حوارات

(المجهر) في حوار غير مسبوق مع وزير الدولة برئاسة الجمهورية الدكتور "أمين حسن عمر" حول علاقته بـ(الحزب الشيوعي) 4-4:

{ هل تخطط لمستقبلك؟
– الحياة لا تقبل التخطيط إلا إذا كان التخطيط تأشيري، فنحن لا نسيطر على حياتنا، فهناك عوامل كثيرة تؤثر على هذه الحياة وأحياناً تؤثر على اتجاهاتك، لذلك إذا ادعى شخص أنه يخطط لحياته كما يخطط للخطط الاقتصادية، فهذا غير صحيح وكثير من اتجاهاتي وقراراتي لو عدت حيث كنت ربما اتخذت قرارات أخرى.
{ ما هي تلك القرارات؟
– لن أُحدثك عنها، ولن أُحدثك عن تلك الاتجاهات وتلك القرارات.
{ هل أنت زاهد في الحياة وكل الذي أتاك لم تسعِ له؟
– أرجو أن أكون زاهداً، والزهد في فهمي ليس إلا تطلب الدنيا فهذا ليس بزهد، والزهد ألا تملك الدنيا والزهد إلا تمتلك الدنيا.. وألا تحزن حزناً يفسد عليك الحياة إذا فارقتك واحدة من نعم الحياة، والإمام “ابن الجوزي” وهو من أئمة الفقهاء شرح الزهد شرحاً وافياً وفي عدد من كتبه.. أعتقد أن المسلمين محتاجون لهذا الشرح الآن، فالحياة فيها انقسام فبعض الناس جشعون وجزعون، وبعض الناس يعتقد أن تترك الحياة ولا تطلب، ولو كان الله يريد للناس أن يتركوا الحياة لما خلقها.. فخلق هذه الحياة حتى لا تترك، فالله سبحانه وتعالى قال يجب أن تؤتي رخصه ويجب أن يتحدث الناس بنعمته.. والزهد ليس أن تكون لابس مرقع وساكن في منزل متواضع وراكب عربة متواضعة، وربما يكون هناك من له كل هذه الصفات ولكن جشعه للحياة أكبر بكثير، وطلب الإنسان من الحياة أحياناً يتفاوت، فهناك ناس شرهون في الطعام والشراب وهناك ناس شرهون في حب الظهور والرئاسة، وهناك أناس شرهون في حب المرح، وهناك أناس تتعدد مطالبهم من الحياة ويطلبونها بلهفة وإذا فقدوها جزعوا، وهذا لا نسميه زهداً مهما كانت حالة الشخص.
{ في كل هذا ألم تكن أيضاً زاهداً؟
–    في كل الأحوال أنا لا أعتبر نفسي من الزاهدين، ولا أحب أن أحكم على نفسي، ولا أعتقد أنني راضٍ عن نفسي بأي حال من الأحوال، ولا راضٍ عما أنا عليه.. ولهذا يجب أن يكون شأن المسلم ألا يرضى بحاله حتى ولو كان حاله حسناً أو كان حاله مثلي.
{ وأنت تتقلد أول منصب رفيع.. كيف كان شعورك؟
– لقد عُينت أول مرة أميناً عاماً لوزارة الثقافة والإعلام، وكنت وقتها أقوم بمهام الوزير لعشرة أشهر نظراً لعدم وجود وزير، وقد كان رئيس الجمهورية يشرف عليها شخصياً.. ومن ثم عُينت مستشاراً صحفياً برئاسة الجمهورية، وعندما عُينت وزير دولة لم أكن راغباً في المنصب، فاعتذرت للدكتور “غازي” وقلت للسيد الرئيس لقد كلفت بتأسيس صحيفة (الأنباء).
{ وعندما حدثت المفاصلة في أية خانة صُنفت؟
– وقتها لم أكن مصنفاً تصنيفاً لهذا الطرف أو ذاك، كل طرف كان يعتقد أنني الأقرب إليه، لذلك أصبحت متهماً من قبل الطرفين، وهذا أعادني إلى الصحافة مرة أخرى.. وأعتقد أن الصحافة هي مكاني الطبيعي أو الأنسب التي دائماً أقول للناس إن الصحافة فيها إشباع للإنسان الذي له اتجاهات ذات طابع ثقافي وفكري، وأهم من كل ذلك أنها بلا معاش، فيظل المرء فيها حتى يقبض الله روحه، لذلك الصحافة هي مهنتي.. فأعرف نفسي في كل المحافل بأنني إعلامي وصحفي ولا أكتب وزير لأن الوزارة تكليف مؤقت، وينبغي ألا يطول عمر المرء فيها لمصلحة الأطراف جميعاً ولمصلحة الشعب، وينبغي ألا يطول تكليف الوزراء، فسيدنا “عمر” (رضي الله عنه) كان يقول (لو كان فيها خير فقد أصبنا منه وإن كان فيها شهر فقد أصبنا من ذلك الشر)، فنحن هكذا نقول (لو كان فيها خير أصبنا منه وإن كان فيها شر فقد أصبنا منه).
{ عندما توليت مشروع صحيفة (الأنباء).. هل تعتقد أنك لم تكن موفقاً في السير فيه لمراحل متقدمة؟
– الصحافة فيها مشكلات، فطبيعة المهنة والاستثمار الاقتصادي فيها هناك أزمات كثيرة وكل إنسان يقود مشروعاً كهذا لا بد أن يواجه مشكلات، فأنا لم أكن مؤمناً بالصحافة الحكومية، وأعتقد أن الحكومة لا بد أن تكون لها صحف موالية، كما هو موجود في (بريطانيا) كـ(الغاردين) ميلها لـ(حزب العمال).. وفي كل الدنيا الصحف لها اتجاهات وحتى الذين أرادوا من الصحفيين أن يتحرروا من صحافة الحكومة أنشأوا صحيفة (الإندبندن) البريطانية، ولكن لم يسمح لهم، فجاءت الرأسمالية (المسيسة) واشترت الصحيفة.
{ وبريق الوزارة؟
– أنا لا أعتقد أن الوزارة في السودان لها بريق، ولم ترتقِ بشأن الإنسان لا في الواقع ولا عند الناس، بل العكس فإذا كنت وزيراً ربما يتحفظون في إبداء التقدير لك حتى لا يقال إنهم (يكسروا ثلج)، وعندما تخرج من الوزارة قد تشعر باحترام أكثر لأن هذا الاحترام هذه المرة بسبب العلاقة وليس بأي سبب آخر الانتفاع بالمصلحة.
{ كيف تنظر إلى واقع العمل الصحفي والإعلامي؟
– أنا لست راضياً عن العمل الإعلامي، وأعتقد أن العمل الإعلامي والصحفي في السودان يمكن أن يقدم عملاً أفضل من هذا بكثير، فالعمل الإعلامي والصحفي يحتاج إلى إصلاح واسع، وإذا كان الصحفيون والإعلاميون يتحدثون عن ضرورة الإصلاح السياسي، فجزء من الإصلاح السياسي هو الإصلاح الإعلامي، وآفات الحياة السياسية سببها الإعلاميون أنفسهم.
{ هل بسبب عدم التأهيل؟
– ليس بالضرورة عدم التأهيل، وإذا قلنا هذا فينطبق الحال أيضاً على السياسيين والمهندسين والنقص ليس بسبب عامل واحد، فهناك عدة عوامل متشابكة ومعقدة، بعضها يتعلق بالواقع وبعضها متصل بالموارد والفرص، وبعضها متصل بهمة الناس في العمل، ولذلك الأمر أكثر تعقيداً في أن ننسبه لعامل واحد، ولا شك أن ظروف الإنتاج الإعلامي إذا كان صحفياً أو إعلامياً ظروف غير مواتية، وأن الجهد المبذول جهد متواضع سواء أكان من الجهات التي ينبغي أن تدعم هذا أو الجهات التي تقوم بهذا الإنتاج.
{ هل تعتقد أن الدولة لم تقف معك عندما أُسندت إليك رئاسة تحرير صحيفة (الأنباء) أو أُسندت إليك مهامها كاملة؟
– أنا أصلاً لم أكن مؤمناً بالصحافة الحكومية، وكان هناك إصرار عليَّ، وقلت لهم إذا كان الإصرار على ما تسمونه بالصحافة القومية، فينبغي أن تتسم بهذه السمات.
{ما هي تلك السمات؟
– أولها أن تصبح مثلها ومثل جهازي الراديو والتلفزيون، وأن تكون لها ميزانية راتبة وألا تعتمد على السوق، وإذا أرادت أن تعتمد على السوق فتحكمها آليات السوق، فمثلاً هل يستطيع أحد أصحاب الصحف الآن أن ينتقد شركات الاتصالات (زين) أو (MTN) أو (سوداني)؟، فلن يستطيع انتقاد سلوك تلك الشركات وإلا يُحرم من إعلاناتها، الآن هناك إفراط في الإعلان بالذات في الراديو والتلفزيون مخالف للقيم المهنية ومخالف للفهم الصحيح للإعلان، فإذا كان هناك برنامج مدته نصف ساعة بالإذاعة، فربع الساعة من النصف إعلان وإعلانات مكررة، فالإسراف في الإعلان مضر للرسالة الإعلانية نفسها، لكن للأسف هذا يحدث في الراديو والتلفزيون، وفي الصحف كذلك فلا توجد عدالة في السلعة الفكرية، وأصبحت الصحافة أشبه بتجارة (البوتيكات)، أنا لا أود أن أهجو المهنة التي أنتمي إليها، بل أحاول أن اجتهد في الإصلاح.
{ نسمع همساً وجهراً أن هناك تعديلاً وزارياً والتعديل يطال الحرس القديم.. ما صحة ذلك؟
– نعم سيكون هناك تعديل وزاري ولكن ليس شاملاً، لأن هذا ليس عملياً وغير واقعي.. فأنت لن تأتي بأشخاص لم يعدوا للقيادة.
{ هل توافق على إشراك الشباب؟
–    نعم أنا مع الشباب، لا بد أن يمنحوا الفرصة لأن الفرصة المتاحة للشباب قليلة، وليس دائماً أفضل الناس هو الذي يجد الفرصة لاختبار قدراته في المنصب العام.
{ هل تعتقد أن التعديل تأخر؟
– التعديل كان من المفترض أن يأتي أبكر من ذلك وأوسع لأن تجديد الأفكار والسياسات جوهري، وارتباط الأشخاص بالحكم فترة طويلة يجعل تقديرهم للخبرة التي اكتسبوها أكثر من تقديرهم لفكرة المبادرة، لذلك تضعف المبادرة على حساب الخبرة وليست كل الخبرة ناقصة، فالخبرة التي نفعت في ظرف معين لن تنفع في ظرف آخر خاصة في زمن تتابع فيه المتغيرات، ولذلك لا بد من التغيير، وأعتقد أن واحدة من الأشياء التي فشلت فيها (الإنقاذ) رغم أنها نجحت نجاحاً كبيراً في إعداد قيادات واسعة بسبب الفيدرالية لكنها لم تستطع أن تنتقي هذه القيادات ليحدث تجديد مستمر في القيادات.ٍ
الآن هناك وعي بالتجدد القيادي، ولكن حينما يبحث الناس عن القيادات يجدونها لم تقم بالواجب الذي ينبغي أن تكون قد قامت به، فيصبح معها الانتقاء للوظائف القيادية أعثر، لذا لا بد أن تتاح الفرصة للشباب، ولا بد أن يحدث إصلاح ليس في الحزب ولا في الحكومة ولكن في النظام السياسي عامة، وإصلاح النظام السياسي يقتضي توافقاً مع القوى السياسية المختلفة على طبيعة هذا الإصلاح السياسي الدستوري، ولكن للأسف فالقطعية الفكرية الاجتماعية السياسية تجعل مهمة التوافق مهمة عثرة.
