شهادتي لله

روشتات لعلاج (القطاع الصحي) .. وأزمة الجهاز التنفيذي

(1)
} قبل سنوات قليلة استطاع الأخ الدكتور “كمال عبد القادر” – إبان عمله مديراً لمستشفى الخرطوم ووكيلاً لوزارة الصحة – إقناع عدد من زملائه الأطباء (السودانيين) المهاجرين في بريطانيا، بالعودة للبلاد والتعاقد مع المستشفيات الحكومية.. الأثر كان سريعاً وواضحاً للعيان وملموساً لدى المرضى وطلاب الطب وأطباء الامتياز.
} طبيب واحد أو طبيبان في مستشفى الخرطوم، وآخر في أم درمان ورابع في مستشفى الشعب، من الاختصاصيين الذي عاشوا في “لندن” و”مانشستر” و”أدنبرة”، وخبروا العمل بمشافي (الإنجليز)، بدلوا قليلاً من الحال المعوج في مرافقنا الصحية، ليس لأنهم أعلم أو (أشطر)، ولكن لأنهم تعودوا على نمط معين من الأداء في الخدمة الصحية.
} الاختصاصي (السوداني) القادم من “لندن” يدخل المستشفى عند السابعة صباحاً، ولا يغادرها إلا بعد مقابلة آخر مريض في القائمة، بينما طرحت من قبل في زاوية (شهادتي لله) قبل سنوات مشكلة مريض تم تحضيره لعملية جراحية بمستشفى الخرطوم، و(لبسوه لبس العملية)، لكنه ظل منتظراً إلى الساعة الثالثة عصراً، عندما فوجئ شقيقه بأن (الدكتور) وطاقمه غادروا المستشفى، لأن (دوامهم) انتهى!! وأذكر أن د. “كمال” اقر بتلك الحادثة الغريبة، وأصدر قراراً من بعد ذلك بعدم نقل المرضى (مجموعات) إلى غرف العمليات، بل واحداً تلو آخر..!!
} والطبيب السوداني صاحب الخبرة وتجارب الحياة والخدمة في أوربا، يختلف عن الذي تخصص هناك عامين أو ثلاثة ثم عاد لممارسة هواية (لقيط القروش) من العيادات، وإهمال المستشفيات، والتفرغ لبناء العقارات وشراء السيارات، دون أدنى رغبة أو فكرة في تجهيز تلك العيادات بأجهزة حديثة تساعد على التشخيص كما يفعل الأطباء المصريون، أو تأثيثها بشكل لائق ومحترم.
} كان أحد طلاب النهائي بكلية الطب يقارن لي بين بروفيسور مقيم بالسودان ومساعده القادم من بريطانيا، والفرق في التدريس داخل المستشفى، فيقول: (يا أخي بروف فلان دا غير النهير والكوراك ما بنفهم منو شيء.. أما دكتور فلان الجانا من “لندن” يا سلام.. هدوء.. وعلم.. وصبر على أسئلة الطلاب والحوار معهم).
} لإحداث (انقلاب) حقيقي في طرائق ومناهج العمل بالقطاع الصحي في ولاية الخرطوم وبقية الولايات، نحتاج إلى الإفادة من (أولاد البلد) المهاجرين في أوربا وأمريكا وإغرائهم بالعودة للوطن وتطوير الخدمة فيه.
} قبل (ست) سنوات وافق عدد من أطباء بريطانيا على العودة والتفرغ للعمل بمستشفيات الخرطوم بدون عيادات مقابل (خمسة ملايين جنيه) فقط في الشهر!!
} لكن بعض (المخربين)، وباسم (القطاع الصحي) في (المؤتمر الوطني)، عارضوا المشروع بحجة أن (أطباء الداخل) يتقاضون (مليوناً واحداً)!! وأنهم في حاجة إلى معالجات نقابية وسياسية!! ربما يذكر الدكتوران “مندور المهدي” و”كمال عبد القادر” وغيرهما مثل هذه التفاصيل.
} المشكلة لا تُحل بنقل أقسام مستشفى الخرطوم إلى “إبراهيم مالك”، فإذا كانت المشكلة (مالية)، فإن تطوير الخدمة بمستوى متقدم مع وجود أطباء اختصاصيين ومهرة على مدى الـ(24) ساعة، يعني تحصيل رسوم تعادل قيمتها (نصف) فواتير المستشفيات (الخاصة)، وتحقيق عائدات وأرباح مناسبة إذا كان هناك (ضبط) مالي وإداري، ونزاهة وهمة وتجرد.
} وإذا كانت المشكلة في (الزحام) بشارع (الاستبالية) بالخرطوم، فإنه من المفيد أن توفد ولاية الخرطوم مندوبين من شرطة المرور والمحليات ليتعرفوا على التجربة الإماراتية في تنظيم مواقف السيارات في مدينة “دبي”، وكيف أن سائق المركبة الخاصة أو العامة يصاب برعب إذا اضطر للوقوف (دقيقتين) فقط على (طرف) الشارع وليس (وسطه) كما يفعل (جلابة الخرطوم)!!
وسبب الرعب أنه سيضطر إلى دفع مبلغ (خمسمائة درهم)، أي ما يعادل أكثر من (ألف جنيه سوداني)، لمجرد وقوف خطأ..!!
} آخر اهتمامات شرطة المرور في السودان تنظيم (باركنج) السيارات في شوارع مدن العاصمة!! فكل (جلابي متبطر بالنعمة) أو (شافع فرحان)، أو سائق حافلة أو بص (زهجان)، (يركن) السيارة في أي زاوية وبأي طريقة تناسب مزاجه وذوقه وثقافته، ولا شأن لشرطة المرور بهذه السلوكيات القبيحة، إلاّ على مداخل الوزارات والسفارات، أو مواقع الاحتفالات والمهرجانات والمؤتمرات التي يؤمها الرئيس، أو نوابه، أو مساعدوه، أو الولاة وحكوماتهم!!
– 2 –
} وبالمقابل لتغيير المشهد السياسي والأداء الحكومي المتراجع، نحتاج إلى وزراء ومديرين عامين ومعتمدين، عركوا الحياة ومارسوا العمل في شتى المجالات بدول العالم (الأول)، أو الأكثر تقدماً، وهكذا فعل الشيخ “الترابي” في سنوات (الإنقاذ) الأولى عندما استدعى كوادر الحركة الإسلامية في الطب والكهرباء والاقتصاد والإدارة، من أوربا وأمريكا ودول الخليج العربي.
} الآن تكلست الدولة، وتدهورت كل الخدمات وعلى رأسها الصحة والتعليم.
} نريد حكومة وزير الطرق فيها، في المركز وولاية الخرطوم، من المهندسين الذين أداروا قطاع تخطيط المدن وإنشاء الطرق والجسور في أمريكا وأوربا (قبل سنوات راسلني عبر النت مهاجر سوداني يعمل مدير إدارة الطرق بولاية أمريكية)!! كيف تذوب طرقنا في (مطرة واحدة) ولدينا علماء وخبراء بهذه المكانة وفي تلك البلاد؟!
} نريد وزير اقتصاد عمل في مؤسسات التمويل الدولية، أو مستشاراً اقتصادياً في إحدى حكومات دول الخليج العربي، فمن أين لوزير قادم من إدارة ملف القبائل وتناحراتها في ولاية ملتهبة، بالخيال والعلاقات الدولية لتحقيق اختراق حقيقي في أزمة الاقتصاد السوداني؟!
} كلما عينّا وزراء في الحكومة الاتحادية، أو حكومة الخرطوم، كل خبراتهم وتجاربهم محصورة في “نيالا” و”بورتسودان” و”الدامر” و”مروي” و”الدمازين” و”القضارف” و”سنار”.. انحط الأداء وتراجعت عجلات الدولة.
} كلما كان أساس التعيينات موازنات القبائل والجهات، “رزيقات”، و”بني عامر” و”بني هلبة” و”دناقلة” و”شوايقة” و”جعليين” و”زغاوة” و”فور” و”برتي” و”قمر”.. تحولت الحكومة إلى (مجلس عشائر) ونظارة أهلية، وليس مجلس وزراء علمي ورفيع، هدفه نقل السودان خلال سنوات وجيزة إلى محطة (ماليزيا) التي لم تكن شيئاً يذكر قبل عقود قليلة!!
} حاكم “دبي” الشيخ “حمد بن راشد” يستجلب خبراء ومستشارين من “بريطانيا” و”فرنسا” و”أمريكا”، ويقول لهم أريد طريقاً في هذه المنطقة، وجسراً طائراً هنا، وبرجاً، وبحيرة صناعية هنا، و(مول) بمساحة كيلومترات، لكنني أريد كل صرح أن يكون (الأول) في المواصفات (عالمياً)!!
} المشروعات لا تبنى في “دبي” على طريقة (شيلني وأشيلك)، ولا تمنح العطاءات لشركات (محلية) لا تملك (قلاب) و(لودر)، كما يحدث هنا في الخرطوم، بل لشركات بريطانية وإيطالية عبر شراكات إستراتيجية، حيث أصبحت “دبي” بلد الخواجات الثاني بعد “أوربا”!!
} سيقولون لك لا تقارنوا “الخرطوم” بـ”دبي”، ففرق (المال) شاسع، ونقول لهم إن مدناً وعواصم أثرى بمراحل من “دبي” مثل “أبو ظبي” – نفسها – و”الرياض” و”الكويت” و”الدوحة” و”مسقط”، ورغم ذلك يأتي مواطنوها ليحجوا في “دبي”!! ليس طلباً للراحة والحرية، كما يظن البعض، بل رغبة في المزيد من الدهشة!! لقد رأيت (الأوربيون) يصفقون لمشهد (نافورة) راقصة في (مول دبي)، لا لراقصة في (كباريه)!!
} إما أن يكون (دوري) الحكومة القادم لـ (محترفين) من الخارج، سواء للمستشفيات أو للوزارات والمحليات، أو فإننا سنتوقع المزيد من (العك) والفشل.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية