أخبار

حشود الانتهازيين..!!

إن رهان الحكومة على الشعب هو أفضل ما يمكن التركيز عليه لتجاوز مأزق الظرف الاقتصادي الحالي، فما اختبرت هذه الأمة يوماً لصالح وطنها ووقع منها خذلان. لقد صبر هذا الشعب السوداني على الإنقاذ في سنوات الخوف والمسغبة، في بدايات التسعينيات شرب الناس الشاي بالتمر وربما (سليقة مرة)، وأكلت الأسر غذاء الكفاف، وانعدمت الكهرباء وتردت الخدمات وعز المال والنصير، ولم يحتج السودانيون على “البشير” وحكام الحركة الإسلامية الجدد، بل كانت العمليات العسكرية في شكل عريض من مسرح يمتد في كامل الجنوب الحالي (الدولة) وأجزاء لاحقاً في شرق السودان إلى تخوم إريتريا والنيل الأزرق، يومها دفع شعبنا بفلذات أكباده ضمن كتائب المجاهدين، لم يتخلف أحد وجهة.
لقد كان إسهام المواطنين والعامة ممن لم يسمع بهم أحد في هذه الإنقاذ أكبر حتى من أسهم وزير المالية الحالي وأعظم من دور محافظ البنك المركزي الذي ربما لا يعرف البعض الآن حتى اسمه.. إنهم السودانيون جناح الحركة الإسلامية الفطرية، ممن آمنوا والتزموا بدولة ترفع راية الشريعة وتتحدث عن الجهاد والمجاهدين وتنجب الشهداء، دولة كان الناس يتحدثون فيها عن “الطيب سيخة” الذي يسكن مرزوق بأم درمان، وعن “الزبير” الذي يركب (الدفار) معهم، وعن “إبراهيم شمس الدين” المواطن في (الدخينات) في حي للبسطاء الذين حين فارقهم انتقل لحي بسيط آخر هو الجريف.
لم يكن يومها المجاهدون والقادة رجال أعمال وبيزنس، فتوفرت القدوة وتلمس الجميع بريق نورها وتحسسوه فملأ جوانحهم بالغبطة، ليكون من الطبيعي أن يذهب “البشير” إلى عرس للشهيد في الكلاكلة، وعرس آخر ينصب في بيته لأن شقيقه قد استشهد.. كان الجميع مثل الجميع ومع الجميع، أما اليوم فقد سدت حشود الانتهازيين والمتسلقين الطرقات والشعب، وصار البعض ينتظر موت رمز وكبير وحبيب ليحظى في لحظات التشييع بلقاء أخ وقائد، فكأنما صارت (الفاتحة) ظلاً وغمامة للتلاقي في زمان اللا زمن هذا.. ويحكم.
فلتنزل الحكومة من برجها إلى الناس، ولتعد الإنقاذ إلى ما بدأت به، وإن فعلت فستوفر على نفسها عنت القول والإيضاح، وليتم هذا النزول بالقيادات المقبولة ذات الثقة التي لا تزال أسماء تحترم لأنها نزيهة ومخلصة، وليبتعد الذين لا يجيدون القول أو العمل، والذين كلما تحدث فرد منهم فاقم من استياء الرأي العام، ورفع أسهم التهديد للموقف الرسمي وإن كان صحيحاً.
إن الرهان على هذا الشعب العظيم هو المرجع النهائي، لأنه واعٍ ومدرك، لا تستفزه الأكاذيب، ولا تجر قدمه للفوضى الحماقات، وهو من فرط وعيه قد يخيب كل القراءات والتوقعات فيجيز رفع الدعم عن المحروقات، وقد لا يفعل.. وفي الحالين، فإن له تقديرات غير منظورة وأحكاماً نهائية ربما لا تكون قابلة للنقض.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية