الرافع العسكري للثورة عند «الصادق المهدي».. حل أخير
قال رئيس حزب (الأمة القومي) الإمام «الصادق المهدي»إن التحرك لإزالة ما وصفها (الديكتاتورية) مهما كان واسعاً، ما لم يصحبه (رافع عسكري) سينذر بحمامات الدماء بلا نهاية ، ودلل «المهدي» الذي كان يتحدث في احتفال نظّمه حزبه احتفاءً بالذكرى الـ(49) لثورة أكتوبر المجيدة ،أن تجربة السودان في ثورتي أكتوبر(1964)،وأبريل(1985)،وتجارب دول الربيع العربي قاطبة دلت على ذلك.
ومعلوم أن تجربتي(أكتوبر) و(أبريل)،انحازت فيهما القوات المسلحة إلى خيار الشارع الرافض للديكتاتورية،وفي التجارب الحديثة حدث ذات الأمر في مصر، الأمر الذي أنجح تحرك الشارع الرافض لتلك الأنظمة ،وحسم خيارات الجماهير العريضة التي أصرت على التغيير،ما دفع بالجيش لاحترام إرادة شعبه.قد تبدو دعوة «المهدي» الحالية غير متنافرة مع حالة المشهد السوداني ،ويرى مراقبون أن ذات السيناريو قابل للتحقق ،ويعزون ذلك لانسداد الأفق لدى النخبة الحاكمة،في وقت تضرب فيه الأزمة الاقتصادية بأطنابها ما يدفع بمزيد من الاحتجاجات التي ربما تتحول في خاتمة المطاف إلى موجات جماهيرية ضاغطة على الحكم بحيث لا يمكن تفادي مطالبها.
ويرى المحلل السياسي البروفسير «حسن الساعوري» أن حديث «الصادق» يقرأ من كون الرجل قرأ تجربة ثورتي أكتوبر وأبريل، وانحياز الجيش إلى الشعب في سياق قوله قصد به المعارضة بأن عملكم لا يكفي بدون(الجيش) ،أما حمامات الدم فقصد بها (الجبهة الثورية)،وبالتالي فإن هنالك شرطين يراهما «المهدي» في هذه المرحلة وهما (الإجماع الشعبي) والشرط الثاني (انحياز الجيش) ،وبالتالي فإن هذين الشرطين غير متوفرين الآن.
ويذهب بعض المراقبين إلى أن رئيس حزب الأمة القومي الذي بدا أكثر قرباً من (إصلاحيي الوطني) بعد دعوة الحزب لتكوين جبهة معارضة جديدة،صار بذلك أبعد من (تحالف المعارضة) الذي تهيمن على أغلبيته قوى عادة ما توصف بـ(العلمانية) باستثناء حزب (المؤتمر الشعبي)،وهذه ربما تمهد لدور جديد في مساحة جديدة (يلعب) عليها (حزب المهدي).
وغير بعيد عن ذلك إصرار»الإمام» على إبقاء ابنه العقيد الركن «عبد الرحمن « في خدمته بالقوات المسلحة.
وفيما يرى مراقبون أن الرجل يقر في حديثه ذاك بفشل القوى السياسية بإحداث التغيير المطلوب،إلا أن ذات الحديث يعتبر دعوة منه لإحداث انتفاضة شعبية (مسنودة بالجيش)،وهو ما لا يتفق مع تفكير «الإمام» ،وطرحه الفكري،و»الصادق المهدي» يكتسب زخماً سياسياً في المحافل الدولية بإعتباره رئيس الوزراء الذي (أطاح) به انقلاب عسكري،وبالتالي فإنه يجني من ثمار ذلك كثيراً وبشكل متصل.
وفي السياق يقول أستاذ العلوم السياسية البروفسير «عبده مختار»إن حديث السيد «الصادق المهدي» الذي درج دائما على استخدام عبارات دبلوماسية، يحاول من خلالها أن لايحد في معارضته للحكومة،ويعمل على الحفاظ على (شعرة معاوية) بينه وبينها،ويحفظ بها (مساحة)دون أن يدعو لإسقاطها ويضيف حديث «المهدي» يوضح أن الرجل ومن خلال تجاربه وصل إلى هذه القناعة،التي تقول بأن أي تغيير لابد وأن يتم عبر انحياز الجيش للشعب،ولكن البروفسير «مختار» يشير إلى تجارب كثيرة للتغيير نجحت دون أن يكون الجيش طرفا فيها،ومثال ذلك(الثورة الفرنسية)والتجارب البريطانية للثورات المدنية.
ربما والحديث مازال للبروف «عبده مختار» أن زعيم حزب الأمة ربما تكون هنالك قناعة جديدة بدأت تترسخ لديه حول الواقع السوداني، مفادها أن الواقع فرض ذلك حيث تمتلك الحكومة زمام الأمور،كما أنها تمتلك القوة،وبالتالي فإنها ستلجأ إلى القمع.
ويرى مراقبون أن اعتماد الحكومات على عامل القوة وحده لا يكفي لاستمرارية الحكم وبقائه ،وبالتالي لابد من الإصلاحات السياسية العميقة، والتي لا تختلف الحالة السودانية عن المناداة بها لأجل خلق حالة الاستقرار التي تخلقها عملية استقرار النظام نفسه، وتقبله لواقعه والنظر إليه بحكمة وأفق سياسي يتسع ولا يضيق،وما تحدث عنه زعيم حزب الأمة وفقا لرؤية مراقبين ليست قابلاً للتطبيق في كل التجارب، أي انحياز الجيش للشعب وبالتالي تجنيب إراقة الدماء، بمثلما قال «المهدي» عن الواقع السوداني ،ولكن البروفسير «عبده مختار» لا يتفق مع هذه الرؤية ويقول إن (الإرادة الشعبية) التي تحقق ما يوصف بانحياز الجيش للشعب،ربما تفرض في خاتمة المطاف رؤيتها هي وتظل فاعلة في الحدث على الدوام،وبالتالي تحقق كل النتائج في التغيير لوحدها دون تدخل أو احتياج إلى طرف قوي مثل الجيش،بحيث تحققها ظروف موضوعية ومحددة،تصل في النهاية لنهايات هذه الإرادة الشعبية،ويقول (إذا سارت الأوضاع في اتجاه الضغط على المواطن بمثلما هو حادث الآن،فإن (الانفجار) سيحدث لا محالة،وذلك ما لم تحدث معالجات اقتصادية معينة تخفف أو تعالج من الأزمة الاقتصادية الحالية،والحديث مازال لـ»مختار» فإن الأمور في السودان بلاشك ستصل لنقطة اللاعودة ،ومن الممكن وفقا للمعطيات التي يمكن أن تستمر وتتشكل أن يتم كسر حاجز الخوف لدى الشعب بمثل ما حدث في (مصر) و(ليبيا).
وكانت قوى معارضة عديدة دعت إلى ما أسمته انحياز الجيش للشعب ،من بينها حتى تلك التي تحمل السلاح،ولكن يبقى حديث «المهدي»ذو أبعاد تمت القناعة بها من تجارب السودانيين عبر تاريخهم السياسي الحديث الذي جربوه في (العصيان المدني) والإضراب العام.
إلى ذلك يعتقد بعض المراقبين أن مواقف «المهدي» «مائعة» وغير واضحة المعالم ،بل يذهبون إلى أبعد من ذلك أن الرجل فقد الكثير من المساحات لدى السودانيين، ويدللون على ذلك أن حركة الجماهير على الأرض قد تجاوزته، لأنه ظل دائما في (المنطقة الرمادية)،كما أن حديثه الأخير فيه إشارة للجيش بالتحرك،ويرون أن حزبه سبق وأن سلم السلطة للعسكريين،في خطوة واضحة للعجز السياسي الذي ظل سمة ملازمة له ولحزبه.