(سيشيل) التي لم أزرها!!
شاهدت من خلال نشرة الأخبار الرئيسية السيد الرئيس يلتقي بالمبعوث الخاص لرئيس جمهورية (سيشيل) والوفد المرافق له.. لاحظتُ حفاوة وأريحية على اللقاء رغم ما تمخض عنها من أخبار اختصر على توطيد علاقات التعاون بين البلدين دون تفاصيل أخرى.
(سيشيل) هذه الجمهورية التي قد لا يعرفها كثيرون استوقفتني من قبل حين اقترح عليّ أحد الأصدقاء في سلطنة عمان – التي مكثت فيها لأكثر من خمسة عشرة عاماً – لزيارتها وقضاء إحدى الإجازات بين جزرها المدهشة.. لم أُظهر حماساً وقتها وكانت وجهتنا السياحية إلى (إسطنبول) التركية المليئة بجزرها الأنيقة أيضاً.
تذكرت (سيشيل) التي كان يفترض أن أزورها قبل سنوات.. تذكرتها وأنا أرى من على شاشة (التلفزة) وفدها الرسمي يزور الخرطوم ويلتقي الرئيس.. وهو حدث لم أكن أتوقعه لأن أخبارها ظلت بعيدة عن الحراك السياسي والدبلوماسي للخرطوم رغم أنها تعد الواجهة السياحية الأهم في العالم الآن.
هذه المرة شعرت بدافع أقوى من ذي قبل للقيام بزيارة إلى (سيشيل).. قلت لنفسي طالما أن هؤلاء الناس وصلوا حتى الخرطوم فجدير بنا أن نصل إليهم.. ثم قلت لنفسي لما لا وقد زرت فيما زرت عشرات العواصم في هذه الدنيا ولم أجد دهشة المكان التي ظللت أبحث عنها في الترحال والسفر إلا قليلاً.. ربما تكون (سيشيل) هي الدهشة التي كلنا نبحث عنها!!
دخلت إلى مواقع (إسفيرية) مختلفة لأعرف أكثر عن هذه الجمهورية التي لا يرد اسمها إلا نادراً في الأخبار.. وهذا والله دليل صحة وعافية وعلامة استقرار وأمان!
تقول المعلومات التي جمعتها عن (سيشيل) التي استقلت في العام 1976م إن مساحتها حوالي (455) كلم مربع وعدد سكانها لا يتجاوز الـ(90) ألف نسمة.. وعاصمتها (فيكتوريا) هي الأصغر في العالم.. أول من وصل إليها هم الفرنسيون الذين استجلبوا لزراعتها أيدٍ عاملة من أفريقيا والهند والصين.. ومن بعدهم انتقلت السيادة للإنجليز لذلك سكانها ناطقون بالفرنسية والإنجليزية والسواحيلية.. وعلى تنوع عرقياتهم لكن أعدادهم ما زالت محدودة جداً ومعظمهم ينخرطون في العمل السياحي الذي يعد المصدر الأول للدخل، حيث تُولي الحكومة اهتماماً متعاظماً بالسياحة ويتعامل وزراؤها بأناقة تليق ومظهر جمهوريتهم السياحي المتميز، يُروجون لبلدهم بذكاء ويوجهون بحفاوة الدعوات لنظرائهم لزيارة (سيشيل) التي شهدت انصهاراً قارياً غير مسبوق، فهي تتبع جغرافياً لقارة أفريقيا ولكنها تنتمي لقارة آسيا بسكانها.. وتتمتع بأجمل شواطئ في العالم لم تعبث بها المدنية الحديثة، وظلت كلوحة طبيعية نضرة تظللها أشجار النخيل وتمنحها المنتجعات الخلابة ذات الفنادق العالمية أبعاداً جمالية لا نظير لها.
(سيشيل) التي ربما لا يعرفها أحد.. جمهورية استثنائية على أكثر من صعيد.. بلد هادئ.. منسجم.. مكتنز بالحياة والجمال.. حافظت على عفوية المكان وسحر الطبيعة وقدمت أنموذجاً للتعايش العرقي بين كل قارات العالم في بقعـة صغيرة واحدة.. إنها حقاً تستحق الزيارة.
يبدو أن رحلة البحث عن الدهشة المفقودة والانقلاب على الروتين القاتل يحتاج أحياناً لزيارات تأخذنا بعيداً إلى الجزر التي ظلت كما أوجدها خالقها بعيداً عن أيدي البشر والعبث القبيح وضجيج المدن وضوضاء السياسة والأكسجين الملوث بالأكاذيب والحماقات.. ترى هل ما زال حلم (المنافي) يستأثر حضورنا الباهت ويغوينا على الهرب من ضجر الأمكنة الخانقة وقبضة النمطية والتكرار؟.. قصائد كثيرة يمكن أن تكتب هناك وربما روايات تتجرأ على المسكوت والذي لا يقال.. أسابيع صيفية كفيلة بكتابة الرواية التي تكشف كل الأسرار وتستنطق الروح في صمتها وانزوائها وعزلتها.. الحاجة تزداد إلى تلك الرحلة.. فأين تقع سفارة (سيشيل) في الخرطوم إن كانت لها سفارة.. وعلى متن أي الطائرات يكون السفر إليها مباشرة؟ أما مسألة ذهاباً وإياباً أم ذهاباً فقط فهي متروكة لفصول الرواية والنهاية التي ستعلن عنها.. هناك في (سيشيل)!!