حوارات

الدكتور "مصطفى عثمان إسماعيل" في حديث السياسة والاستثمار (2 – 2)

يعتبر الدكتور “مصطفى عثمان إسماعيل” أحد أبرز وجوه (الإنقاذ) السياسية والتنفيذية، تنقل بين الوظائف والملفات من وزارة الخارجية إلى مستشار الرئيس إلى مقعده الحالي وزيراً للاستثمار، هذا فضلاً عن رئاسته لقطاع العلاقات الخارجية بالمؤتمر الوطني سابقاً، وعضويته المستمرة بالانتخاب في المكتب القيادي ومسؤوليته عن ملف (شرق السودان) والحوار مع حزب الأمة القومي.. بين هذه القضايا والملفات جلسنا إلى د. مصطفى نسأله عن ما بين يديه:

} دكتور.. إلى أين تتجه الأوضاع السياسية في السودان؟
السودان دخل مرحلة مختلفة منذ وصول النظام الحالي إلى سدة الحكم فالسياسة التغييرية والشعارات التنموية التي جاهر بها النظام كالمشروع الإسلامي ومشروع التوجه الحضاري والمشروع التنموي واستقلال القرار لفتت الأنظار إليه.. سيما البداية التنموية الجادة في السنوات الأولى أزعجت القوى الغربية التي تفننت في حصار السودان وتضييق الخناق عليه، لكن الله العزيز أراد للسودان أن يتطور وينمو رغم ويلات الحرب والحصار والتربص الغربي، فأدرك الغرب ألا سبيل إلا بتغيير النظام بمساعدة متمردي الجنوب وفتح جبهات أخرى، فأصبح السودان يحارب في أكثر من جبهة ويحارب الفقر والجهل والتخلف من جهة أخرى، فكان النمو والتطور في التعليم والكهرباء والصحة والطرق والجسور والتنمية الحضرية والعمرانية وإنتاج البترول وغيرها من الملفات التنموية رغم الحصار، وذلك عبر قيام مؤسسات ضخمة وعملاقة في المجالات كافة.. فانتقل من اقتصاد الشح إلى اقتصاد الوفرة مما انعكس إيجاباً على معاش المواطن.. لكن السياسة الغربية لم تتوان في تمزيق السودان في غفلة من أهله، فكان انفصال الجنوب.. وما تبعه من فقدان الموارد فانعكس الأمر وبالاً وضيقاً.. لكن الشاهد أن السودان اكتسب خبرات جمة في التغلب على العقبات وها هو ينهض من كبوته مرة أخرى وأظنها الأخيرة، فالإنتاج المعدني والزراعي في اضطراد، وكذلك استكشافات البترول والاستثمارات المختلفة في ازدياد مضطرد أيضاً، ويتوقع خبراء الاقتصاد انفراج الأزمة بنهاية العام 2014م، بإذن الله.
} العلاقات مع دولة جنوب السودان تتحسن أم تتدهور؟
العلاقات مع جنوب السودان تشهد بعض التقدم أقول هذا بحذر، فهذه العلاقة لن يكتب لها الاستقرار إلا إذا ما حسمت الملفات العالقة بين البلدين وتم ترسيم الحدود بصورة نهائية، ولكن هناك بوادر انفراج تلوح في الأفق في ظل الزيارات عالية المستوى التي يقوم بها الجانبان، وعلى ضوء نتائج اجتماعات اللجنة الأمنية المشتركة، ونأمل أن تعطي زيارة الرئيس “سلفاكير” للخرطوم قوة دفع أخرى في الاتجاه الإيجابي.
} الأوضاع في سوريا وليبيا وتونس والحروب المستمرة في ديار المسلمين.. كيف تنظرون إليها.. وما هي الجهات التي تقف وراءها؟
أن تكون هناك صحوة إسلامية شعبية في كل ديار المسلمين فهذه محمدة عظيمة، وأن تصل القوى الإسلامية في كل هذه الدول لسدة الحكم عبر صناديق الاقتراع فهي محمدة أعظم.. لكن ما يقلقني التدخلات الأجنبية الدولية والإقليمية واستغلالها للقوى الوطنية ذات الأجندة الرخيصة لضرب الاستقرار في هذه الدول.. فالدول العربية وشعوبها معروف عنها تماسك النسيج الاجتماعي، وذلك مرده للتشبع بالقيم الإسلامية الفاضلة التي تدعو إلى مكارم الأخلاق، فجاءت الضربة أكثر إيلاماً لأنها فيها مساس بأخلاق الأمة وضربتها في مقتل.. يقول الشاعر:
إنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيتْ.. فإن هُمُو ذهبتْ أخلاقُهمْ ذهبوا.
فإنَّ دخول القوى الغربية وعملائها عبر هذا المدخل لم تأتِ من فراغ، إنما عن تخطيط دقيق أريد به بثُّ أتون الحرب والكراهية والقبلية والطائفية بين المسلمين، فيتنازعوا وتذهب ريحهم.. فالأمر جد خطير ويحتاج إلى تحرك سريع من الدول العربية والإسلامية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن تحل الندامة على الأمة بأسرها، ولات حين مندم.
} العلاقات مع الولايات المتحدة تراوح مكانها.. أين وصلت ومدى تأثيراتها على الاستثمار الأجنبي في السودان؟
العلاقات السودانية الأمريكية تتأرجح ما بين القطيعة والانفتاح الحذر ولم ترتفع إلى درجة أعلى من ذلك، والسودان لا يطمع في التطبيع مع الولايات المتحدة في ظل تعنت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ما يطلبه فقط هو إنهاء العداء والتربص والوصاية، حتى في الشأن الداخلي وانتهاج علاقة تتسم بالعقلانية والانفتاح المعتدل من غير تربص أو وصاية، فالسودان قدم مواقف معقولة ومتوازنة في الملفات كافة، التي تتحجج بها الإدارة الأمريكية كإيواء الإرهاب وملف جنوب السودان وملف دارفور، فكل هذه الملفات قدم فيها السودان الكثير، وما لم يتم فهو من الجانب الآخر. إلا أن أمريكا لازالت عند موقفها ولا ندري متى ترضى عنا أمريكا، وهي لن ترضى عنا حتى نتبع سياستها، فنحن كل عام أو عامين نستقبل مبعوثاً أمريكياً فمن يكن صادقاً في حديثه يُستبعد، ومن يكذب ويفبرك يُرفَّع ويُدعم.
} مؤتمر الأحزاب الأفريقية واجتماع المجلس الأخير بالعاصمة الزامبية.. هل يؤشر لدور جديد للسودان في أفريقيا؟
مؤتمر الأحزاب الأفريقية إطار جديد لتعاون سياسي بين القوى السياسية الأفريقية المستقلة من أجل إخراج أفريقيا من وهدة التخلف والانصياع للقوى الغربية، والعمل على استقرار أفريقيا ومحاربة الدكتاتورية والانقلابات والتعاضد ضد المنظمات الغربية المتربصة بأفريقيا كمحكمة الجنايات الدولية والشركات الأوروبية التي تستغل الإنسان الأفريقي وثرواته، ولتحقيق مزيد من التعاون التجاري والاقتصادي بين دول أفريقيا ومنظماتها السياسية والاقتصادية كالكوميسا والساحل والصحراء و(الإيقاد) وغيرها، وتجدر الإشارة هنا أن السودان استضاف هذا المؤتمر في العام المنصرم. والفكرة قديمة منذ أن كنت رئيساً لقطاع العلاقات الخارجية بالمؤتمر الوطني، وعندما تولى الأخ الصديق البروفيسور “غندور” إحياء الفكرة وأنجزها بأفضل ما يكون.
} العلاقات مع الصين والحوار الإستراتيجي بين الحزب الشيوعي الصيني وحزب المؤتمر الوطني؟
العلاقات مع الصين ظلت ولازالت مثل العلاقات الدولية النموذجية، فهي علاقة إستراتيجية مستقرة ومستقلة عن أي تدخلات أو وصاية، فالعلاقات السودانية الصينية تحكمها المصالح المشتركة والصين دولة مسالمة في علاقاتها الدولية ما لم تُستفز أو تهدد مصالحها.. فالذي يجمع بين السودان والصين هو التعاون الاقتصادي المتبادل، فالصين تمتلك الخبرات، والسودان لديه الثروات غير المستغلة، ومن هنا تأتي التفاهمات والاتفاقيات بين الحكومتين والحزبين الحاكمين المؤتمر الوطني السوداني والحزب الشيوعي الصيني، وهناك ما يُعرف بالحوار الإستراتيجي بين الحزبين بدأ باقتراح منا عندما كنت رئيساً لقطاع العلاقات الخارجية، عقدت الجولة الأولى بالخرطوم وهو نهج جديد على القوى السياسية الأفريقية والإقليمية، ويهدف إلى التقارب ونقل وجهات النظر وإيجاد الحلول للعلل الاقتصادية والسياسية في البلدين. الصين تستفيد من موقع السودان (الجيوبولتيكي) في أفريقيا والعالم العربي، والسودان يستفيد من الصين بحسبان أنها قوى اقتصادية ضخمة وسوق كبير للمنتج السوداني، وهناك تبادل في الزيارات بين الجانبين.
} العلاقات الدولية تشهد متغيرات متسارعة.. هل يتجه العالم فعلاً إلى نظام عالمي جديد؟
هناك حراك سياسي واقتصادي كبير ينتظم العالم، فالهزات الاقتصادية والكوارث والحروب تكشف المقدرات الفعلية للدول، وهذا ما يجري فعلياً الآن، فهناك قوى صاعدة بسرعة إلى قمة اقتصاديات العالم، وهناك دول كبرى تتعرض لهزات اقتصادية عنيفة، ففي بدايات تسعينيات القرن الماضي، شهد العالم ترنح وسقوط الدب الروسي والذي لا يزال يحاول النهوض، وقد كان لسقوطه أثر كبير على النظام العالمي السياسي والاقتصادي، واختل التوازن الدولي، وظهر ما يعرف بالأحادية القطبية بانفراد أمريكا بقيادة وتوجيه بل وتأديب العالم (ولا ننسى قول الرئيس الأمريكي “دبيلو بوش” الابن عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، التي كانت نتيجة حتمية للأحادية القطبية، فقد قال: (من ليس معنا فهو ضدنا) فقوله هذا يخبرنا إلى أي مدى أدى غياب التوازن الدولي لانفراد أمريكا بالعالم والتصرف فيه كيف تشاء.. هناك قوى حديثة وهي دول (البريكس) الناهضة (الصين، الهند، البرازيل، جنوب أفريقيا، روسيا) وهذه الدول تمثل الأمل لنظام عالمي أفضل، فهي دول مستقلة وذات اقتصاديات متطورة، وتمضي نحو القمة دون وصاية من أحد، وهي الأقرب إلى الدول النامية التي تمثل (95%) من دول العالم، وقد خرجت من بين هذه الدول ونضيف إليها ماليزيا وتركيا.. كل هذه الدول ينتظر منها أن تضع خارطة جديدة لنظام عالمي جديد في القريب العاجل إن شاء الله.
} سؤال يفرض نفسه.. البعض يتهمك بأنك تتمدد خارج الاستثمار، فماذا تقول في ذلك؟
-نعم أنا متمدد خارج وزارتي، والسبب أنني مكلف من قبل السيد رئيس الجمهورية بعدد من الملفات الرسمية والحزبية، كنت أتابعها عندما كنت مستشاراً للسيد رئيس الجمهورية، وانتقلت معي لموقعي الجديد، فما المشكلة في ذلك. الإعلاميون مثلهم مثل بقية فصائل المجتمع ليسوا كلهم سواء منهم من ينتقدك ويعارضك ولكن باحترام ومعقولية، وهذا لا تملك إلا أن تحترمه وتقدره. منهم العالم ومنهم من دون ذلك.
لا أرد على كثير مما يرد في الصحافة خاصة ما يكون رد فعل، لأنني لم استجب لطلبه الشخصي أو أن يكون مدفوعاً بآخر لديه مشكلة معنا في العمل، فنحن في مرفق مرتبط بالمستثمرين ورجال الأعمال والقطاع الخاص. أو يريد أن يثير فتنة بين الوزراء أو القيادات كما يفعل البعض عندما يتحدث عن تدخلي في الشأن الخارجي وهذا ينطبق على الجميع سواء مؤتمر وطني أو غير مؤتمر وطني.
أما إن كنت تقصد تحديداً كتب تقرأ استضافتي ووداعي لسفيري الكويت وسلطنة عمان، وفي الوقت ذاته كيف يتحدث “كرتي” عن الاستثمار في الصين؟.
أولاً من حيث التنسيق فقد أعطيت الوزير “كرتي” قبل سفره للصين ورقة عن الاستثمار ليضمنها محادثاته مع الصينيين، وهذا من صميم عمل وزير الخارجية المسئول الأول عن تنظيم وتنسيق علاقات السودان الخارجية، وهو اعتذر عن دعوتي للسفيرين لغيابه بالصين وحضر السيد وزير الدولة بالخارجية “صلاح” ومدير الإدارة العربية بالخارجية، وبصفتي رئيس اللجنة العليا لتأبين رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل “ملس زيناوي” عندما شرحت له البرنامج اعتذر أيضاً لسفره، ولكنه رتب دعوة غداء باسمه للمشاركين، كما حضر الأخ وزير الدولة للخارجية. فهل هذا يعني أننا نتبادل الموقع أم نتكامل في المسئولية؟
} زيارتكم للمملكة العربية السعودية الشهر القادم هل هي متعلقة بالاستثمار؟
-هذا ملف آخر أتولاه بصفتي رئيساً لمجلس أمناء جامعة أفريقيا العالمية.. وهي دعوة من السيد وزير التعليم العالي السعودي بناء على رغبة منا للتعريف بجامعة أفريقيا العالمية وتطوير العلاقات بينها وبين الجامعات السعودية.. وبجانب رئيس مجلس الأمناء يضم الوفد الدكتور “كمال عبيد” مدير الجامعة، البروفيسور “حسن مكي” مدير الجامعة السابق، البروفيسور “عبد الرحيم علي” مدير الجامعة الأسبق وفخامة المشير “عبد الرحمن سوار الذهب” عضو مجلس الأمناء.
} نشاطكم في مجال الكتابة.. وآخر إصداراتكم؟
رغم مشاغل الموقع والملفات والأسفار أتمكن والله الحمد من استقطاع وقت للكتابة خاصة في الطائرة في السفر أو في السيارة، إما الملفات أو الكتابة، عندما كنت وزيراً للخارجية طلبت منهم سائقاً لا يتحدث كثيراً فقط ينشغل بقيادة السيارة وما أقوله من توجيهات، وفعلاً جاء السائق وكان من الاستخبارات العسكرية وفي صباح (جمعة).. وفي طريقنا إلى الكلاكلة، وأنا منكب على أوراقي قلت للسائق أنا مشغول ولا أريد التحدث مع أحد حتى انتهي. فجأة انتبهت وهو يرد على الهاتف، فيقول نعم سيادتك. ما موجود سيادتك. فقلت له من كان يتحدث معك فقال السيد الرئيس سيادتك فأخذت الهاتف، واتصلت بالأخ الرئيس الذي علق قائلاً لم يكن عندي شك في أنك منكب على أوراقك وملفاتك، وكما أشرت في هذا الحوار فقد نُشر لي في بداية هذا العام كتاب (الربيع العربي ثورات لم تكتمل بعد) وقد تمت طباعة ثلاث طبعات نفدت كلها، والحمد لله فقد وجد إقبالاً كبيراً، والآن يجري الإعداد لإصدار كتابين أحدهما بعنوان (النزاعات، تطورها ووسائل حلها في الإسلام والممارسات الغربية الحديثة) خلال الأشهر القليلة القادمة، وهو كتاب أردت من خلاله التأصيل للنزاعات من خلال رؤية الإسلام لها ولمعالجتها وخاصة أن معظم النزاعات في ديار العرب والمسلمين، وقد لفت نظري ندرة مراجع النزاعات من هذه الزاوية، وأقصد به الزاوية التأصيلية، وكذلك ندرة المراجع باللغة العربية في هذا المجال، أما الكتاب الثاني فهو امتداد لكتاب الربيع العربي وهو بعنوان (مهددات الديمقراطيات الحديثة في العالم العربي).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية