حوارات

عضو مجلس قيادة الثورة الأسبق وأحد موقعي (الإصلاحية) الأخيرة "صلاح الدين كرار" لـ(المجهر) (2-2)

قرار رفع الدعم عن المحروقات الذي نفذته الحكومة خلال الأيام الماضية، أفرز بعض المتغيرات في الواقع السياسي برزت بسبب جملة من الموضوعات، كان من بينها دفع مجموعة من منسوبي المؤتمر الوطني بمذكرة إلى رئيس الجمهورية اعتراضاً على بعض السياسات رد عليها الحزب بتكوين لجنة محاسبة للموقعين عليها. وعلى صعيد التنظيمات الأخرى اتجهت الأحزاب المعارضة إلى دعم احتجاجات المواطنين الرافضة للقرارات الاقتصادية.. وفي خضم هذه التجاذبات التي تعيشها الساحة، خرج المؤتمر الوطني داعياً بعض الأحزاب إلى حوار حول الدستور وبعض المسائل الوفاقية الأخرى، وأكد عزمه على عرض نتائج لجنة محاسبة بعض عضويته الموقعة على المذكرة نهاية الأسبوع، وكان بينهم “صلاح كرار”.. ويعدّ “صلاح كرار” من الشخصيات المعروفة التي شاركت في صياغة مشروع الإنقاذ منذ أن كان فكرة تراود بعض الضباط المحسوبين على الحركة الإسلامية، ورغم تحفظاته التي ظل يبديها من وقت لآخر حول بعض سياسات المؤتمر الوطني ما زال ملتزماً بعضويته، لكنه فضل أن تصل تحفظاته على بعض سياسات حزبه عبر مذكرة مع بعض المتوافقين معه إلى السيد الرئيس.. (المجهر) التقت “صلاح كرار” في حوار تناول الراهن السياسي ودواعي المذكرة.. فإلى التفاصيل.

} بوصفك أحد المشاركين في بداية الإنقاذ ما هي التدابير التي قادت إلى استقرار الاقتصاد آنذاك بعد أن وصل مرحلة متدهورة؟
– نحن في الفترة من 89 /90 إلى 99 بدأنا برامج ثلاثية توصلنا فيها إلى استقرار سعر الصرف، وهذا كان قبل تدفق النفط وانخفض معدل التضخم إلى أقل من 10 %،لكن للأسف الشديد عندما دخلنا مرحلة إنتاج النفط لم نربط هذه الفترة، فترة الشدة مع فترة الوفرة، كما أننا لم نسخر إمكانيات هذه المرحلة
} ما هي حقيقة إمكانيات هذه المرحلة ؟
– المؤشر الاقتصادي لإحصائيات وزارة المالية يشير إلى أن في الفترة من 1999 إلى 2009 الناتج الإجمالي بلغ (10) مليار دولار وبعد 2009 وصل (53) مليار دولار كانت عبارة عن سلع وخدمات، لكن هذه الأموال لم تستغل استغلالاً صحيحاً. وإذا تحدثنا عن مشروع الجزيرة الذي يروى رياً انسيابياً من (الترع) نجد أن الاطماء والحشائش يعيق الإنتاج، وبالتالي يتدنى الإنتاج لعدم وصول المياه الكافية. وإذا كنا صرفنا 20%من الـ(53) مليار دولار على الزراعة لأعطتنا أضعاف ما يعطينا له البترول.
} أين ذهبت هذه الأموال ؟
– للأسف وجهت إلى مشاريع غير منتجة
} مثل ماذا؟
– مثل البني التحتية والطرق والجسور، رغم أهميتها لكن ليس أهم من الزراعة، وللأسف نحن من 99 إلى 2009 لم نستطع توفير 2% للزراعة والإنتاج الحيواني، وأنفقنا الأموال في المباني والمنشآت وفي بذخ غير منتج.
} هل تتوقع أن تؤثر السياسات الاقتصادية الأخيرة في تعافي الاقتصاد؟
– رفع الدعم وحده لا يحل المشكلة وهو فقط جزء من هيكلة الدولة التي تشمل أي خلل في العجز الداخلي، وإذا كان لدي إيرادات يذهب 56%منها إلى الدعم، في هذه الحالة لابد من هيكلة الدولة التي لا تتهيكل فقط برفع الدعم، وإنما لابد من خفض الإنفاق الحكومي وأكبر مكون للصرف هو الإنفاق الحكومي.
} الدولة قبل ذلك قالت تقليل الإنفاق الحكومي لا يضيف نسبة كبيرة للميزانية ؟
– تخفيض مرتبات الوزراء مسألة شكلية، لكن المشكلة متركزة في توسعة الحكم الاتحادي، حيث نجد في الولاية الواحدة عدداً من الوزراء وكل وزير لديه عدد من الموظفين، (يعني) هناك عبء إداري وصرف كبير على مستوى الحكم الاتحادي، لذلك لابد من هيكلة الدولة وخفض الإنفاق كذلك الولايات أكبر مجنب للموارد خارج الميزانية.
} كيف يحدث ذلك؟
– أي معتمد يعمل منشوراً ويفرض رسوماً محلية ويعتبر هذا تابعاً لسلطته المحلية، ويتم ذلك عبر القانون المحلي ولا تستطيع الحكومة الاتحادية التدخل ،مثلا في بورتسودان الوالي يمكن أن يفرض رسوماً على الحاويات ويقول هذا قانون محلي.
} كيف توظف هذه الأموال ؟
– هذه الأموال خارج الميزانية وهناك تجنيب يحدثه الحكم الاتحادي بجانب تجنيب الوزارات السيادية المرتبطة بالأجهزة الأمنية والشرطية، لديها شركات تعمل في مجال النقل والخدمات تفوق شركات القطاع العام، وهذا ليس عيباً لكن الخطأ أن هذه الشركات خارج ولاية ورقابة وزارة المالية، وفي أي دولة وزير المالية هو الولي على المال العام ويدخل ضمن اختصاصاته معرفة أي شركة وأين تذهب أموالها. لكن إذا تركنا بعض الجهات تجمع الأموال وتصرفها فهذا سيؤدي لاختلال الميزانية التي تتم إجازتها.
} ما علاقة ذلك باختلال الميزانية ؟
– لأنه إذا كانت هناك مؤسسة أو ولاية تستطيع أن تجمع(10) مليار (بالجديد)، واشترت جوال أسمنت مثلاً(50%) من جوال الأسمنت ستكون عملة حرة، لان تكلفة جوال الأسمنت 50% منها مكون أجنبي، وهذا يعني أنك اشتريت بنصف المبلغ عملة حرة.
} أين المشكلة ؟
– السؤال من أين تأتي ؟ قطعاً ستُشترى من السوق الأسود، لذلك أكبر مشكلة تواجه الاقتصاد هي التجنيب الذي يتم بعلم الدولة ورأس الدولة ووزارة المالية وكل الأجهزة، وإذا لم يحارب سيرتفع سعر الدولار و(يجيب الدعم)
} كيف يؤثر سعر التجنيب على سعر الصرف ؟
– الدعم ليس خدمة تتبرع بها الدولة، فعندما كان سعر الدولار 2.7 أو 2.9 لم يكن هناك دعم لأن الدولار وقتها كان متوفراً ولا يوجد فرق بين السعر الموازي والسعر الرسمي الذي تستورد به الدولة، لكن عندما تحرك سعر الصرف بفعل الطلب الزائد خارج الميزانية من المجنبين تحركت الدولة من 2.9 إلى 5.7 وأصبح هناك حجم دعم بنسبة 100%، لذلك الطلب الزائد على الدولار يسبب الدعم والسياسات المتبعة الآن ستجعلنا نعود مرة أخرى للحديث عن رفع الدعم.
} ما الحل إذن ؟
– الحل يكمن في معالجة مشاكل الاقتصاد الهيكلية أولها محاربة التجنيب في الوزارات والمؤسسات، لابد أن تلتزم هذه الجهات بالميزانية
} إلى ماذا تعزي أسباب عدم استقرار الدولار ؟
– هذا يعبر عن ربكة في الدولة وطالما هناك سياسات مالية ونقدية لا ينبغي أن تحدث مثل هذه الربكة، فالميزانية النقدية التي تلي بنك السودان تُعني بمجمل احتياجات الدولة من الخارج، وفي هذه الحالة يمكن للدولة أن تقوم بتخفيض بعض السلع إذا كانت الاحتياجات كبيرة.
وفي تقديري ما تقوم به الدولة من سياسات تجاه الدولار معالجات وقتية لمحاربة السوق الأسود، مكشوفة للتجار فهم يدركون تماماً أن الدولة لا تستطيع الاستمرار طويلاً في هذه السياسات.
} في أيام الإنقاذ الأولى هل كان هناك التزام بالميزانية ؟
– طبعا كان هناك التزام لأن القانون أصلاً يحاكم أي مسؤول يدخل موارد في ميزانيته ويصرفها دون علم وزارة المالية
} هل تتوقع انهيار الاقتصاد بسبب ما يواجهه من مشاكل؟
– هناك مسألة مهمة الاقتصاد يبنى على معلومات وللأسف الشديد في السودان المعلومات فقط عند الحكومة، لذلك نحن نبني كل معلوماتنا على الاقتصاد الرسمي وهذا أمر خطير جدا.ً
} لماذا؟
– لأنه أحياناً تعطي معلومات غير حقيقية وتُبنى عليها سياسات غير حقيقية ونواجه بالمشكلة ،الآن مع الزيادات الأخيرة بعد رفع الدعم عن المواد البترولية، أعلن عن أن هذه حزمة ستنفذ مع بعضها البعض، والحزمة تتكون من أربعة محاور المحور الأول خفض الدعم في الميزانية وبالتالي زيادة الإيرادات.
} ماذا عن المحور الثاني؟
– المحور الثاني يتمثل في عمل سياسات مالية ونقدية وهى مكملة لمسألة الإيرادات، ففي الميزانية هناك ما يسمى بالعجز الخارجي والعجز الداخلي والعجز الداخلي يعني قصر الإيرادات، وتكون في هذه الحالة أقل من المصروف، أما إذا كانت أكثر فسيكون هذا هو الوضع الأمثل
} متى يكون هناك عجز خارجي؟
– العجز الخارجي دائما يظهر عندما تخطط ،مثلاً لاحتياجات، لنقل قيمتها (5) مليار دولار للاستيراد، فإذا تجاوزتها في هذه الحالة لابد أن تضع معالجات تتم من خلال التحكم في الاستيراد وزيادة الجمارك على السلع حتى لا تأتي منها كمية كبيرة، وإذا جاءت لابد أن تصب في الإيرادات
} هناك تركيز على القطاعات الإنتاجية أليس كذلك؟
– المحور الثالث تحدث عن الإنفاق على القطاعات الإنتاجية وهذا الكلام يقال منذ (24) عاماً ولا ينفذ، لأن الميزانيات تخضع إلى تدخلات سيادية التي تأتي على حساب الفصل الثاني، الفصل الثالث خاص بالتنمية والآن قالوا المحور الثالث خاص بدعم الإنتاج حتى يقوم بتوفير إيرادات تسهم في توفير النقد الأجنبي، والمحور الرابع بحسب الحزمة خاص بالدعم الاجتماعي إلى (500) ألف أسرة، وهذا الأمر وجد استحساناً لكن الدولة لا تستطيع الاستمرار فيه.
} ما السبب ؟
– هذه أموال ليس لها عائد للدولة لذلك تعجز الدولة عن الالتزام بها، وإذا كانت عاجزة عن تنظيف مشروع الجزيرة فكيف لا تعجز عن هذا الدعم.
} إذن لا تتوقع نتائج للحزمة التي أعلنت من قبل وزارة المالية ؟
– إذا التزموا بها ستكون هناك نتائج لكن أخشى عدم الالتزام على ضوء التجنيب الضخم، ونرجع إلى الصرف على الفصل الأول والاستهلاك (ونسي) الإنتاج، لذلك أقول لابد من إعادة هيكلة الدولة هيكلة كاملة بما في ذلك الإنفاق الحكومي و محاربة التجنيب، كما أدعو إلى تكوين لجنة قومية لوضع ميزانية 2014 تشارك فيها كل الأحزاب والشخصيات القومية المختصة، وتقوم الدولة بتوفير المعلومات لهذه الجهات، وهذا سيكون بمثابة محك لأنه سيكشف مدى صدقية الدولة فيما أوردته من معلومات حول أن رفع الدعم هو الحل، وبالمقابل سيكشف الناس مدى صدقية الأحزاب والمعارضين لموضوع رفع الدعم باعتبارها ليس الطريق البديل للحل وأن هناك طرق أخرى.
} ما تقييمكم للبرنامج الثلاثي للإنقاذ الاقتصادي ؟
– أعتقد العبرة في التطبيق والسؤال هل البرنامج الذي خطط له تم تطبيقه بالصورة الصحيحة، لا أعتقد أنهم التزموا بمبادئه وهو هيكل يعمل بعيداً عن أهدافه الكلية.
} عدم استقرار الدولار ؟
– هذا يعبر عن ربكة في الدولة وطالما هناك سياسات مالية ونقدية لا ينبغي أن تحدث مثل هذه الربكة، فالميزانية النقدية التي تلي بنك السودان تُعني بمجمل احتياجات الدولة من الخارج، وفي هذه الحالة يمكن للدولة أن تقوم بتخفيض بعض السلع إذا كانت الاحتياجات كبيرة
وفي تقديري ما تقوم به الدولة من سياسات تجاه الدولار معالجات وقتية لمحاربة السوق الأسود، مكشوفة للتجار فهم يدركون تماما أن الدولة لا تستطيع الاستمرار طويلا في هذه السياسات.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية