رأي

زوال الإعصار عن الصحافة الورقية..!!

المعركة الطاحنة بين الصحافة الإلكترونية والصحافة الورقية ما زالت ماثلة للعيان، يحاول كل طرف تدمير الآخر بأسلحة تبهر الجمهور المتعطش للقراءة والإطلاع على مستوى الكرة الأرضية.. إنها معركة الحرب الضروس بين القديم السائد والجديد الزاحف، فالقديم السائد يتوكأ على حبل ممدود بين الحاضر والمستقبل مرتبط بديمومة التألق التي تحمل خبايا لا تقهر، بينما الجديد الزاحف يلعب على وتر خطف الألباب والأبصار بسلاح التكنولوجيا وماعون العصر.
للوهلة الأولى، تتراءى الصحافة الإلكترونية أمام الناظر كأنها تنين ضخم يطلق ألسنة من لهيب الحداثة والتقدم، يريد ابتلاع إمبراطورية الصحافة القديمة، وفي المقابل تبهرك الصحافة الورقية من زاوية القوة الذاتية واصطفاف الخبرات.. وفي الصورة المقطعية إذا كان الأدب قد منح روسيا الألق والنكهة الواضحة، فإن مزايا الصحافة الورقية تتأطر في أنها مستودع المعلومات والأحداث التي تذهب إلى الشبكة العنكبوتية!
توجد على الطاولة ملامح المصادمة بين الصحافة الورقية والصحافة الإلكترونية.. من يكسب؟ ومن يخسر؟ ومن يستحوذ على الرواد والقراء؟ ومن يقدم الإنتاج الوفير..؟ وفي الإطار هنالك من يعترف بأن كليهما يكمل الآخر، وأن الحديث الكثيف عن التعارك والتنافس الخطير بينهما يمثل تدليساً متعمداً ومعركة في غير أوانها.
الخيال الإنساني الجامح نحو الصحافة الإلكترونية، يرى أنها تجربة ترتكز على عصر الهندسة الوراثية واكتشافات الفضاء، وتختزل مشاكل الطباعة والورق، وفي الضفة الأخرى تلوح خصائص الصحافة الورقية وقدرتها على التأثير في المذاق النفسي والوجداني أكثر من الثانية.
أيضاً الصحافة الإلكترونية تواجه العديد من التحديات والمشاكل، تتمثل في تواضع أعداد مستخدمي الإنترنت، علاوة على ضعف آليات التمويل بمختلف صورها في ظل انعدام الثقة البائن بين المعلن والصحافة الإلكترونية، فضلاً عن ذلك فإن الإنترنت كفضاء مفتوح تصعب فيه الرقابة وتحديد المسؤوليات، وبذلك يصبح مرتعاً خصباً للأكاذيب والمبالغات والهتر الشخصي في باحة الصحافة الإلكترونية.
لقد حاول البعض إطلاق إشارات تؤكد أن تهديد الصحافة الإلكترونية على الصحافة الورقية يكون على شاكلة تحديد الكويكبات الشاردة في الفضاء على كوكب الأرض، غير أن تلك الأقاويل تهاوت على بلاط الواقع والمنطق، فالصحافة الورقية تمتلك متانة البوتقة، وهي ينبوع إطلاق المادة الإعلامية إلى فضاءات الإنترنت، يضاف إلى ذلك قدرتها على اكتساب الربح والمال أكثر من الصحافة الإلكترونية.
هكذا ارتسم زوال الإعصار القادم للصحافة الورقية من مدافع الصحافة الإلكترونية على أرائك توفر مقومات الإدارة المواكبة، ومناخات النجاحات الممتدة والبعد السيكولوجي، فالحديث عن موت الصحافة المكتوبة فيه مبالغات ورؤية قصيرة النظر لا تعترف بالواقعية، فالصحف التي تغيب عن ساحة القراء هي التي لا تؤهل نفسها في الأسواق!!
المحصلة.. يمكن القول إن النظرة إلى مصير الصحف المكتوبة كأنها على شاكلة الحمير والبغال والخيول في زمن ظهور السيارات، يعدّ شططاً في التفكير وطرحاً يقفز فوق المهددات التي تواجه المواقع الإلكترونية من زوايا تفاقم التكنولوجيا المضادة والمؤثرات السالبة المتعلقة بالإدمان على الشبكة العنكبوتية، والمؤسسات الصحفية الورقية إذا حازت على سحر البقاء وسارت على دروب الاجتهاد والإبداع من خلال المشاريع الناجعة في مجال الرسالة الإعلامية ستكون قادرة على الاستدامة، ويبقى الحديث عن وفاتها يعبر عن أمنيات أكثر من كونه قراءة علمية ترتكز على الدراسة العميقة، وقد يكون تمزيق الصحافة الورقية بناء على تلك المعطيات مثل محاولة تقطيع الأسفنج قطعة.. قطعة ليعود أسفنجاً حياً من جديد.
في ثنايا التصادم بين الصحافة الإلكترونية والصحافة الورقية، معركة حافلة بالدلالات والتعمق تلهب الأعصاب والمشاعر.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية