الفضائيات السودانية.. سيناريوهات الموت السريري!
شأنها شأن الوسائط الإعلامية الأخرى، تبدو القنوات الفضائية تعيش تحديات مماثلة، تتمثل في تباين قدرات تلك الفضائيات على الصمود طويلاً، أما الأعاصير المختلفة التي تحكم على تجارب كثير منها بالتوقف الجبري، أو مواصلة العمل تحت ظروف قاهرة واستثنائية. ولعل بعض القنوات أظهرت تميزاً واضحاً وأدركت مطلوبات (اللعبة الإعلامية) الحاذقة، إلا أن فضائيات أخرى عانت من كثير من الخيبات، ما جعلها تفشل في تقديم نفسها بالطريقة الجيدة والمغايرة.. من نجح ومن فشل ومن في طريقه إلى السقوط والتداعي؟؟ لنقرأ معاً..
واصلت الفضائيات ذات العود القوي وجودها على المسرح الفضائي السوداني، ولعلي هنا أقصد (الشروق) ذات القدرات المالية العالية، و(النيل الأزرق) ذات البرامج الجماهيرية الكبيرة، رغم اختلاف تخصصات القناتين الأكثر تأثيراً على الساحة الفضائية بالبلاد، ولا يبدو أن شبح التوقف يهددهما خلال الفترة الحالية، والفضائية القومية التي تمثل الصوت الحكومي الأقوى والدعم الحكومي كذلك، لهذا لا يبدو أنها في طريقها ليطالها أي توقف رغم اتفاق الكثيرين على رداءة وسطحية ما تقدمه، وغير ذلك فإن قنوات مثل (زول) و(هارموني) تنتج برامج بالدعم الخاص لم تقدر على مجابهة سيطرة القنوات الكبيرة على الفضاء الإعلامي.. فانزوت خلسة وباتت أثراً بعد عين.. ولعل إشكالية دعم تلك القنوات تمثل التحدي الحقيقي والأبرز لتلك القنوات.. ورغم أن (هارموني) أسلمت قيادها للتوقف الإجباري بعد أن قدمت تجارب مختلفة وأشكالاً إبداعية غير مطروقة في جانب المنوعات، إلا أن ضيق ذات اليد وشح الإعلانات قضى أن تنزوي بعد أن باتت في عقول وقلوب الناس، وذات الأمر ينطبق على قناة (زول) الفضائية التي نالت حظاً كبيراً من النقد واتهامات (الحبشنة) في كل برامجها وأغانيها التي كانت تقدمها، بالإضافة إلى ابتداعها شكلاً جريئاً من أشكال التقديم إلا أن كل ذلك لم يكن عنصر جذب لها.. وسرعان ما عانت مما تعاني منه كثير من القنوات الفضائية السودانية، ومضت إلى ذات مصير رفيقتها (هارموني).
بذات القدر الذي توارت فيه فضائيات، أعلنت أخريات دخولها المعترك الفضائي قبل أعوام قليلة، كانت آخرها (الخرطوم) و(أم درمان)، ورغم أن (الخرطوم) لها تجربة طويلة في العمل التلفزيوني إلا أنها لا تزال تبحث و(تجرب) في مقدمي برامجها.. كما أن قناة (أم درمان) التي يقودها الصحافي المثقف «حسين خوجلي» تبدو هي الأخرى فاقدة لبوصلتها البرامجية.. وأظنها تتحايل بشكل ظاهر على الضعف التمويلي فيها بأن ركزت على إنتاج البرامج التي لا تتطلب كلفة عالية باهظة.. وانقادت إزاء ذلك طائعة مختارة إلى أن تعمل على إنتاج البرامج من داخل الاستوديوهات وهي مناورة ذكية، إلا أنها تنطوي على سلاح ذي حدين، يمكن أن يعصف بإيقاع القناة.. ويجعل برامجها رطبة كما حال الاستوديوهات التي تصور فيها ويوسم إيقاعها بالبطء وعدم مسايرة الدفع الفضائي المتسارع.
ومن الملامح المهمة التي ظهرت إبان العام المنصرم، كثرة المذيعات في القنوات الفضائية. ولعل الظاهرة أطلت بصورة واضحة في القنوات الجديدة، وتحديداً قناة (الخرطوم) التي أحسب أنها باتت بمثابة (نفاج) لا ينضب من تقديم وجوه جديدة كل يوم لا يلبث أن يتم تغييرها في اليوم التالي مباشرة، ولذلك فإن (بعثرة) جهودها في (تجريب) المذيعات كان من الممكن أن يتم استثماره في غير ذلك مما يمكن أن يفيد برمجة القناة.