تأملات في كلمات: معنى الدعوة للوحدة في الجنوب
جاء في الأخبار قبل مدة أن تظاهرة كبرى سارت في شوارع مدينة جوبا تهتف مطالبة بإعادة الوحدة مع الشمال، وكان هذا التطور مفاجأة لكل المراقبين الذين بنوا كل توقعاتهم على أن الجنوب لم يصدق أنه تخلص من استعباد الشمال، وأن أحداً لم يفكر في عودة أي شكل من أشكال التعاون مع الشمال، يساعدهم في ذلك دخل البترول الكبير.
بالنسبة لنا نحن في الشمال لم يكن الأمر مفاجأة، لأننا نعرف مدى حاجة الجنوب للشمال، كما أن كل الدراسات أشارت إلى غياب البنية الأساسية، وبالتالي لا يوجد أي شكل من أشكال الإنتاج، ولهذا ما زال الجنوب يعتمد على الشمال في وجباته الغذائية، وما زال الفول هو الوجبة الرئيسية، لهذا فشلت كل محاولات دمج الجنوبيين مع شمال يوغندا لاختلاف المزاج والغذاء والعادات.
الآن هناك سؤال يفرض نفسه، هناك خطة أمريكية لتقسيم السودان إلى عدة دول فما هو مصيرها؟!
لقد أكد انفصال الجنوب أنه في حاجة لخدمات الشمال الكثيرة، وأن الكيانات الكبيرة لها مزاياها، وأن المواطن في الجنوب كان لديه مجال للتوسع المصلحي افتقده بالانفصال، وأن دخل البترول مهما كثر لن يفي عن السلع الكثيرة التي كانت تأتيه من الشمال. لا يخفي على أحد أن معظم مشاريع الإنتاج الزراعي تتركز في الوسط والشمال، وأن الشمال وبالذات يقدم لكل السودان وجبتين كل صباح هما الفول والخبز الذي يؤكل به الفول، ونفس الكلام يقال عن الجزيرة بمزارعها المروية.. ووسط السودان يمثل سوق استهلاك ضخم لا يستغني عن باقي المناطق، ويتميز وسط وشمال السودان بوجود بنية إنتاجية.
من الأخبار التي وصلتنا أن صحن الفول بلغ في الجنوب عشرة جنيهات كاملة لشعب دخله في اليوم ضئيل!.
لقد أفاق دعاة الانفصال من سكرتهم على حقائق مرة كانوا يتجاهلونها.. إن هناك وجبات أساسية لا يمكن تجاهلها تنتج في أواسط وشمال السودان، وأنهم مهما رددوا من بلاغات حول الاستعمار الشمالي لن يستطيعوا إعلان الانفصال الكامل، وأن دولتهم ستظل معتمدة على ما في السودان.. وأنه من الأفضل أن يكون سوق العمل مفتوحاً في كل أرجائه ليتمكن أي مواطن من الحصول على رزق في سوق متسع.
لا شك أن الجنوب نفسه لديه منتجات لن يستطيع تصريفها إلا إذا تعاون مع هذا الشمال، فالمنتجات الغابية لن تجد سوقاً بحاجة لها إلا في هذا الشمال، والجنوب لديه فواكه لا يستطيع تصريفها إلا بالتعاون مع الشمال.
وتحسن العلاقات بين الدولتين فرصة طيبة لإعادة فتح المؤسسات التعليمية المشتركة، وهي فرصة لنشر اللغة العربية في الجنوب بالاستعانة بالدول العربية في توفير التمويل، ويمكن إعادة العلاقة بين الجنوب ومصر عبر السودان، ويمكن قيام شركات مشتركة بين الدول الثلاث، خاصة أن حرب المياه المتوقعة تفرض على الدول الثلاث التعاون والتنسيق.
بعد تنفيذ كل هذه الأفكار ستعود ثقافة مختلفة تقوم على التعاون والمصلحة المشتركة، ولن يجد دعاة الحرب والانفصال فرصة لتعكير الأجواء خاصة عبد إعفاء رموز التحريف في الجنوب، ومحاصرة الحركات المسلحة في الشمال، والدعوة إلى مؤتمر للمصالحة بين كل الفصائل التي احترفت القتال كمهنة (وأكل عيش) ومع إيجاد البدائل لهم وفتح فرص للعمل في الشمال، والجنوب كما هو متوقع لن يكون للوردات الحرب أثر على العلاقات ويجدون أنفسهم ملزمين بتبني ثقافة أخرى تقوم على المحبة والسلام واحترام الآخر.