جنيهات (الكرامة) .. وحكاية "مأمون"!
– 1 –
} سمعنا ونحن في عمر الطفولة عن قصة (قرش الكرامة)، تلك الفكرة المدهشة التي نفذتها حكومة الرئيس “جعفر نميري” في مطلع سبعينيات القرن المنصرم لاسترجاع (قرض) قدمه العقيد “معمر القذافي” للسودان.. إذ عندما اختلف الرئيسان، طالب العقيد باسترداد المبلغ!! فاستنفر “النميري” شعب السودان مطالباً بأن يدفع كل مواطن (قرشاً واحداً) سمي (قرش الكرامة)، لسداد قيمة القرض الليبي وإرساله للعقيد (المهووس)!
} كان بإمكان حكومتنا أن تفكر في (جنيه الكرامة) أو (خمسة جنيهات الكرامة)، يدفعها (شهرياً) كل مواطن سوداني بالداخل، لعدة أشهر، و(دولار الكرامة) يدفعه كل مغترب سوداني بالخارج، حتى لا (تتسول) حكومتنا ولا (يشحد) الشعب السوداني جراء الإجراءات الاقتصادية المرتقبة.
} أفكار وأفكار.. وبدائل.. ثم بدائل.. ولكن من يفكر ومن يُدبر؟!!
– 2 –
} بدلاً من أن يسعى البروفيسور “مأمون حميدة”، وزير الصحة بأكبر وأهم ولايات السودان، جاهداً، ويقتطع من وقته (الثمين) لإصدار صحيفة سياسية جديدة.. كان أولى به أن يسعى لإحداث (التغيير) الحقيقي في واقع مستشفياتنا المأساوي، بل وفي كل القطاع الصحي المتدهور.
} فإذا كانت قائمة انتظار مرضى المخ والأعصاب في مستشفى “إبراهيم مالك” تمتد إلى العام 2015م، أو حتى إلى ما بعد (شهرين) فقط من اليوم، فهذا يعني أن البروف “حميدة” لم يوفق في مهمته الأساسية التي جيء به من أجلها، وهي (تغيير) وجه (الصحة) في عاصمتنا الحضارية!!
} مشكلتنا في السودان أن معظمنا يقحم نفسه في مجال لا معرفة له به، لا خبرة ولا تجربة، ولا موهبة.
} لو كانوا يحسنون الإفادة من تخصصاتهم (العلمية) في مجالاتهم (الإدارية)، لتغير السودان وحقق طفرات عظيمة في الاقتصاد، الصحة، الزراعة والبيئة، وغيرها من المجالات. مثلاً، إذا كان (والي) الخرطوم خريج (بيطرة)، فإن النتيجة المتوقعة ألا يزيد سعر رطل (اللبن) في ولايته عن (جنيه واحد)، ودستة (البيض) عن (عشرة جنيهات) لا أكثر.. ولكن هذا لا يحدث الآن!!
} وإذا كان تخصص (والي) الخرطوم السابق هو (الطب البشري)، فإن المأمول كان أن يحقق نجاحاً غير مسبوق على الأقل في مجال الخدمات الصحية، فتتحول المستشفيات في “الخرطوم” إلى أرقى وأأمن وأنظف مواقع الخدمات في الولاية. ولكن لا هذا ولا ذاك لم يحدث. مجرد شهادات أكاديمية عظيمة للوجاهة الاجتماعية، كأن يسبق حرف (الدال) اسم أحدهم، و(الميم) تزين أسماء آخرين!!
} نحن في حاجة ماسة إلى التطبيق (العملي) للعلوم على واقع الحكم والإدارة في بلادنا.
} السيد “محمد طاهر ايلا” – على سبيل المثال – لم يتخرج في إحدى كليات الهندسة المدنية، لكنه استفاد للغاية من سنوات عمله وزيراً للطرق والجسور بالحكومة المركزية، فلما صار (والياً) على البحر الأحمر، نقل كل خبراته في مجال الطرق وركز في هذا القطاع أكثر من غيره.. فتحولت بورتسودان إلى مدينة الأسفلت الأولى بالسودان، إلى درجة أن مواطني الولاية أصبحوا يسخرون من (حكاية الأسفلت) وينسجون حولها (النكات)!
} بصراحة، نحن لا نخشى منافسة “مأمون حميدة” لنا في سوق الصحافة، لأننا نحسب المسافات جيداً، ولكننا نتحسر على واقع الصحة في السودان، ونأسف لتعيين (وزير) غير متفرغ لها، مشتت ما بين (البزنس) في التعليم والاستثمار في المستشفيات (الخاصة)، وإصدار الصحف!!
} شخصياً، لو تم تعييني مسؤولاً عن الصحة في محلية (كرري)، وقبلتُ بالمنصب ومخصصاته، فإنني بالتأكيد سأقدم استقالتي من هذه الصحيفة، وأبيع أسهمي للأخ “مصطفى أبو العزائم” أو للأخ “جمال عنقرة”.