أخبار

"الخرطوم" و"واشنطون".. من الهدنة إلى المواجهة

} بينما كنا جلوساً في مقهى صغير بمدينة «فيرني فولتير» الحدودية بين سويسرا وفرنسا، أمس، نحتسي أكواب الشاي، كان فرنسيٌ يناهز عمره السبعين يعزف بالقرب منا على آلة (البيانو) موسيقى تقليدية، وفرنسا هي بلد الفن والأدب والجمال والموسيقى والفرح والسياسة وكرة القدم والمسرح.. أبدينا كمجموعة من الصحفيين والإعلاميين إعجابنا ودهشتنا بقدرات وفنيات رجل لو كان منا نحن السودانيين لتوكأ على عصاه ومشى في الدروب ووهن عظمه واشتعل رأسه شيباً وخارت قواه وصار متشائماً، ولكن الغربيين حتى وهم على حافة القبر يغنون ويفرحون ويعزفون الآلات الموسيقية، فيجملون حياتهم بمتاع الدنيا وملذاتها.
} سألنا العجوز الفرنسي: (من أين أنتم)؟! فقلنا له (إننا من أفريقيا).. قال (نعلم ذلك ولكن من أي دولة).. قلنا له (من السودان). فتجهم وجهه، وقال: (السودان بلد يكثر فيها الموت.. لماذا تتقاتلون بعضكم بعضاً.. ولماذا تقتل حكومتكم مواطنيها)؟! حاولنا أن نشرح للرجل المشاكل التي تؤدي إلى النزاعات والحروب، ولكن الرجل كان على موقفه بأن السودان بلد مشوهٌ في ذهنه، فلماذا هذه الصورة السالبة عن بلادنا في الشارع الغربي عموماً؟! هل العالم على خطأ ونحن على صواب؟! ومتى تتوقف الحرب حتى تصبح صورة بلادنا لدى الشعوب والأمم بيضاء من غير سوء؟! وهل الحروب قدر أم هي من صنع البشر؟!
} كثير من المسئولين والقابضين على مفاصل الدولة لا يعيرون الرأي العام اهتماماً، ولا يأبهون كثيراً بصورة السودان في الخارج، ولكنهم بذلك يقترفون خطيئة كبرى، فصورة البلاد لها علاقة بالاقتصاد والتنمية والتعاون، وقبل كل ذلك صورة البلاد التي يتبادل مواطنوها القتل في نظر الغرب بلد متخلف ينبغي أن يحارب ويقاطع حتى يستقيم على الدرب.
} إن الغرب ليس كتلة واحدة وليس له مصلحة حقيقية في إدارة معارك مع السودان، ولكن كثير من أخطاء الداخل تثير الرأي العام في الغرب، وقضية دارفور لا تزال شاخصة ومتجددة في الدول الغربية، ولا أثر لاتفاقية الدوحة، ولا المجموعات التي توصلت إلى تسويات سلمية مع الحكومة استطاعت أن تقدم نفسها إلى الغرب بأن ثمة تطوراً إيجابياً على الساحة الدارفورية، وعادت مجدداً قضية جبال النوبة والنيل الأزرق، فالحديث عن الانتهاكات لحقوق الإنسان في ظل الحرب الدائرة في الإقليمين تأخذ حيزاً في الإعلام الغربي والمنظمات الطوعية التي تسمى بحكومات العالم الخفي. والعجوز الفرنسي الذي انقبض وجهه مجرد ذكر اسم السودان بالطبع لا علاقة له بما يجري في الداخل، ولكن غذى الإعلام والتقارير مخيلته بكل ما هو مشين ومشوه وعار عن هذا البلد.. فمتى يدرك قادتنا أن قراراً سهلاً كإيقاف الحرب من شأنه أن يغذي شرايين البلاد بأكسجين الحياة؟!
} ولا تبدو قضية الحرب وحدها هي من يشوه صورة السودان، ولكن قضايا ننظر إليها في الداخل بأنها (تافهة) تثير علينا عالم بأسره، وما قضية الفتاة الناشطة التي قبض عليها في الكلاكلة إلا واحدة من التشوهات التي تنال من سمعة السودان، ولا يدري كثيرون أن مثل هذه القضايا هي ما يحرك ضد بلادنا كثيراً من المنظمات الطوعية في الغرب. فهل نظل نتمادى في أخطاء الأمس، أم نقبل على تصحيح أوضاعنا بأيدينا لا بأيدي غيرنا، ومن تلقاء رغبتنا، لا بضغوط أعدائنا، وباختيارنا لا باختيار من نصفهم بالأعداء، وربما هم غير ذلك؟!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية