أخبار

ما تطلبه الدولتان

} ما الجديد في الزيارة الثالثة للمشير “عمر البشير” لعاصمة دولة الجنوب جوبا منذ انشطار السودان لدولتين.. ولكل دولة انشغالاتها وأولوياتها، فما هي أولويات الخرطوم وأولويات جوبا؟!
الزيارة المعلنة اليوم تأتي بدعوة من الرئيس “سلفاكير ميارديت” بعد اجتماعات مجلس الأمن والسلم الأفريقي الأخير التي رفض من خلالها الحلول الأحادية للقضايا الخلافية وتحديداً قضية “أبيي” التي تمثل خميرة (عكننة) للمزاج الشمالي والجنوب، وإذا انصرفت القيادة في البلدين لقضية أبيي وحدها لا نتوقع من الزيارة إلا الفشل الذريع وعودة التراشق والاحتقان القابل للانفجار، فأبيي قضية تكبل الرئيسين وتحول دون تحقيق أي تقدم في علاقات البلدين، ولكليهما – أي الرئيسين – ارتباطات شخصية وعاطفية ووجدانية إما بأبيي الأرض أو أبيي الإنسان، فالرئيس “سلفاكير” رغم إطاحته بالسيد “دينق ألور” وقبل ذلك الدكتور “لوكا بيونق” إلا أنه لن يقوى على مواجهة نفوذ دينكا نقوك في الحركة الشعبية والتعاطف الذي يبديه كل الدينكا في دولة الجنوب مع أبناء عمومتهم من دينكا نقوك.. وللرئيس “البشير” ارتباطات عائلية وثقافية واجتماعية بعرب المسيرية في كردفان.. بل المسيرية يعتبرون “البشير” وحده يقف مع قضيتهم ويثقون فيه أيما ثقة لحد اعتباره (بقارياً) ثقافة وانتماء أبدياً.. الشيء الذي يحول دون تقديم أي تنازلات من الخرطوم في قضية “أبيي”.
} ولكن ثمة قضايا أخرى تشكل حضوراً في المشهد السياسي الآن ولكل طرف أجندته وأولوياته وانشغالاته، ولنبدأ بالشمال الذي يؤرقه وجود متمردي الجبهة الثورية في دولة الجنوب حتى اليوم وحصولهم على المدد العسكري والغطاء السياسي والدبلوماسي والمنابر.
ورغم الإجراءات التي اتخذها “سلفاكير” بشأن قطاع الشمال إلا أن قضية فك الارتباط بالفرقتين التاسعة والعاشرة تشكل عقبة كؤوداً تحول دون تمدد الثقة وانسياب قطار العلاقة دون عوائق تذكر.. ولجوبا أيضاً انشغالاتها الأمنية في مناطق جونقلي وولاية الوحدة، حيث يخوض بعض المنشقين حرباً ضد حكومة دولة الجنوب، واتخذت الحكومة السودانية حزمة قرارات في الفترة الأخيرة (ضيقت) على المعارضين لسلفاكير وجففت عنهم مصادر الدعم وطردت بعضهم جهراً.
} وإذا كان البترول يشكل هماً لحكومة جوبا كمصدر رزق وحيد تعيش عليه الدولة الوليدة فإن الرئيس “سلفاكير” أدرك أخيراً أنَّ في انسياب صادر النفط ضماناً لاستقرار حكمه، وأنَّ الوعود الغربية بتنمية الجنوب قد ذهبت هباءً منثوراً ولم يفِ الغربيون بما وعدوا به، والاعتماد على دول شرق ووسط أفريقيا يمثل ارتهاناً لقرار دولة الجنوب، ومساساً بسيادتها. وفي الوقت ذاته بدا واضحاً أن الخرطوم اليوم حريصة جداً على استمرار عائد صادر نفط الجنوب، ولا تقوى الخرطوم على اتخاذ قرارات اقتصادية جديدة بعد أن أذاقتها القرارات السابقة المر وأعادت الطمأنينة والأمن للخرطوم بتكلفة سياسية باهظة، وأي مساس بصادر النفط الجنوبي من شأنه التأثير البالغ على الاقتصاد.
} وتبقى هناك أولويات مشتركة تتمثل في فتح المعابر وإطلاق حرية التجارة، ولكنها حرية لا تتعدى الشريط النيلي حول النيل الأبيض فقط، حيث تحول الأوضاع الأمنية دون فتح معابر بولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، عطفاً على شرق دارفور، وإن التفاؤل الذي ساد أجواء جوبا والخرطوم أمس واليوم له ما يبرره، ولكن تبقى آمال الشعوب وتطلعاتها رهينة بما يقرره الرؤساء نيابة عنها.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية