عندما بكت الوزيرة..!!
أمور كثيرة تدعو للبكاء.. يتساوى في ذلك الصغار والكبار.. النساء والرجال.. ورغم ما يقال عن أن دموع الرجال عصية، لكنهم يبكون أيضاً، وتأتي لحظات صعبة لا يستطيعون خلالها السيطرة على دموعهم.. البعض يحاول مداراتها لكنها سرعان ما تغسل وجوههم!
ثمة دموع حبيسة تظل عالقة بين الرموش دون أن تسقط.. تلك تعكس حالة من الشجن يصعب وصفها.. وعذاباتها قد تكون أكبر من تلك التي تذرف حارة مدرارة.. هي لا تعكس بالضرورة جرأة صاحبها وقدرته على التحكم في الدموع بقدر ما تشي بلحظة تشوي مكبوتة في الدواخل.. لذلك حين تهبط دمعاتها تكون محدودة ولا تنتهي بحالة إجهاش في البكاء يفضي إلى رحيل لحظة الشجن ومغالبة الفكرة.
الرئيس “جعفر نميري” بكى حين استقالت الوزيرة “فاطمة عبد المحمود”.. الإمام “الصادق المهدي” بكى حين خسر الفريق “صديق إسماعيل” انتخابات الأمين العام للحزب.. دكتورة “تابيتا بطرس” بكت حين تم استرداد (أبو كرشولا).. السياسيون يبكون أيضاً وبالأحرى تدمع أعينهم أمام شاشات التلفزة ودونما قصد منهم يحرزون أهدافاً عميقةً في شباك السياسة، لأن دموعهم تعكس شفافيتهم ومصداقيتهم، أو هكذا يفترض، رغم أن دموع الساسة قد لا يصدقها أحياناً كثيرون!
أحدث من انضم لقائمة السياسيين الذين (غلبتهم دموعهم) وزيرة التنمية البشرية والعمل الأستاذة “إشراقة سيد محمود” التي أجهشت بالبكاء أثناء ترديد كورال أمانة الشباب بالحزب الاتحادي الديمقراطي بالنيل الأبيض لأنشودة (عزة في هواك)، حيث أكدت الأخبار أن (العبرة خنقتها) وهي تحاول السيطرة على دموعها قبل أن تستعيد رباطة جأشها بصعوبة لتؤكد في كلمتها وبكل ألم أن حزبهم ليس (ترلة) يقودها حزب آخر!
“إشراقة” التي سبق وأن استضفتها في برنامج (منتهى الصراحة) بفضائية (الخرطوم)، كانت صريحة جداً حين قالت في معرض إجابتها عن سؤالي حول أسباب خلافها مع النقابة: (لقد كنت قاسية في طريقة تعاملي وسأظل قاسية).. لكن قسوة الوزيرة فيما يبدو كانت كما يقولون من طرف لسانها وليس قلبها.. والدليل على ذلك تلك الدموع التي ذرفتها ودوامة البكاء التي دخلت فيها وهي تستمع لـ(عزة في هواك).
كثيرون الذين نعتقد أنهم يعيشون بقلوب قاسية ويتمتعون بشخصيات صارمة، لكن تثبت المواقف لاحقاً أنهم معرضون للحظات ضعف إنساني شأنهم والآخرين.. على مر التاريخ رصدت حالات عديدة لبكاء رؤساء ووزراء، بعضهم كان بكاؤه صامتاً، والبعض الآخر كان مسموعاً وعالياً.. من قبل بكت رئيسة وزراء أستراليا “جوليا غيلارد” وهي تتحدث عن المعاقين، واللافت أن رؤساء الوزراء في أستراليا كثير منهم بكى علناً أو نزلت دموعه لأسباب مختلفة، منهم “مالكم فرايزر” و”بوب هوك” و”هاورد ذرف” و”كيم بيزلي” وغيرهم، وكأن دموع الرؤساء الأستراليين (قريبة جداً) كما يقولون!
مؤخراً بكى الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” وذرف دموعه أثناء احتفالات إحياء الذكرى الثانية عشرة لأحداث سبتمبر.. ومن قبله بكى الرئيس الإيراني السابق “أحمدي نجاد” خلال زيارته ضريح السيدة “زينب” بمصر.. بكى خشوعاً لله فاستلفت أنظار المصريين وجعل الصحافة هناك تكتب عن الرئيس الذي بكى.. وحديثاً جداً بكى الرئيس المخلوع “محمد مرسي” أثناء خطبة الجمعة، مما جعل البعض يقول هل كان الرئيس يبكي على نفسه أم على مصر؟! وقبل التوصل إلى إجابة جاءت الإطاحة سريعاً بالرئيس “مرسي” الذي لم تسعفه دموعه لقطع الطريق أمام عزله من كرسي الحكم!
بكاء الحكام حينما يكون مشهوداً يُنظر إليه إعلامياً كحدث سياسي ضخم، ويتم إبرازه بشكل كبير، وغالباً ما تكون له ردود فعل شعبية واسعة.. وهناك رؤساء في هذا العالم بكوا لمرات عديدة ونجحوا في استعطاف شعوبهم والتعلق بهم، منهم الرئيس البرازيلي السابق “لولا دا سلفا” الذي بكى أكثر من مرة.. بكى يوم تذكره فقره.. ويوم ماتت أمه.. ويوم ألح عليه الشعب لتغيير الدستور كي يسمح له بالرئاسة لولاية ثالثة.. بكى وقال لشعبه إنه لن يفعل ذلك ولن يسن دستوراً يأتي على البرازيليين ببلاء الدكتاتورية.. لذلك لم يكن مدهشاً أن يجعل البرازيليون شعار دورتهم الأولمبية القادمة (زبالاً مبتسماً يحمل مكنسته على كتفه).. كان رئيسهم الأسطوري (زبالاً) قبل أن يصبح رئيساً ورغم ذلك استطاع خلال ثماني سنوات من حكمه أن يحول بلاده المفلسة إلى دولة غنية تمتلك فائضاً نقدياً يقدر بمائتي مليار دولار، مما يجعلها بحلول العام 2016م ومع انطلاقة الألعاب الأولمبية خامس قوى اقتصادية في العالم.
البكاء سمة إنسانية لا تختص بأناس دون غيرهم، أو فئة دون أخرى.. أما الدموع فمنها الدموع الحقيقية سواء كانت دموع حزن أو فرح.. أما (دموع التماسيح) فتلك قصة أخرى!!