رأي

الصراعات القبليّة

} البلد الوحيد الذي لا زالت فيه صراعات قبلية هو السودان. والغريب في أمر هذا الصراع قد يتم في منطقة بقسوة وشراسة، بينما في منطقة أخرى مجاورة ليس له أثر، رغم وجود أبناء القبيلتين، مما يؤكد أن الصراع لم يقم على أسس واضحة. والشيء العجيب في هذه الصراعات التي وصلت مرحلة التصفيات الجسدية للعشرات أنها كلها تجري بين قبائل حظوظ التعليم فيها ضعيفة، ومعظم ضحاياها من الأميين وأشباههم، مما يؤكد أهمية العلم لمنع هذه الصراعات.
} وفي الماضي كان شيئاً عادياً حدوث اشتباكات بين الدينكا والنوير أو بينهم والشلك أو أي قبيلة أخرى في الجنوب، ويرجع ذلك إلى أن أفراد القبائل الجنوبية ليس لديهم ما يشغلهم، فهم يؤدون أعمالاً بسيطة لا تحتاج إلى جهد ذهني أو عضلي، حتى وجباتهم كانت بسيطة لا تحتاج إلى جهد كبير لإعدادها. والفرد في هذه القبائل ينشأ في وسط يمجد القوة الجسدية.
} تراثنا يحتشد بقصص الصراعات القبلية ولا زالت بعض الجماعات تتحدث عن انتصارات حققتها في ميادين القتال، رغم غياب أي سبب. وفي الماضي كان أبناء كل قبيلة يفخرون برجل شجاع ظهر في القبيلة، وقد كان ذلك مفهوماً عندما كان التفوق يقوم على الشق البدني.. والآن هناك ميادين صراع عديدة لتأكيد الجدارة.. وإذا كانت كل القبيلة في الماضي تفخر بظهور فارس شجاع بينها، فإن المجال مفتوح للعشرات لتأكيد التفوق في مجال العلم والعمل، والدولة قد فتحت المجال لكل أفراد الشعب للمشاركة في منافسة حرة.
} والحل للقضاء على الشعور العربي يكون بانتقال الجماعات من منطقة لأخرى، بما يؤثر في التفكير القبلي، لأن الفرد لا يجد حماية أبناء القبيلة.. ومطلوب منه تأكيد براعته وتفوقه الفردي.
} لكن ماذا يكون الوضع لو كانت الدولة ذات نفسها مشجعة على القبلية دون وعي، اعتقاداً من الدولة أن هذا يخدم نفوذها ويقرب لها أبناء القبيلة؟!
للأسف الشديد إن الدولة في السودان عزفت على وتر القبيلة، وكان الاختيار للوظيفة العامة يتم لأن هذا ابن فلان، والذي يسعى لوظيفة يعرف أنه لن يحصل على هذا المنصب لكفاءته، وأنه بحاجة إلى باقي أبناء القبيلة لحماية نفسه، فتمتلئ الوحدة بأبناء القبيلة مهما كان مستواهم التعليمي.
} لقد كان الاستعمار الانجليزي واعياً وهو يقرب الناس بناء على مكانتهم الدينية وليس القبلية، وفتح ميدان التفوق للجميع.. يتنافسون في حرية كاملة.. لذا لم تظهر صراعات قبلية، بل كان شاعرنا يقول: (ما لي مال تاريخ القبيلة).
} إن قيام التفوق على أساس المكانة الدينية يهدم أهم ركن للقبيلة، لأن المجال في التدين مفتوح للجميع، ولا تستطيع أسرة أن تزعم أنها احتكرت الدين، كما أن التفوق في المجال الديني يتطلب الاجتهاد في علوم الدين والدنيا لنيل المكانة، وتستطيع الشخصيات الدينية أن تلعب دوراً مؤثراً في محاربة التعصب القبلي، كما فعل الإمام “محمد أحمد المهدي” الذي وحد كل قبائل السودان ضد المستعمر، فلم يسأل أحدهم عن تاريخ قبيلته، لأن المكان أساساً لا تأتي بالانتساب إلى قبيلة. والآن نجد أن كل أبناء قبيلة قد أقاموا تجمعاً يضم أبناء القبيلة في المدن بحجج مختلفة، مما أجج الصراعات، ولا يعرف أحد ما إذا كانت قوة خفية تعمل على تأجيج نار القبلية.. فما أن تهدأ حتى نسمع عن صراع قبلي حتى في مناطق الوعي. وقبل فترة سمعنا أن الصراع القبلي وصل حتى للجزيرة فتصارع أبناء قبيلتين على منصب هو في الأصل لا يتم الحصول عليه دون تأهيل أكاديمي ومهني!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية