والي القضارف السابق ورئيس اتحاد مزارعي الولاية "كرم الله عباس الشيخ" لـ(المجهر) (2 – 2)
طلبت زيارته بعد مكالمة هاتفية تمت بيننا في صبيحة يوم العيد.. أخطرني بأنه سيكون موجوداً بمنزله في صبيحة اليوم التالي.. زرته باكراً فوجدته كما السودانيين الأصيلين الذين يقفون لخدمة ضيفهم بأرجل حافية، فالرجل قدم الماء وحلويات العيد بنفسه ونادى على ابنه “الطاهر” ليكمل واجبات الضيافة. من جانبي كنت حريصاً على كسب الوقت لأن (الدنيا عيد)، فدلفت مباشرة لتشغيل جهاز التسجيل وطرحت عليه الأسئلة مباشرة وكان الرجل كعادته صريحاً وواضحاً.. فإلى تفاصيل الحوار..
} كأنك تريد أن تقول إن حل مشكلة السودان في حل مشكلته مع الآخر؟
– لا، أنا لا أرهن بلداً وقدراتها وأن يكون حلها مع أمريكا أو إسرائيل. هذا ليس فهمي، ولكني لا أرى أن هناك مشكلة إذا كانت هناك علاقة أو لم تكن، وأنا فهمي ليس ضيقاً حتى أقول إن العلاقة مع أمريكا جوازها عبر إسرائيل، ولا أرى أن أمريكا متحكمة فيها إسرائيل لهذه الدرجة كما يقول الناس، وقد يكون اللوبي الصهيوني لديه تأثيراته ولكنه غير متحكم بكل المسألة، وأمريكا دولة توجد مؤثرات كثيرة عليها غير اللوبي الصهيوني، وفيها مراكز للدراسات، ولديها مصالح مع دول كثيرة أخرى، وأعتقد (أننا لو نظرنا لمصالحنا وين؟) فيمكن أن نحل كثيراً من القضايا.
} في جانب الحركة الإسلامية وبعد مذكرة العشرة يقول البعض إنها أفرزت أكثر من حركة إسلامية.. والبعض يتمسك بزعامة شيخ “حسن” للحركة بينما آخرون انتخبوا شيخ “الزبير أحمد الحسن”.. وهناك حراك في الفترة الأخيرة قال الكثيرون إنه يمكن أن يقود إلى وحدتها.. كيف تنظر إلى كل ذلك؟
– طبعا حركة الإسلام لا يمكن أن تبلورها أو تحجمها في جماعة بعينها، وأنا واحد من الناس الذين يريدونها أن تكون تياراً لكل المسلمين ولكل الشعب السوداني، وتصبح حركة عالمية تجمع كل الناس في العالم، لذلك هي الآن متجزئة في تيارات كثيرة جداً، وغير ذلك هناك أحزاب سودانية كثيرة وتيارات أخرى تدعو إلى الإسلام وإلى الدين الإسلامي وتحكيم الشريعة الإسلامية وغيرها. وحقيقة أتمنى أن يتحد كل التيار الإسلامي في السودان بمختلف مشاربه، لأن أصل قوتنا في وحدتنا، والإسلام جاء دين وحدة، وإذا لم نتحد لن تحل مشكلتنا، وكذلك مشكلتنا السياسية الآن تحتاج للوحدة لأن واحدة من أكبر المشاكل التي أدت إلى الحروب هي مشكلة العنصرية، وهذه أخطر قضية الآن تضرب السودان بشدة، لأن العنصر والجهة والقبيلة دخلت وأصبحت مشكلة في الصراع حول السلطة وآثارها واضحة جداً في الصراع في كثير من الولايات، وأصبح هناك تمييز عنصري كبير واستغله الكثير من الأشخاص ليصلوا به إلى السلطة وإلى ما يريدون، وهذه انتهازية وهي تخاطب مشاعر الناس باسم القبيلة والظلم والتهميش وكذا.. وكل هذه القضايا لا حل لها إلا بالدين، لأن الجميع يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لذلك اتحد الناس في حركة إسلامية جامعة، وحتى أنك لو قرأت رؤاهم وأفكارهم لن تجد خلافاً في حزب الأمة بكل مسمياته والحزب الاتحادي الديمقراطي بكل مسمياته والتيارات الإسلامية وتيار الوسط وغيرهم، ومنبر السلام العادل.. كل هذه منطلقاتها إسلامية وفي وحدتها قوة ووحدة للبلد، وستنهي الكثير من المشاكل والصراع.
} وما تقييمك للحكومة في ولاية القضارف وكيف تنظر لأدائها في فترة ما بعد استقالة “كرم الله”؟
– هذا السؤال أعفني من الإجابة عنه.
} لكن الكثيرين يقولون إنك من أتى بالكثير من طاقمها الحالي وينتظرون تقييمك لأداء حكومة ولاية القضارف الحالية؟
– أعفني من هذا السؤال.. لا أريد أن أخوض فيه، والحكومة من واليها إلى كثير من الأخوة كانوا يعملون معي في تشكيلتي الوزارية، وأتمنى لهم التوفيق والسداد، وأن يظلوا على العهد وعلى البرنامج، والقضية ليست في الأشخاص ولا المسميات، وأتمنى أن يكونوا حريصين على البرنامج الذي جئنا من أجله وعلى إنفاذه.
} وما موقف الموسم الزراعي الحالي في ولاية القضارف.. وهل يمكن أن يعالج إنتاجه ولو جزئياً مشكلة الاقتصاد الحالية؟
– أصلاً مخرج السودان في الزراعة بشقيها، وهذا معلوم لأي شخص، ولا يوجد أي مخرج آخر. والحديث عن بترول وذهب وغيره كلام لا قيمة له.. نحن لا نحتاج إلى بترول ولا ذهب أو غيره وهذه فقط أشياء سريعة، وكان يفترض أن نكفي أنفسنا والوطن العربي، والسودان موضوع من بين ثلاث دول تحل مشكلة الغذاء في العالم مع أمريكا وكندا، والسودان هو البلد الوحيد من دول العالم الثالث المهيأ للقيام بذلك، ولكن للأسف ما زلنا نتنكب الطريق ولم نسر أصلاً في الطريق الصحيح لنزرع ونكفي أنفسنا ونكفي الآخرين، بل نحن الآن غير قادرين على أن نكفي أنفسنا، والله سبحانه وتعالى حبانا بالكثير من الموارد غير الموجودة في الكثير من الدول الأخرى، وأنا بعدد الدول التي رأيتها أقول إن طبيعة وأرض وموارد مثل التي في السودان غير موجودة في أي مكان آخر، ولكن نحن لدينا سياسات خاطئة ولا نملك نفساً طويلاً لنصرف على الزراعة وعلى بنياتها التحتية، وأذكر أن البترول عندما خرج كنت رئيساً لاتحاد مزارعي السودان وقلنا إن موارد البترول يجب أن تذهب إلى الزراعة، ولكن كل الموارد أصبحت أبراجاً وعربات وأشياء أخرى لا قيمة لها وهي ليست أولويات، ولو حولت للزراعة وللأشياء التي تحتاجها من طرق وغيرها كان يمكن أن تأتي عائدات الزراعة وتقام كل الأشياء الأخرى، ولكن (الشفقة) والفساد الكبير الذي ضرب البلد بعد البترول جعل معظم الأموال ضائعة، وحتى بترول السودان كمياته قليلة، وبعد خصم حقوق الشركات فإن الذي يأتي للسودان شيء لا يذكر، وشغلنا من قضيتنا الأساسية وهي الزراعة، ومن ثم استبشرنا خيراً بقضية النهضة الزراعية ولكن هذا الملف مات ولا أحد يتحدث عنه الآن، وجاء البرنامج الثلاثي الأولي وحينها كنت والياً، وجاءت الزيادات والتعرفة الجمركية وغيرها وقالوا كل تلك الموارد ستذهب للزراعة، وفي ذات الوقت كنت رئيساً لاتحاد المزارعين ولم يأت شيء، ونحن في القضارف تحمسنا جداً في وزارة الزراعة برئاسة البروفيسور “مأمون ضو البيت” وكان عالماً وأعددنا برنامجاً سميناه (برنامج الزراعة من أجل الصادر)، وعالجنا ذات القضية ووضعنا لها برنامجاً تنفيذياً في محاور كثيرة جداً، وحددنا كيفية زراعة محاصيل للصادر تركيزاً على السمسم وزهرة الشمس والقطن المطري والقطن للاكتفاء المحلي وللدواجن والحيوانات، والولاية قادرة على ذلك، ورتبنا البرنامج ووضعنا مراكز للتقانة وغيرها، وزار الولاية النائب الأول، وزار ثلاث بيئات زراعية ورأى المشاريع وتحمس، وكانت معنا مجموعة من المزارعين الكبار وزاروا معنا أستراليا وشاهدوا البرنامج والتقانات هناك لأن بيئتها شبيهة ببيئتنا، وجئنا وصممنا البرنامج، وكل حاجتنا من الدولة كانت أن تمنحنا الدولار بالسعر الرسمي حتى لا نشتريه من السوق الأسود، وهي معدات مكلفة وتمويلها يتم عبر البنك الزراعي والمعدات التي أسعارها مرتفعة جداً تزاد لها المدة، واتفقنا على كل التفاصيل، والبرنامج لم ينفذ لأن العملة لم توفر لعدم توفر الجدية والأولوية، وأنا متأكد أن عملات صعبة توفرت لأشياء لا قيمة لها، ويمكن أن توفر لأناس ليستوردوا (تفاح) مثلاً أو (عنب)، والبرنامج لم يمض، وهو فيه الحل.
} الموسم الحالي هل يمكن أن يعالج ولو نسبياً مشكلة الاقتصاد في السودان؟
– الموسم الحالي معروف فيه شح في الأمطار، وهي ضعيفة في معظم مناطق ولاية القضارف، وهو موسم ضعيف وإنتاجه سيكون ضعيفاً، ولم يكن شبيهاً بالموسم السابق الذي كان ناجحاً، والمزارعون سيتعرضون في الموسم الحالي لمشاكل، والزراعة أصبحت مكلفة جداً، وعندما دخلوا للموسم الحالي الأشياء التي يشترونها قد وصل دولارها إلى سبعة جنيهات ونصف الجنيه، والآن الحصاد كله سيأتي بالأسعار الجديدة للمحروقات التي تمثل أساس كل العمليات، وحتى الخيش والترحيل والعتالات والحصاد بالآليات وغيرها وسقاية العمال وأسعار المأكولات والغذاء، وبالتالي الكلفة كبيرة وحياة المزارعين أنفسهم، فهم لديهم بيوت وأبناء وتربية وتكاليف، والأيدي العاملة أصبحت قليلة جداً وأصبحت تأتي من أثيوبيا وهؤلاء يحسبون أموالهم بعملتهم وهي (البِر) وهي قوية جداً في مقابل الجنيه السوداني، وكلما يتراجع الجنيه يتقدم (البِر) وهذه واضحة حتى للمسؤولين في الخرطوم من الخادمات في المنازل، والكلفة عالية جداً في الزراعة، وأتوقع إنتاجية ضعيفة جداً، ومعظم المزارعين سيخسرون وسيعانون من مشاكل، ومعظمهم ممول من البنك الزراعي الذي ظل يقدم خدمة كبيرة جداً للقطاع الزراعي المطري.
} زيادة الأسعار في المحصول ألا يمكن أن تعوض خسائر المزارعين؟
– يعني تعويض نسبي، ولكن هناك شريحة كبيرة جداً غير منتجة، والآن واحد من الأشياء التي نريد أن نناقش فيها الأخ وزير الزراعة هي تغيير سعر السَلم، فعندما وضع لم تكن الإشكاليات الحالية موجودة ولابد أن تراعى، والأمر الآخر هم قالوا إن المال الحالي سيذهب إلى الزراعة ونحن نريد أن نعرف (يذهب كيف ولدعم ماذا في الزراعة؟) وهل ستفتح جيوب كل مزارع وتوضع له أموال؟ نحن نريد أن يكون الدعم للمدخلات وتحديد كيفيتها وكيفية وصولها للمزارعين، وسنقدم في ذلك ورقة واضحة، ونتمنى أن يكون في ذلك جدية وليس كلاماً، وأنا شخصياً أصبحت لا أثق والكلام يقال، وفي النهاية تأتي المحصلة صفرية، وأتمنى أن يكون هناك صدق وشفافية، وأن توجه الأموال للزراعة ومدخلاتها وللمنتجين حقيقة، وتكوّن لجان لتتابع، ويُشرك المنتجون في ذلك ولا يكونوا متلقين، ولابد أن يعرفوا السياسات وحجم الأموال وكيفية إدارتها لأنهم المنفذون، وأتمنى أن تكوّن لجنة للإنتاج والمنتجين من مجلس الوزراء لأنها الأساسية وما عداها (كلام ساكت)، وثلاث سنوات لن تكفي لقضية الإصلاح عبر الزراعة، ويجب أن نبدأ لأن مشوار الميل يبدأ بخطوة.
} في ختام الحوار نتيح لك الفرصة لإضافة قضية ترى أنها مهمة ولم نتطرق إليها؟
– لا توجد قضية مهمة لم نتطرق إليها، ولكن أتمنى أن يركز النشر على القضية الاقتصادية. الكلام السياسي كل إنسان يمكن أن يقوله، ونعتقد بحكم مهمتنا في اتحاد مزارعي ولاية القضارف أن هذه هي القضية التي تهم المزارعين والمنتجين وهي التي تفيد البلد، وهذا هو سهمنا في المسألة الاقتصادية والدفع بها، ونريد من الصحافة في الفترة القادمة أن تهتم كثيراً بالمنتجين وبمشاكلهم، وبطرق دفع الإنتاج الزراعي وترقيته وحل مشاكله.. هذا ما يفيد البلد ويقدمها، وكلام السياسة (طق حنك ساكت في الهواء).. كلنا يمكن أن نتكلم والآخرون يمكن أن يتكلموا، وأتمنى ونحن في هذا العيد المجيد أن يوحد ربنا هذا الوطن بكل أهله وكل هذا الشعب، وأتمنى أن يكون الأخ الرئيس ببركة هذه الأيام رئيساً لكل الوطن ويدعو لمؤتمر جامع يجمع فيه كل الناس.. أحزاب معارضة، حركات مسلحة، مفكرين وغيرهم، لنجلس ونخرج برؤية لكيف يكون الوطن ومستقبله وإدارته، ولنخرج بميثاق نسميه دستوراً انتقالياً لمرحلة نشرك فيها الجميع، ويمكن أن تصبح هذه المرحلة بحكومة تكنوقراط حتى لا يقال إن الحزب الفلاني مثل أكثر، وتصبح فيها فترة انتقالية يرأسها الرئيس البشير بحكم أنه رئيس منتخب، وتقوم في البلد انتخابات حرة ونزيهة يشارك فيها الجميع، لأن أية انتخابات تقام في ظل هذا الوضع وهذا الانقسام لا قيمة لها، وتصبح مثل الإنسان الذي يلعب من نفسه، ويجب أن نهيئ البلد لهذه النقلة، وفي ظل هذا الوضع، ونشيع فيها الحريات واسعة لأن التضييق غير مفيد للعملية السياسية ولاستقرار الوطن، ونفتح الحريات على أبوابها جميعها ونترك كل إنسان يكتب ويقول، وما دام هناك انترنت و(فيسبوك) فإن الحجر والمراقبة لا تفيد، وفي ظل ذلك الوضع يمكن أن تتجمع الأحزاب وتصبح جبهات متحدة ويتم تحديد الفترة الانتقالية، وتدعم فيها الأحزاب مالياً حتى لا يكون الدعم لجهة واحدة، والمال مال الجميع ومال الوطن كله، وحتى لا ترتمي الأحزاب في حضن الأجنبي الذي لديه (أجندته)، وتتعافى الجراحات وتقوم انتخابات حرة ونزيهة يشرف عليها الأخ الرئيس ولجان محايدة والمجتمع الدولي كله، وبعد ذلك الحزب الذي سيفوز كل الناس ستحترمه وستكون هناك حكومة ومعارضة، وإذا لم تكن هناك معارضة حقيقية فلن يكون هناك حكم رشيد في البلد، والآن واحدة من مشاكلنا الأساسية أن برلماننا اتجاهه واحد ولا توجد معارضة، ونحن نتحدث عن قضية الفساد لعدم وجود البرلمان والرقابة، وعندما نتحدث عن أولويات في قضايا كثيرة فذلك يقوم به البرلمان. الحكومة إذا لم تفعل ذلك، المعارضة تطرحها في البرلمان، في السياسات، في الخطط، في الأسئلة، ويكون هناك عمل برلماني حقيقي كما في الدول الأخرى. أتمنى أن ينهي الرئيس فترته بهذا العمل الوطني الكبير، وهو جدير بذلك، ويكون لمّ الأمة السودانية كلها ووحدها ووحد إرادتها وقرارها، ويكون هذا عملاً عظيماً يسجله له التاريخ.