أخبار

لماذا سكت طه؟!

أراقب ردود فعل “المؤتمر الوطني” على مذكرة الإصلاحيين فأجدها “متشنجة” حيناً.. و”باردة” أحايين أخرى.. غير أن معظمها ظل يؤكد أن ما أصاب الإصلاحيين اقترفته أياديهم.. تصريحات في مجملها أغلقت الباب تماماً بعد أن كان حتى وقت قريب “موارباً”.. لكن لماذا ظل الأستاذ “علي عثمان” يمارس الصمت تجاه هذه المذكرة ومصير الذين وقعوا عليها.. هذا الصمت يؤشر بجلاء بليغ إلى أن الذي يحدث داخل المؤتمر الوطني ليس بالبساطة التي جعلت البعض يتسرع لإطلاق التصريحات التأديبية وخطب الرجم السياسي!!
“علي عثمان” ربما له قراءة أخرى.. قد يكون رافضاً جملة وتفصيلاً ما أقدم عليه الإصلاحيون من إعلان لمواجهات إعلامية مفتوحة.. قد يكون متفقاً مع الحراك الإصلاحي في مقاصده والأسباب التي أفضت إليه.. لكنه من المؤكد ما كان يريد لهذا الحراك أن يخرج عن الطوق ويفضي إلى مفاصلة ثانية يدرك جيداً أنها ستكلف الوطني الكثير في حال نجح الإصلاحيون في استمالة قيادات من الوزن الثقيل داخل منظومة الحزب السياسية!!
“علي عثمان” الذي ظل يصف الوطني بالحزب الرائد والعملاق سكت هذه المرة.. لم يقل حتى الآن على الأقل بتصريح يوضح موقفه من الذي جرى.. ليس صحيحاً أن الأزمة لا تعنيه، وتتصل بشكل أوثق برئيس الحزب ونائبه للشؤون التنظيمية، وربما ترك الكرة في ملعبهما.. وليس صحيحاً أنه يعول كثيراً على انتمائه الأصيل للحركة الإسلامية التي ما زال الإصلاحيون ولو شكلياً تحت مظلتها، وبالتالي لا داعي لافتعال خصومة أخرى لم تندلع نيرانها بعد.. خاصة وأن أروقة اجتماعات الحركة الإسلامية الأخيرة شهدت تقاطعات حادة في وجهات النظر، وقد يُفهم أي تصريح لعلي عثمان في هذه المرحلة بأنه تصفية لحسابات قديمة!!.. وحتى ولو كان كل ذلك صحيحاً فالأكثر دقة ربما هو أن الرجل بات يدرك أكثر من ذي قبل أن ما يحدث داخل المؤتمر الوطني لا يمكن أن يحسم هذه المرة بمجرد تصريحات لا تعترف بالمقدمات السالبة التي أفضت إلى نتائج حتمية خطيرة مثلتها حالة “الململة” داخل الحزب وشق البعض لعصا الطاعة مرة بالانقلاب العسكري ومرة أخرى بالمذكرات الإصلاحية.
ربما كان ضرورياً ــ كما يرى البعض ــ أن يخرج “علي عثمان” من صمته لإعطاء عضوية الحزب شحنة معنوية وطاقة روحية تجعلها أكثر تماسكاً في مواجهة التحديات التي تواجهه لكنه لم يفعل.. قد يقول قائل إن فعل الصمت هنا يقلل من حجم الحراك الإصلاحي ولا يمنحه زخماً إعلامياً إضافياً، وسيعجل بطي صفحته.. لكن في المقابل المنطق يقول إن الطريقة التي تعامل بها الوطني مع إصلاحييه تشي بانزعاج حقيقي من الخطوة وقدر عالٍ من القلق بالحراك الإصلاحي؛ مما قد يفسر صمت “علي عثمان” بأنه يتجاوز مجرد تعمد التجاهل إلى النأي عن الدخول في معترك ما زالت نتائجه لم تتضح بعد في ظل حقبة سياسية حبلى بالمفاجآت التي لم يعد الوطني هو القابض الوحيد على مفاصلها في أعقاب القرارات الاقتصادية الأخيرة والتداعيات التي ترتبت عليها، وما أوجدته من سخط شعبي كاد يطلق احتجاجات واسعة لم يكتب لها النجاح لكن ظلت عوامل اشتعالها قائمة!!.. وهو تفسير لا يعني عدم القدرة على المواجهة وإنما محاولة احتفاظ “طه” بشعرة “معاوية” ليس مع الإصلاحيين المغضوب عليهم، وإنما مع جميع أوجه الحراك الإصلاحي التي تتجاوز رافعي المذكرة إلى آخرين ظلوا ينتقدون الحزب، ولكن من داخل مؤسساته وليس خارجها، وهؤلاء يحتاجون لصوت حكيم ومتفهم وليس لصقور جارحة تريد إدارة الحزب بطريقة استعلائية صارمة!!
من المؤكد أن “طه” بات يشعر أن أزمة الوطني لن تعالج بخطب التعبئة السياسية، ولا تصريحات التطمين وتعزيز الثقة في الحزب الحاكم؛ لذلك ربما انحاز للصمت انتظاراً لـ”حراك إصلاحي” جاد من داخل مؤسسة الحزب يبطل مفعول جماعة الواحد زائد ثلاثين الإصلاحية، التي تملك في يدها الآن ورقة ضغط قوية هي أن حزبهم فصلهم لأنهم دعاة إصلاح!!
ولأن الإصلاح يقتضي وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً وثمناً باهظاً، فالقضية داخل الوطني لن تحسم غالباً في منظور قريب، فهل يواصل “طه” صمته دهراً؟! أم سيعود ليتحدث في كل شيء إلا “المذكرة” و”جماعتها” و”الإصلاح”؟!.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية