«غازي العتباني».. عوامل التحول إلى أسطورة!!
الدكتور “غازي صلاح الدين العتباني” في الواجهة على المسرح السوداني.. الأضواء لا تنحسر هذه الأيام عن هذا الرجل المثير للجدل الذي يستخدم أسلوب الصدمة والبراعة والتكتيك للوصول إلى أهدافه القائمة على إحداث أكبر عملية إصلاح سياسي في حزب المؤتمر الوطني من خلال تطبيق مفاهيم النقد الذاتي الصحيح، وإغلاق نوافذ المحطات البالية والانحياز لدولاب العصرية والحداثة في الممارسة السياسية حتى صارت أطروحاته مصحوبة بعاصفة عاتية من العيار الثقيل.
هل الدكتور “غازي صلاح الدين” يعدّ “غورباتشوف” المؤتمر الوطني، يريد استحداث عملية إعادة بناء حزبه على خلفية أوضاعه الحالية؟؟ أم أن الرجل يمثل دور “سقراط” في التاريخ الإغريقي القديم مع اختلاف المالآت والأهداف؟؟
في الصورة المقطعية يرى البعض أن الدكتور “غازي صلاح الدين” يحمل عوامل التحول إلى أسطورة، انطلاقاً من الكتلة الدماغية والحركية والفلسفية الموجودة في كنانته، فهو يخلط معالم الحذر والتنبؤ مع بوادر النصائح على أرائك القراءة العميقة ليقدم الفكرة السياسية الناضجة على قالب من ذهب.. هكذا أطلق “غازي صلاح الدين” الإشارات الحمراء للانفصال في البداية من خلال محطة (ميشاكوس)، وقدم رؤية عميقة حتى لا يتأجج حريق دارفور على الشكل الماثل للعيان.. علاوة على ذلك، لم يتحمس الرجل لمداولات مؤتمر الحركة الإسلامية الأخير وأبعاده ارتكازاً على قناعة ذاتية عن حاجة الجسم الإسلامي إلى جراحة استئصاليه كبيرة.
وفي السياق، ينجرف دكتور “العتباني” إلى المذكرة الشهيرة التي خطفت الألباب والأبصار في الشارع العام من خلال هذا الظرف، فقد جاءت المذكرة بعد معركة حامية الوطيس بين “صلاح الدين” والمخالفين لأطروحاته، حيث ظهرت بمشاركة العديد من رموز وقيادات المؤتمر الوطني، على رأسهم الأستاذ “حسن رزق” والعميد (م) “ود إبراهيم”، والدكتورة “الغبشاوي” والعميد (م) “صلاح كرار” والأستاذة “سامية هباني” والدكتور “أحمد الدعاك” وبقية الكوكبة.
في المشهد السريالي، فإن مذكرة “غازي صلاح الدين” وأنصاره قد كسرت النصال على باحة المؤتمر الوطني، وكانت زلزالاً مهولاً حرك كوامن الغضب ولهيب الملاحقة، فكانت إجراءات لجنة المحاسبة برئاسة مولانا “أحمد إبراهيم الطاهر”، ثم قرارات التجميد، فالمذكرة ضربت على الوتر الحساس وبيت القصيد والمنطقة المحرمة.. كيف لا؟ وهي قد طعنت في الإجراءات الاقتصادية الأخيرة على المواطنين، وطالبت بالتعويض للمتضررين جراء القتل والتخريب، فضلاً عن المناداة بإطلاق الحريات وتشكيل آلية وفاق وطني لمعالجة الأزمة السياسية الحالية.. فالشاهد أن “غازي صلاح الدين” وأنصاره قالوا إنهم يمثلون ضميراً حياً داخل المؤتمر الوطني، كما أنهم ذكروا (لن نتراخى عن دورنا المشهود على خلفية قرار التجميد).
كان “غازي صلاح الدين” جريئاً إلى حد مخيف في أطروحاته التي وصلت إلى هذا المستوى في وقت هاجمه فيه البعض بأنه شخصية مترددة ولا تحسم الأمور، وها هو الآن يتكاتف مع أنصاره ويحاول تجسيد دلالات التحول إلى أسطورة الإصلاح والتحديث في حزب الأغلبية الحاكمة بكل ما يحمل من صولجان وأنياب غليظة، فالأسطورة في الكيمياء السياسية تمثل الشعور الصحيح بالأعمال الاستثنائية من خلال الحكاوي والتدوين على دفتر التاريخ.
ما هي قوة التأثير في ميزان “العتباني” وأنصاره؟ ولماذا اختار هذه المعركة الضارية مع بني جلدته التي قلبت الموازين إلى مستوى الانبهار؟! بيد أن الإمام “الصادق” وصف هذا الحراك الخطير في المؤتمر الوطني بأنه علامة تستحق التأمل العميق.
ربما تكون مزايا الدكتور “غازي صلاح الدين” أنه جسد جاذبية اللا خوف، وطبق بريق المنطق والحجة في تحركاته التي ظهرت في تناغم ملحوظ مع أنصاره العديدين، فهناك من يرى بأن “العتباني” لديه مجموعة مؤيدة في المؤتمر الوطني لم تظهر على السطح حتى الآن، على رأسهم الوزيرة السابقة “سناء حمد” والفريق “صلاح قوش”.
المحصلة تؤكد أن القوة المغنطيسية تشد المبارزة الحامية والسجال العرمرم بين الإصلاحيين والمخالفين لهم على أروقة حزب الأغلبية في إطار مذاق فريد وإيقاعات لامعة.