{ ما السبب؟
– السبب أنها وكأنها تخاطب بين طرفين يتخاطبان بين ضفتين مختلفتين أحياناً لا يسمع الصوت وأحياناً أخرى يُسمع مشوه، ولذلك لن تنصلح الحياة السياسية في السودان ما لم يتواضع الناس على إصلاح جذري قائم على إعادة النظر في قيمها أو في أخلاقيات الممارسة أو في سلوكيات الممارسة السياسية، ولن يكون هناك اتفاق على العمل السياسي.
{ هناك حديث حول مشاركة حزب (الأمة القومي) في الحكومة؟
– لست على علم باتجاهات التشكيل الجديد، ولن أستطيع التحدث عن أمر متصل بأطراف متعددة ونوايا أطراف متعددة.
{ هل التعديل الآن جاهز للإعلان؟
– ليس لدي علم وربما يكون جاهزاً.. على أي حال لا يجاز أي تعديل وزاري ما لم يعرض على المكتب القيادي.
{ هل تتوقع أن تكون هناك مفاجأة في التعديل؟
– أتمنى أن تكون هناك مفاجأة!.
{ هل أنت واحد من المفاجآت؟
– لقد أمضيت وقتاً كافياً في الوزارة، وعندي من المشروعات ما تبقى لي من الحياة إن كانت قصيرة أو طويلة.
{ هل تعتقد أن الوزارة أخذت منك؟
– الوزارة أخذت مني وأعطتني وقد سعيت للإعفاء منها.. والمسؤولية العامة تتيح لك فرصاً أكبر للقاء الناس داخل وخارج السودان، وإذا أردت أن تستفيد منها لحياتك لن تستطيع إلا إذا خرجت من الوزارة، أذكر عندما كنت في الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون أنشأت علاقات لاستثمارات الهيئة، وقد استفدت خبرة في إدارة المؤسسات داخل السودان وخارجه، فكنت عضو مجلس إدارة (عربسات) لسبع سنوات استفدت كيف تدار مثل هذه المؤسسات.
{ هل حققت نجاحاً مالياً؟
– كل إنسان في حياته يحقق قدراً من توقعاته، فأنا لست محسوباً من الطبقة الغنية.. أنا من الطبقة المتوسطة، وزملائي الذين تخرجوا معي في ذلك الوقت يعيشون في مستواي أو أعلى بقليل، رجال أعمال ومديرون كبار.. فالبقاء في مؤسسة كمدير أفضل من البقاء كوزير، وفوائد المؤسسات ذات الطابع الاقتصادي أفضل بكثير من الوزارة السياسية.
{ إذا وافقت الرئاسة على خروجك من الرئاسة.. ماذا ستفعل؟
– سوف أعمل في المجال الذي أعرفه.
{ وما هو هذا المجال؟
– مجال الصحافة والإعلام والإنتاج الإعلامي، فلدي علاقات واسعة وربما أتي بشركاء.
{ هل ستنشئ صحيفة؟
– هذا يتوقف على الفرصة المتاحة، وأي مشروع اقتصادي لا بد له من دراسة جدوى.
{ هل تعتقد أن هناك صحف ناجحة؟
– لا توجد صحيفة ناجحة.
{ والسبب؟
– إذا تحدثنا عن فترة الديمقراطية الثالثة التي كانت تطبع فيها صحيفة (الراية) سبعين ألف نسخة يومياً وهي محاربة إعلانياً وهي صحيفة معارضة، وعندما زادت كلفة الطباعة والورق انخفض الإنتاج إلى خمسة وأربعين نسخة، ففي الصباح لن تجدها، فلا تسمع التفاخر الآن كل ما يطبع الآن لا يتناسب مع التطور، فاقتصاديات العمل الصحفي مشكلة تحتاج إلى مراجعة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية