رأي

«سلفاكير» .. إخراج الكابوس من البئر المسحورة!!

“طائر الشؤم” في رواية الدكتور “فرانسيس دينق” المثقف الجنوبي ذائع الصيت ظلت تحلق بشكل لا يقبل القسمة على فضاءات العلاقة السياسية بين دولتي السودان بعد الانفصال، حيث لم يتحقق الود المنشود ولم تتلاقح أمنيات التقارب المأمول، لم يكن الحوار بين القطرين في الشمال والجنوب يتوكأ على التعاون المشترك وملامح القيد الذي انكسر، فقد كانت أصوات العداء بين الطرفين وطوفان الحروب المتبادلة ماثلة للعيان تمزق الصدمة الوجدانية على أوتار البلد الواحد الذي انقسم!
الانفصال كان صيغة سياسية حاسمة انتظرها العديد من الجنوبيين بتلهف شديد، بينما عبر عشاق الوحدة من الغالبية في الشمال عن الحزن والأسى المتدفق على الوطن الذي انشطر إلى ضفتين، وقد كانت ردود أفعال منبر السلام العادل تسربل في متاهات اليتم والعزلة تعانق فرحة الانفصاليين الجنوبيين على صراط واحد.
في ثنايا حكومة “سلفاكير” كان أصحاب التوجهات المرتبطة بالغرب يعملون على استدامة التباعد بين الخرطوم وجوبا من خلال تغذية الأفكار المسمومة والهواجس العدائية في ذهن القيادة الجنوبية، فقد كانت تلك التحركات المفصودة تجد من يصب عليها النار وينفخ في الهشيم على مسارها في الطرف الشمالي داخل المؤتمر الوطني، وهكذا انداحت على السطح إشكالية ملف أبيي بوتيرة مرتفعة، فضلاً عن الحرب الشرسة في هجليج، وتعقيدات إغلاق أنبوب النفط، والإخفاقات المتكررة على طاولة التفاهمات بين الطرفين في أديس أبابا.
في الصورة المقطعية كانت المرارات على الحلق، والدموع تستدر العيون للبكاء، فقد ظل الكابوس يجثم على صدر العلاقة بين الشمال والجنوب، فالشاهد أن البئر المسحورة كانت تحتضن تلك اللعنة المنسوجة على حبائل تأزيم مكونات الحوار بين القطرين إلى حريق هائل لا ينطفئ! وقد عملت تلك الدوائر الشريرة في نظام “سلفاكير” على بناء جدار عالٍ في حافة البئر المسحورة يؤطر إلى تعطيل أي تسوية سلمية حاسمة في المستقبل بين النظامين.
والبئر المسحورة انطلاقاً من التراث الجنوبي القديم هي مستودع الشؤم والتحركات التي ترتبط بالإخفاق وترسيم الفشل، استناداً على وجود عائق غير مرئي يحتاج إلى تدابير عرفية وطقوس من النسيج القبلي والخرافي تساعد على كسر الحظر الأسود؛ حتى يتسنى الوصول إلى محطات تحقيق الهدف المنشود.
من الناحية التصويرية فإن هذا المشهد السريالي ينطبق تماماً على أوضاع العلاقة بين الشمال والجنوب قبيل زيارة “سلفاكير” الأخيرة إلى البلاد، التي فتحت طريق التعاون والتنسيق بين القطرين من خلال ثمار المباحثات الناجحة التي وجدت وضعاً متميزاً على دفتر التاريخ.
في اللوحة البليغة قام “سلفاكير” بتفكيك الرموز المعرقلة داخل حكومته واستدار قوياً من زاوية القائد السياسي والعسكري المجرب، وهو يوظف دهاء رجل الاستخبارات القديم وشجاعة نديم الغابة المقاتل في إخراج الكابوس من البئر المسحورة دون جهود جبارة، ليكون الحصاد صحائف بيضاء على وتر التفاهمات بين الخرطوم وجوبا في سياق النحو المشهود.
وقد تكون القراءة الصحيحة لشخصية “سلفاكير” أنها ترتكز على ثلاثة عناصر مترابطة كحزمة واحدة ونسيج متماسك تتحكم في قراراته وطبائعه ومزاجه من خلال العنصر الاستخباراتي، والتقيد بأدبيات الدينكا وخصوصية الغموض والصبر، فالثابت أنه طبقاً لتلك المعطيات صارع الأصنام القديمة في حكومته، وحقق تجسير العلاقة مع الخرطوم التي أدت إلى استمرار عبور النفط الجنوبي في أنبوب الشمال، وفتْح الحدود بين البلدين وتبادُل الفوائد والمنافع المشتركة على الصعيد الاقتصادي والتجاري والحياتي.
إنه مشهد مؤثر يعكس ذهاب الأرواح الشريرة، عندما يخرج الكابوس من البئر المسحورة!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية