفس نوعية المجلات، وبالطبع ليست بنفس الأسعار الرخيصة، كل شيء تغير للأسوأ. السينما التي كان مدخلها لوحة جميلة أضحت خرائب وحل(الشماشة) محل الأسر الراقية. ولم تعد الأسر في حاجة للحضور، فقد توقفت العروض السينمائية منذ عدة سنوات .. إن هذه الدار تحد أمام الرأسمالية الوطنية، بقليل من الصيانة تعود (كوليزيوم) إلى شبابها وتعود تلك الأمسيات الرائعة إن شاء الله.
سؤال غير خبيث
سينما كوليزيوم شهدت أياماً رائعة فهل نحلم بعودة تلك الأيام بعيداً عن(الشماشة)؟

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية