حوارات

والي القضارف السابق ورئيس اتحاد مزارعي الولاية "كرم الله عباس الشيخ" لـ(المجهر) (1 – 2)

طلبت زيارته بعد مكالمة هاتفية تمت بيننا في صبيحة يوم العيد.. أخطرني بأنه سيكون موجوداً بمنزله في صبيحة اليوم التالي.. زرته باكراً فوجدته كما السودانيين الأصيلين الذين يقفون لخدمة ضيفهم بأرجل حافية، فالرجل قدم الماء وحلويات العيد بنفسه ونادى على ابنه “الطاهر” ليكمل واجبات الضيافة. من جانبي كنت حريصاً على كسب الوقت لأن (الدنيا عيد)، فدلفت مباشرة لتشغيل جهاز التسجيل وطرحت عليه الأسئلة مباشرة وكان الرجل كعادته صريحاً وواضحاً.. فإلى تفاصيل الحوار..

} السيد “كرم الله” عقب خروجك من الحكومة آثرت الصمت ولم تتحدث عن تفاصيل الاستقالة التي تقدمت بها.. في ذات الوقت هناك من يقول إن “كرم الله” والٍ منتخب من جماهير القضارف ويتساءلون عن سر قبولك للإجراءات التي تمت؟
– حقيقة أنا في الفترة الماضية آثرت الصمت لأسباب كثيرة احتفظ بها لنفسي، والصحافة دائماً تحب الموضوعات السياسية التي تملأ الساحة وغيره، وأنا أعرف أني والٍ منتخب من قبل جماهير الولاية وقدمني حزب المؤتمر الوطني ووقفت معي جماهير الولاية من الأحزاب السياسية المختلفة، ومن الناس المستقلين، وهؤلاء معظم الشعب السوداني، والانتخابات في ولاية القضارف كانت لها نكهة، وكان عندي برنامج خاص غير البرنامج الانتخابي للحزب المعلن لكل الولاة، وكسبنا هذه الجولة بنسبة عالية، والتف حولنا شعب الولاية، وأنا أعرف الجهة التي تقدم لها الاستقالة، ولكن نحن في حزب عقدي. أنا حركة إسلامية ولي بيعة، وقلت هذا من قبل وهم طلبوا مني أن أقدم استقالتي وقدمتها من هذا المنحى، وإن قرأت في اليومين السابقين للأخ “عثمان ميرغني” فقد حلل هذه المسألة من منحى أنا اتفق معه فيه، وقارنها بمسألة ما يجري في مصر وقضية المرشد، لذلك لابد أن تكيّف أحزابنا السياسية المسألة، والإنسان الذي يقدمه الحزب وحصل حوله إجماع من شعب الولاية أو من شعب السودان يصبح من الصعوبة بمكان أن يقيله الحزب لأن إجماعاً أكبر حوله قد حصل، وهذه مسألة يجب أن تكون معلومة بالضرورة، وأنا قلت لهم في ذلك الاجتماع أن يضعوا في الدستور مادة تمنح الرئيس حق إقالة الولاة حتى لا يقع هذا الحرج لهم ولي، وأنا كنت أعرف أن الإجراء غير صحيح وغير سليم، وهذا هو السبب الذي جعلني أقبل الاستقالة من منصب الوالي.
} وما هو الإجراء الآخر الذي سيُتخذ حال رفضك؟
– ستعلن حالة الطوارئ في ولاية القضارف، وتتم الإقالة مع أن الإقالة بالطوارئ أيضاً غير قانونية ولكنها سابقة نُفذت في ولايات أخرى، في ولايات دارفور والنيل الأزرق. وحالة الطوارئ معروف أنها تتخذ لحفظ الأمن، وولاية القضارف مستقرة ولا يوجد فيها مثل تلك الحالات، لكن الإنسان الذي يريد أن يصل إلى شيء معين يمكن أن يصله بطرق كثيرة، وهذه ليست المرة الأولى التي يخترق فيها الدستور، والآن أصبح شيئاً لا يحترم، لذلك المسألة بالنسبة لي كانت واضحة، وأنا (ما حبيت أجرجر الولاية لحالة طوارئ) لأني أعرف تداعياتها على ولاية القضارف وعلى حركة الناس والمزارعين، وأيضاً ستستغل من آخرين في أشياء لا تحمد عقباها.. والأمر الثاني أن الإنسان نفسه عندما يشعر أن قياداته غير راغبة فيه هو نفسه لن يكون راغباً في التعامل معها أو التعاون، لأن هذه هي النفس البشرية، طبيعتها كذلك، وأيضاً الأمر الذي تم حتى بنظامنا الأساسي ولوائحنا في المؤتمر الوطني غير مؤسسي إذا كان الناس يتحدثون عن المؤسسية.
} مقاطعة.. وهل هذه هي الأسباب التي دفعت بـ”كرم الله” ليوقع على مذكرة الإصلاحيين؟
– أنا سابق الإصلاحيين في قضية الإصلاح، وسبق لي أن قدمت مذكرة في قضية الإصلاح على مستوى الولاية، وأدب المذكرات موجود في الحركة الإسلامية وفي الأحزاب، وحتى الذين يحكمون السودان الآن هم جاءوا نتيجة لمذكرة العشرة، ومعلوم ذلك سواء هم أو دكتور “غازي”، كلهم موقعون على مذكرة العشرة أو غيرها، وأنا لا أرى أن هناك جريرة في وجود مذكرة أو غيرها، واعتقد أن الناس يتمسكون بالقشور ويتركون المعنى نفسه ولب القضية.. السؤال: هل المذكرة تحوي شيئاً يجب أن ينظر فيه؟؟ أنا أرى، كان الواجب أن تُتسلّم هذه المذكرة وتُدرس، والناس كلهم إخوان في حزب واحد، وأن يصلوا إلى شيء فيها، والحزب لا تملكه مجموعة معينة، وكل الناس مؤتمر وطني وكل الناس شاركوا في بنائه، وكلهم يحملون فكرة واحدة.. وأنا لا أدري إن كانت للإنسان رؤية في وطنه أو في حزبه، فيقال له المؤسسية، وكيف يكون الطريق لذلك؟ وهذا هو طريق المؤسسية في أنك تقدم رؤية وتقدمها لرئيس الحزب وهو يحيلها للجهة التي يراها مختصة أو ينظر فيها بنفسه، وهذه كلها قضايا شكلية وإجرائية لا معنى لها.
} البعض يقول إن الحساسية ناتجة من أن المذكرات تنشر في الإعلام قبل دراستها والرد عليها؟
– لا أؤمن بشيء اسمه سرية.. هذه غير موجودة ولن تكون.. أية مسألة يعرفها شخصان من الممكن أن تكون في العلن، وأنا لا أرى أن تغييب الإعلام سيفيد، لأن هناك أزمة سياسية كبيرة في البلد، وأنتجت حراكاً سياسياً كبيراً، ولها تداعياتها على الوطن كله، ولا توجد مشكلة إذا ذهبت المذكرة للإعلام وللناس، وقد يكون الأخوة قصدوا أن يقولوا إن هناك حراكاً داخل حزب المؤتمر الوطني، وإن هناك رؤى لامتصاص هذه المشاكل وغيرها، وإذا لم تخرج من الإصلاحيين فيمكن أن تخرج من الآخرين، والقضايا التي وردت في المذكرة عادية جداً، والخبراء والإعلاميون والاقتصاديون وكثير من الساسة تطرقوا لها عشرات ومئات المرات، وهي لم تأت بما لم يأتِ به الأوائل، وأنا أرى أنها طبيعية وعادية، ونحن يجب أن نذهب إلى لبّ القضية ونقول إن البلد فيها أزمة سياسية كبيرة، وتحتاج إلى حل، ولا أرى أن الحلول الآن اقتصادية، والمشكلة الاقتصادية هي من تداعيات المشكلة السياسية، وبالتالي الحل سياسي.
} كيف يكون الحل سياسياً؟
– الحكومة تتناول قضايا بسيطة، وتقول إن مشاورات مع الأحزاب جارية وكذا، وكأن مشكلة البلد في أن نوسع الحكومة ويكون هناك إشراك لبعض الأحزاب المعارضة، وهذه ليست القضية الأساسية، والأزمة السياسية تحتاج إلى أن تتشارك كل الأحزاب في الحكومة والمعارضة وكل من يحمل السلاح، وكل جهة أو شخص لديه غبن أن يأتي مع الناس لمؤتمر جامع فيه يتدارس الناس، يجلسون ويحللون مشكلة البلد ويصلون إلى حلول، وأي حل يعتقد الناس أنه سيأتي باتفاقية أو غيرها.. ونحن وقعنا كذا اتفاقية ولكن لم تؤت أكلها، والآن المشكلة الاقتصادية سببها الأساسي هي الحرب التي تتسبب في حدوث استنزاف كبير، والصرف على أمن البلد حتمي وهو يستهلك كل طاقات البلد وهو استنزاف طويل، بل هو يستنزف إنسان البلد من الذين نفقدهم ومن النازحين واللاجئين وغيرهم، والبلد بهذه الطريقة لا يمكن أن تمضي، وحتى الاستثمار الذي نتحدث عنه لا يمكن أن يتم في ظل الوضع الحالي، والآن المواطنون لا يستطيعون أن يزرعوا في مناطق كثيرة أو يتاجروا، ولا يستطيع البعض أن يأمن على نفسه في كثير من الولايات، والوضع بالطريقة الحالية لن يحل بحلول آنية أو جزئية.
} ولماذا لم تقولوا ذلك عندما كنتم داخل مؤسسات المؤتمر الوطني؟ أم أن “كرم الله” بمجرد الاستقالة لم يعد جزءاً من مؤسسات الحزب؟
– أنا لست جزءاً من مؤسسات الحزب، أنا عضو مؤتمر وطني في ولاية القضارف، والآن لا امتلك أية صفة في المؤسسات القائمة بالمؤتمر الوطني على مستوى الولاية، وأنا كشخص لم أسع لتقديم رؤية، وأنا يائس من قضية الإصلاح، ولديّ تجربة مريرة واعتقد أنه لا يوجد من يسمع، والمشاكل واضحة للعيان ولا تحتاج إلى مفكر، وكذلك الحلول واضحة.. وعلى الصعيد الشخصي أدينا ما علينا، وعندما كنت داخل المؤسسات كنت أقول رأيي بوضوح، لذلك أنا يائس من حالة الإصلاح داخل المؤتمر الوطني وطيلة الثلاث سنوات الماضية نأيت بنفسي وخرجت من العمل السياسي وغيره، ولكن الآن عندما ظهر أخوة يحملون نفس الرؤى ويودون الإصلاح رأيت أن أدفع معهم في ذلك الاتجاه، وأنا غير مرتبط باتجاه معين، وقلت لو تقدمت خمسين مذكرة إصلاحية وأي عمل إصلاحي أجد نفسي معه، لأننا لسنا (هلال- مريخ)، وإنما القضية أن في البلد مشاكل، وحتى في الأحزاب الأخرى كثير من العقلاء يقولون كلاماً أجد نفسي معه، ولو تقدموا بمذكرة وطنية سأكون معهم، وهذا ليس الموضوع، والآن المؤتمر الوطني يريد أن يلتف من القضية الأساسية إلى قضية فرعية ولأشياء إجرائية لا معنى لها، وإذا لم نجلس لحل مشاكل البلد الحالية فهذه الأزمة ستأخذ الجميع.
} هل يمكن أن تقود المذكرات الحالية أو تيارات الإصلاحيين إلى مفاصلة جديدة؟
– اعتقد لو تعامل الناس مع الأمر بالحكمة والعقلانية فلن تقود إلى أي شيء، ولا أحد يريد من الإصلاحيين أو غيرهم الانشقاق، وأنا شخصياً لا أريد ذلك ولا أريد الخروج من المؤتمر الوطني، وكل شخص يحس بأن المؤتمر الوطني (حقه) وهو أصيل فيه، والمؤتمر الوطني لا يملكه شخص وكل الناس عملت فيه وساهمت فيه، وبنته، وهو يحمل أفكار الناس كلهم، والناس جربت الانشقاق من قبل نتيجة لمذكرة العشرة، ولم يفعل شيء غير أنه أضعف الناس، ولا يوجد إنسان ساعٍ لانشقاق، ولكن إذا تمت إجراءات تعسفية وتم فصل الناس ماذا يتوقع أن يفعلوا؟؟ ولا يوجد إنسان سيربع يديه ويجلس حينها، ولكن اعتقد أن المؤتمر الوطني فيه عقلاء وأتمنى أن لا يصلوا إلى الفصل وكذا، ولا يمكن أن يحاسبوا الناس على آرائهم، وما علمته أن المذكرة التي قدمها هؤلاء الإصلاحيون هي الثالثة، ولماذا لم يتم هذا من قبل؟؟
} البعض يقول إن الظرف الحالي لا يسمح وإنكم جزء من مؤسسات الحزب لسنوات طويلة.. ولماذا لم تقدموا رؤاكم هذه عندما كنتم داخل المؤسسات؟
– دائماً الظروف والمحكّات الصعبة هي التي تأتي بالحراك، وهل يصمت الناس حتى تغرق السفينة بمن فيها؟ النصيحة ليس لديها مكان أو زمان محددين، وفي أي وقت يمكن أن تقال، وكل إنسان محاسب على نيته، وهم برروا موقفهم ونيتهم وقالوا إنهم يريدون حلولاً لما يجري في الساحة، وكل الناس والقوى السياسية والأحزاب الوطنية كانت تتحدث عن حلول ولا تقف مع قضية إشعال النار والتظاهرات وكذا، وهذا واضح جداً، وما جرى لم تكن له قيادة سياسية، وكل الناس كانوا مع الجلوس لإيجاد حلول لهذه المشاكل، وحلها سياسي في المقام الأول.
} تحدثت في وقت سابق عن ضرورة إجراء حوار مع المجتمع الدولي ومع إسرائيل تحديداً لحل مشاكل السودان.. ما هي وجهة نظرك في ذلك؟
– أنا لم أتحدث عن حوار مع إسرائيل ولكن تحدثت وقلت هل الدين الإسلامي يمنع الحديث مع اليهود؟ اليهودية كما تعلم هي دين وجاء بها رسول، ونحن بحكم ديننا وعقيدتنا لابد أن نؤمن به ونؤمن برسالته، وتحدثت عن تجربة الرسول “صلى الله عليه وسلم” وهي تجربة المدينة، وأنا قلت إن دستورنا في 1998م، وهو الجزء الذي دخل في 2005م، كله قائم على فقه دولة المدينة، وقلت إن هذه الدولة أقام فيها الرسول “صلى الله عليه وسلم” حلفاً أمنياً إستراتيجياً مع اليهود ودافعوا عن المدينة وعن مقدراتها وكذا، وقلت إن الرسول “صلى الله عليه وسلم” تزوج منهم وكان يبايعهم ويشتري منهم، ومات ودرعه مرهون ليهودي. هذه هي السيرة والفكرة لقيام الدولة والنظرة لغير المسلمين فيها كلها جاءت من هذه المسألة، والتعامل مع الأديان.. كلها جاءت من هنا، ونحن الآن نتعامل مع المسيحيين فلماذا لا نتعامل مع اليهود؟ وكل إنسان لديه فهم آخر أو تبريرات دينية لهذه المسألة فليأتنا بها، ويجب أن لا تصبح المسألة من ثم مسألة أن إسرائيل دولة صهيونية أخذت حق شعب مسلم وظلمته ونبقى كلنا مؤمنين بهذه القضية، ولكنها جزء آخر من القضية، وأنا قلت إن كثيراً من الدول الإسلامية تتعامل مع إسرائيل.
} مقاطعة.. وقلت إن كثيراً من قيادات الدولة أو المؤتمر الوطني يشاركونك ذات الأفكار؟
– نعم قلت ذلك، وهذه المسألة رؤية كثيرين في المجتمع السوداني سواء في المؤتمر الوطني أو غيره، وهذه ليست رؤيتي وحدي، وهم يعتقدون من ناحية دينية أن الواجب علينا أن نتعامل مع اليهود، ولا يوجد سبب يجعلنا لا نتعامل معهم أو ننبذهم أو غيره، وأي إنسان يعرف الآن أن الفلسطينيين لديهم تعامل مع إسرائيل، وهذه قصة واضحة، والمجموعة التي في القطاع مجموعة ناس “أبو مازن” وغيرهم هي نفسها التي تأتيها الضرائب والكهرباء والبترول وغيره من إسرائيل، حتى في قطاع غزة الذي يصنفه الناس على أنه إسلامي، وهناك تعاون أمني تحتي معلوم، والعالم الآن أصبح قرية صغيرة وليس شيئاً مدسوساً، وهناك تعاون ومعاهدات وكثيراً ما تقوم حرب وإطلاق نار لكنهم يجلسون بوساطات مصرية، وهذه مواثيق وعهود.. لماذا لم يقولوا إن ذلك حرام وإن هذه دولة كذا وكذا؟ وكثير من الدول العربية والإسلامية لديها علاقات مع إسرائيل.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية