تقارير

بعد توصية قيادات الحزب الأخيرة: هل يقفز الاتحاديون من قطار الإنقاذ..؟!

قبل مشاركة الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) في الحكومة، دار جدل كثيف بين المؤيدين للمشاركة والمعارضين لها داخل الحزب، وكان من أبرز المعارضين آنذاك «حاتم السر» الناطق الرسمي باسم الحزب وابن الميرغني «محمد الحسن»، فيما كان «أحمد سعد عمر» الذي يشغل الآن الوزير برئاسة مجلس الوزراء، من أبرز المؤيدين لموضوع المشاركة ووصف بأنه كان مهندس هذه الفكرة. وعزا كثير من الحزبيين آنذاك هذا الأمر لخلفيته الإسلامية، حيث كان منضماً إلى تنظيم الإخوان المسلمين قبل ذلك، كما كان من أبرز القيادات المعارضة للمشاركة في الحكومة «حسن أبو سبيب» و»علي السيد» و»بخاري الجعلي»، أما «حاتم السر» فقد قام بتجميد نشاطه احتجاجاً على مشاركة حزبه وأصبح مستشاراً بالبنك الإسلامي السوداني. وفي خضم هذه الأجواء حسم مولانا آنذاك الأمر بإرساله رسالة لقياداته كان مفادها (القاعد أقعد والعايز يمشي يمشي ).
في الناحية الأخرى وجد قرار المشاركة معارضة كبيرة من بعض القواعد إلى درجة جعلتها تعبر بطريقة أكثر حدة، حينما قامت بمحاولة اقتحام اجتماع المكتب القيادي الذي أعلن فيه مشاركة الحزب في الحكومة.
وفي نهاية الأمر كما هو معروف انتهى الجدل بإعلان الحزب مشاركته في الحكومة، وقيل إن القرار اتخذه «الميرغني» لكن أخرجه باسم المؤسسة، حينما أكد أن القرار يعبر عن رأي مؤسسات الحزب ، لكن بعض القيادات الحزبية قالت وقتئذٍ إن الحزب ليس لديه مؤسسات فاعلة تستطيع اتخاذ مثل هذه القرارات، في إشارة إلى أن الأمر يعبر عن قناعات الميرغني فقط بجانب أن المؤسسات محلولة.
أما الحكومة فقد احتفت حينها بمشاركة حزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، واعتبرت نفسها على الأقل، استطاعت تحييد الاتحادي مما تقوم به الأحزاب المعارضة الأخرى.
رغم ذلك لم تخلُ مسيرة مشاركة الاتحادي في السلطة من تهديدات بالخروج منها من وقت لآخر ومن هنات هنا وهناك، فخلال هذه المشاركة قام بعض الوزراء بتقديم استقالاتهم، كما كان الحال بالنسبة لوزير الدولة الأسبق بالخارجية «منصور العجب» احتجاجاً على عدم الرجوع إليه في الموضوعات التي تعتبر من صميم عمله، كما سبق أن اختفى ابن «الميرغني» ومساعد رئيس الجمهورية «جعفر الصادق محمد عثمان» لفترة طويلة خارج البلاد وأقام بلندن، واعتبر بعض المقربين من دوائر الاتحادي هذا التصرف بمثابة غضبة انتابت ابن الميرغني، بسبب سياسة التهميش التي انتهجتها الحكومة تجاهه مما جعل الحكومة تدفع أبرز قياداتها لاستقباله عندما نوى العودة للبلاد.
وفي السياق كان بعض أعضاء الحزب قد اتخذوا قراراً بالانضمام إلى أحزاب اتحادية أخرى معارضة، بحجة أنها أصبحت تعبر عن اتجاهاتهم أكثر من الاتحادي الأصل. وفي خضم هذه التقاطعات لفت الناس مؤخراً حديث لمولانا «محمد عثمان الميرغني» نقلته إحدى الصحف الخارجية خلال الشهر الماضي، أكد فيه أن الشراكة مع المؤتمر الوطني في السلطة ليست بقرة مقدسة، ورمى هذا الحجر في البركة الراكدة وغادر البلاد بعد مقابلته الرئيس ووفد وزير المالية الذي تم في إطار تنوير الأحزاب بموضوع رفع الدعم عن المحروقات. وقال إن مولانا الميرغني سلم الحكومة رداً مكتوباً وغادر البلاد إلى لندن بصحبته ابنه مساعد الرئيس «جعفر الصادق».
سفر الميرغني على ضوء هذه الظروف التي تعيشها البلاد، فهمها بعض المراقبين في سياق انسحاب الميرغني وابنه من المشهد السياسي الساخن، حتى لا يطالب بمواقف كبيرة مثل انسحاب حزبه من الحكومة، فيما فسره آخرون في إطار عدم رضا الميرغني من سياسات رفع الدعم التي اتخذتها الحكومة، لاسيما أن مغادرته البلاد هو وابنه تزامنت مع هذا الحدث، رغم مباركة الخطوة من وزير الإرشاد والأوقاف التابع للاتحادي الديمقراطي، الذي وصف رفع الدعم بالعمل المنصب في خانة مصلحة الاقتصاد.
وقبل أن يجد الناس تفسيراً لذلك خرج بالأمس الناطق الرسمي باسم الحزب الاتحادي الديمقراطي دكتور «إبراهيم ميرغني» للإعلام، معلناً استقالته كناطق رسمي من منصبه بجانب اعتزاله العمل السياسي احتجاجاً على مواقف الحزب من المظاهرات الأخيرة، كما قالت الصحف إن الحزب الاتحادي قرر الانسحاب من الحكومة احتجاجاً على تعامل السلطات مع المظاهرات الأخيرة. وبحسب حديث الناطق الرسمي بالإنابة أن مولانا «الميرغني» كلف لجنة من (21) قيادياً في الحزب من بينهم وزراء داخل الحكومة، بجانب أعضاء في هيئة القيادة وقررت اللجنة بالإجماع الانسحاب من الحكومة وبعدها طُرحت تساؤلات في الساحة من نوعية هل هذا قرار «الميرغني» أم قيادات في الحزب. ورأى بعض من سألوا أن القرار إذا صحَّ سيكون قرار «الميرغني»، لأن أجهزة الحزب لا تؤدي أي دور إلا بإيعاز من «الميرغني». وفي هذه الحالة فإن القرار سيعبر عن وجهة نظر مولانا «الميرغني» وليس حزبه، بينما نظر آخرون للأمر في إطار المناورة على ضوء ما تواجهه السلطة من ضغوط، أو أن «الميرغني» أراد بهذا الأمر أن يبتعد عن الحكومة، حتى يرى إلى أي اتجاه ستنجلي الأمور. المجهر من جانبها حاولت الاتصال بالقيادات في حزب الاتحادي الديمقراطي لمعرفة حقيقة الأمور، وكان ملاحظاً انشغال هواتف معظم قيادات الاتحادي الديمقراطي وعدم رد البعض الآخر على مهاتفات المجهر، فيما اعتذر القيادي «بابكر عبد الرحمن» للمجهر بحجة أنه ملتزم بعدم الإدلاء بتصريحات، أما العضو «حسن حضرة» فقد أفادنا بأنه لم تتم دعوته إلى هذا الاجتماع، وسمع كغيره من الناس أن الاتحادي اتخذ قرار الانسحاب من السلطة، لكنه قبل أن يغلق سماعة الهاتف قال لنا :السؤال المهم هل هذه القيادات اتخذت هذا القرار بمفردها أم هو قرار «الميرغني»، ونحن كذلك نسأل ما علاقة مولانا «الميرغني» بهذا القرار ؟
 وفي سياق البحث عن إجابة لهذا السؤال، ومعرفة إذا ما كان هذا القرار دخل حيز التنفيذ، تأكد لنا من الناطق الرسمي باسم مجلس الوزراء في تصريح عام، أن جلسة مجلس الوزراء انعقدت أمس بكافة عضويته ولم يتغيب أحد، في إشارة إلى أن الوزراء الاتحاديين شاركوا في هذه الجلسة، كما لوحظ أثناء وجود الصحفيين بمجلس الوزراء، وزير التجارة «عثمان عمر الشريف» يتجول داخل المجلس.
كذلك توجهت المجهر بسؤال لوزير السياحة والآثار بولاية الخرطوم التابع للحزب الاتحادي الديمقراطي «يحي صالح مكوار» عن حقيقة انسحابهم من المشاركة في الحكومة، فقال أنا الآن أباشر عملي بمكتبي لكن هناك توصية رفعت لقيادة الحزب، والآن نحن ننتظر نتائج هذه التوصية ونفى وجود هيئة قيادة مشيراً إلى وجود لجنة تسيير. وبحسب «مكوار» اجتمعت أمس هذه اللجنة ورفعت توصية لقيادة الحزب وأبدى استعداده لتنفيذ قرار القيادة المنتظر، لكنه أكد قيامه بعمله ومباشرته لتكاليفه الآن، ويبقى قرار الانسحاب من عدمه مرهون برد القيادة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية