الديوان

(الحواتة).. حبل سري لم ينقطع برحيل «محمود عبد العزيز»!!

} أن تلمح من بعيد جمهور الراحل «محمود عبد العزيز»، فذلك يعني أنك ترى جمهوراً بخواص مختلفة… وأن تكون قريباً منهم فذاك يعني أنك تبحر في واقع لا يكتفي بإبداء الإعجاب بمطربهم الذي (لا يطيقون الاستماع لغيره)… أما أن تدلف إلى أعماقهم وتجلس وسطهم وتقرأ أنماط تفكيرهم فهو أمر ليس بالعسير لمعرفة (الرابط) السري الذي يجمعهم بمطربهم المحبوب، ولا تحتاج إلى كثير عناء حتى تلمح تلك الحالة تتقافز في نظراتهم وشوقهم الغريب لرؤيته التي قد تسبق لهفتهم للاستماع إلى أغنياته، وهي حالة نفسية قد تعجز تماماً عن إدراك كنهها ومعرفة تفاصيلها في حال كنت بعيداً عن الأجواء التي تسبق معظم حفلاته الجماهيرية الأخيرة، ويمكن أن تتكشف بجلاء بائن بعد الطواف بجولة قصيرة والتفرس في ملامح من يضمهم ذلك الحفل وتحس بيسر ودون رهق أو عنت تلك الأواصر الفطرية التي تشد الجمهور إلى فنانهم الذي يدعونه بالـ(الأسطورة). في كل الحفلات العامة التي أحياها خلال الفترة الأخيرة، تتنازع الناظر إلى عيون وحركات وسكنات وإيماءات وتشنجات جمهور «محمود عبد العزيز» لأول مرة مشاعر شتى تتوزع بين الذهول وعدم التصديق والإعجاب والعجب لغرابة ما يلمحه أمامه، ويشرع من فوره في محاولة لإيجاد تفاسير منطقية قد لا يسعفه بها عقله حينها، إلا أن الانغماس مع تلك الجماهير مرات متعاقبة قد يزيل بعض ما علق بعقله وعجز عن إيجاد تفسير منطقي له، فحالة حشد المشاعر المتشنجة التي تظهرها تلك الجماهير تخرج عن الإطار المتعارف عليه منطقياً وعقلياً، بل وتعلن أن عقلك يقف ساعتها عن تقديم دفوعات مقبولة لمعرفة الكيفية التي يفكر بها ذلك الجمهور الذي يشبهه الكثيرون بـ(الجمهور الإنجليزي).
} تعليقان لفتا نظري بشدة إلى الحالة النفسية لجمهور «محمود» أولهما كان في حفل أقامه بـ(سينما كوبر) بعد عودته من العاصمة المصرية (القاهرة) حين تبرع أحد الحاضرين بعد نهاية أغنيته الأولى في الحفل بقوله إن ثمن التذكرة بكاملها قد استخلصها من الأغنية الأولى.. والبقية تعد بمثابة الزيادة فقط، وثانيهما ما أطلقه أحد الحاضرين في حفل (نادي التنس) ليلة السبت الماضي حين قال: (والله أنا جاي أشوف «محمود» بس حتى لو ما غنى ما مشكلة)، هذان التعليقان يظهران بوضوح بائن سر التعلق الشديد لتلك الجماهير بالفنان المثير للجدل، ومكمن الغرابة يتبدى في نفسية الجماهير التي ترى في النظر إلى وجه مطربها المحبوب ما يكفيها ويزيد، فكيف يكون حالها وقتها في حال خاطبها متحدثاً ثم مغنياً. جمهور الراحل (الحوت) يعتبر حالة غريبة جديرة بأن يشرع الباحثون النفسيون في دراستها وتقييمها، والدفع بكل ما من شأنه أن يزيل الاستفهام الذي يدور في رأس الكثيرين المتابعين له.. هذا الجمهور يعد بمثابة الحبل السري الذي لم ينقطع برحيل (الحوت)، ولكنه تمدد وقوي عوده وأصبح جمهوره أكثر قرباً من ذي قبل.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية