شهادتي لله

أهم من رحلة "نيويورك"

} زيارة الرئيس “البشير” لجنوب السودان (اليوم) تختلف في مضمونها ودلالاتها عن أغراض وغايات بقية الرحلات (الخارجية)، فهذه الرحلة لا علاقة لها بتأكيد عدم التزام الدول الأفريقية أو الآسيوية بقرار المحكمة الجنائية، كما أنها ليست زيارة تحمل الطابع (الشخصي) المتعلق بتدين الرئيس وعباداته، كرحلة (الحج) مثلاً، أو التعبير (الوجداني) عن الوفاء لصديقه الراحل “مليس زيناوي” رئيس وزراء إثيوبيا السابق في المشاركة في حفل تأبينه بأديس أبابا. هي رحلة تنعكس فوائدها مباشرة على الشعب السوداني، ويلمس ثمراتها عاجلاً غير آجل، ولا تماثلها في المكاسب رحلة نيويورك إلى قاعة الأمم المتحدة التي يخطب كل عام على منصتها المئات من الرؤساء ووزراء الخارجية، دون عائد محسوس لفائدة الشعوب.. هي مخاطبات (للاستعراض) الدبلوماسي فقط، فيما تتخذ الكثير من القرارات المهمة والمؤثرة في العالم داخل قاعات (الكونغرس) الأمريكي، لا قاعات الأمم المتحدة!!
} استمرار التعاون الاقتصادي بين السودان والجنوب في ما يتعلق باتفاقية النفط، والتجارة، وفتح الحدود، هو الأهم بالنسبة للشعب السوداني من مشاركة الرئيس في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك.
} فالرئيس الإريتري “أسياس أفورقي” على سبيل المثال، لا يشارك في اجتماعات قمة الاتحاد الأفريقي، ولا يأبه لقراراتها، ولا يعترف بمفوضياتها، كما أن بلاده ليست عضواً بالجامعة العربية، مع أن التلفزيون الإريتري يبث برامج كثيرة بالعربية، كما أن الرئيس “أفورقي” – نفسه – يتحدث العربية أفضل من بعض الرؤساء العرب الذي يجيدون الفرنسية أكثر من (لغة الضاد)!!
} ولا يبالي “أفورقي” باجتماعات الأمم المتحدة ولا بمخرجاتها، وقد طرد قبل سنوات مبعوث الأمم المتحدة لدى “أسمرا”، إبان الحرب الأخيرة مع إثيوبيا.
} ورغم ذلك، فإن إريتريا – على فقرها المدقع – دولة مهمة ومؤثرة في منطقة شرق ووسط إفريقيا.
} معرفة أسرار وخبايا السياسة الدولية تستوجب (براغماتية) البحث عن مصالح الشعوب، وإذا كان (المؤتمر الوطني) الحاكم في السودان بتوجهه الإسلامي قد مارس (البراغماتية) في علاقته الوطيدة بالحزب (الشيوعي) الصيني، ما أثمر بترولاً وسدوداً وجسوراً، فإن الأولى أن تقوم على ذات النسق وأعمق علاقات السودان مع دولة الجنوب.
} عندما زار الرئيس “سلفاكير” الخرطوم مطلع سبتمبر الماضي، وليوم واحد، هبط سعر (الدولار) مقابل الجنيه السوداني، وبالتأكيد فإن هذا لا يحدث إذا زار “الخرطوم” الرئيس الصيني، أو الرئيس الفرنسي أو رئيس وزراء بريطانيا!!
} وإذا كان هبوط (الدولار) مقابل (الجنيه) يعني انخفاض الأسعار في الأسواق، أو على الأقل ثباتها، فهذا يعني أن زيارة “سلفاكير” للخرطوم، وزيارة “البشير” لجوبا أكثر فائدة لشعبيهما من زيارة الولايات المتحدة الأمريكية.
} أمريكا لا تدفع مالاً، ولا تحمي نظاماً، فلم تدفع شيئاً يذكر للجنوب (وليدها المدلل) ولم تحم أنظمة “مبارك”، و”بن علي”، و”علي عبد الله صالح”.
} نأمل أن يوفق الرئيسان إلى حل (نهائي) لمشكلة “أبيي”، كيفما كان، بالاستفتاء أو بالتقسيم، المهم الوصول إلى قرار ختامي يسدل الستار على هذا المسرح العبثي الذي تطاولت عروضه.
} رحلة موفقة سيدي الرئيس.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية