مركز «الـخاتم عدلان».. هل يحوز على قرار عودة نشاطه؟
الكاتب الفرنسي الشهير “أندريه موروا” لديه حكمة شائعة مفادها (غير المتوقع يحدث دائماً)، فهل يتصور المرء حدوث مراجعة دقيقة من قبل الحكومة حول قرارات إيقاف نشاط بعض منظمات المجتمع المدني على رأسها مركزي “الخاتم عدلان” والدراسات السودانية التي خلقت نوعاً من التوتر والاحتقان بين السلطة والمراكز الموقوفة.. فالشاهد أن تلك الإجراءات الحكومية كانت قاسية ومتعجلة مصحوبة بارتال من الاتهامات الغليظة على المراكز المستهدفة التي أكدت أن دورها ينحصر في الحراك الثقافي والتنويري والاجتماعي انطلاقاً من الدستور والقوانين..
في الصورة المقطعية ظل مركز “الخاتم عدلان” يتلقى الملاحقة والمطاردة بين الفينة والأخرى، حتى انتهى المطاف بإغلاقه ومصادرة ممتلكاته والأمر بإخلاء المبنى في أواخر ديسمبر 2012م، وقد ترك هذا القرار الخطير سحابة داكنة من الحزن والكمد على نفوس الرواد الذين ظلت برامج مركز “الخاتم طازجاً” في ذاكراتهم بشهادات التفوق العالية والمذاق السحري، بل انتقلت علامات الكآبة والقلق إلى رحاب شرائح المجتمع الأخرى الذين عايشوا رسالة مركز “الخاتم” على صعيد الانفتاح والتثقيف والنهضة المتكاملة.
في المشهد السريالي توجد على المسرح السوداني مبادرة حكومية مهمة على مستوى رئيس الجهورية، تهدف إلى إيجاد علاقة توافقية متينة بين جميع القوى السياسية في إطار الخروج من عنق الزجاجة الذي يمر به الوطن في هذا الظرف الدقيق..
كم شاهدنا لقاءات الرئيس “البشير” بالإمام “الصادق المهدي”، وكم تابعنا محاولات فتح الأبواب مع الدكتور “الترابي”، فهنالك إرادة سياسية عاتية على مركب إعادة صياغة اللحمة الوطنية من خلال مشارف جديدة!! فالسودان بحاجة إلى رافعة تعكس طوق النجاة من ثقل الخطوب والبلايا.
وإذا كانت السياسة تحتاج إلى رافعة مصالحة وحوارات منتجة تؤطر إلى التعاون والتفاهم في سبيل المصلحة العامة، فإن الحالة تنطبق على فضاءات المجتمع المدني تماماً مثل وقع الحاضر على الحاضر.. فالثابت أن عالم السياسة والمجتمع المدني يصب كلاهما في بوتقة خدمة الشعوب على قوالب التنمية والاستنارة وإقامة سبل الحياة الكريمة للمواطنين حتى في ظل وجود الهواجس المتبادلة والتباعد الأيدلوجي!!
من هذا المنطلق هل يحوز مركز “الخاتم عدلان” على قرار عودة نشاطه بوصفه أكبر مراكز المجتمع المدني تأثيراً في النشاط الثقافي والاجتماعي والاستناري بالشواهد الدالة، فضلاً عن تعاونه الواضح مع السلطات خلال الفترة المنصرمة باعتراف المفوضية الإنسانية (هاك).
فالدرس المستفاد من عملية الهجمة على مركز “الخاتم عدلان” وإيقافه يجب أن تأخذ الطابع العقلاني والفكري والمعنوي الذي يؤدي إلى إلغاء القرار، وفتح صفحة جديدة مع جميع المراكز الموقوفة، فالواضح أن أسلوب محاربة منظمات المجتمع المدني من قبل السلطة في ظل التربص الدولي على الحكومة سيؤدي إلى نتائج عكسية، تنتهي إلى مزيد من الآراء الغربية التي تصف أهل الإنقاذ بالتطرف والتعسف، باعتبار أن دول العالم الأول ترى أن التضييق على مراكز المجتمع المدني شهادة مجانية من الحكومة تؤكد على هضم الحقوق وإذلال الرأي الآخر وإغلاق المنافذ الفكرية والاجتماعية ومكتسبات الشرائح الوطنية!.
في العقلية الغربية والأمريكية يؤدي إيقاف أي مركز استنارة إلى رؤية عميقة جوهرها ضرورة ملاحقة النظام المعني، فالإشارات هنالك تنطلق على سرعة الضوء من المخ إلى القلب لتكون جزءاً من القناعات الراسخة.. هكذا تتكون مفاهيم دول العالم الأول وبذلك تظهر الترجمة على قوائم العقوبات وربما منع التأشيرات الرئاسية!
المحصلة تؤكد أن العلاقة بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني في الضفة المعاكسة تحتاج إلى حوارات مكثفة لكسر الرأي المبستر والنرجسية المثبتة في إطار محاولة الوصول إلى التفاهمات الناجعة القائمة على احترام الدفاعات المشتركة وإبعاد الشكوك والهواجس، فالمجتمع المدني يحتاج إلى التمويل بأشكاله المتعددة، فهو السلاح الفاعل لتغذية النشاط والأفكار على طريق النجاحات الحسية ما دام الأمر يرتكز على المبادئ العامة، فالحوار المفيد يحتاج أيضاً إلى أهمية طرد اتهامات التخابر، بحسبان أن العالم أصبح ضاحية صغيرة لا توجد فيه أشياء مدسوسة من وراء القناع.
شئنا أم أبينا، فإنَّ قوة زخم المجتمع المدني في الشعوب شيء مهول لا يقبل الانحسار!!