(المجهر) تنقل التفاصيل من «الدلنج»: أسرى التمرد العائدون.. قصص وزغاريد وعتاب..!!
دمعت مقلتا المدينة التي تعرف وتسمي نفسها دلالاً وتيهاً بـ(عروس الجبال) في رمضان الماضي حزناً على أربعة وخمسين شهيداً سقطوا في يوم واحد إثر هجوم قوات حركة (العدل والمساواة) على طريق (الدبيبات – الدلنج)، وتمددت أحزان المدينة الصغيرة من (حي المطار) في شمال المدينة إلى (الرديف) جنوباً و(المعاصر) و(أقوز) و(فريق الشيخ أبو زيد).. ودمعت عيون الرجال على فجيعة الموت المُر وهو يخطف “عباس أقرين” أصدق الصادقين وقائد المجاهدين ومعه نجوم المدينة وقلبها.. وغسلت أمطار الخريف آثار الدماء في أرض المعركة.. ولكنها لم تغسل الأحزان من القلوب.. وبعض من المجاهدين يقعون في الأسر.. مصيرهم مجهول.. هواتفهم لا يمكن الوصول إليها.. حتى أبلغتهم حركة (العدل والمساواة) والتي يقودها “محمد أحمد البليل” من أبناء منطقة (النهود) بغرب كردفان، أن الأسرى بخير.. ومعهم المقدم “ياسر عبد الله” والملازم “محمد حماد” والمجاهدون “محمد أحمد شنتو” و”شريف التاي” و”بشارة عبد الله” و”أحمد داؤود حماد”.. فكيف خرج هؤلاء من غياهب السجون لفضاء الحرية أحراراً، وكيف هي مشاهد الفرحة والعودة لأحضان الأهل ودفء العشيرة؟ (المجهر) كانت هناك في (الدلنج) ترصد وتكشف ما وراء إطلاق سراح الأسرى؟
زغاريد وفرح في زمن الأسى
رغم الأحزان التي تغطي جبال مدينة (الدلنج) تسللت ساعات الفرح السبت الماضي حينما وصل المدينة الأسرى الذين (قبض) عليهم في معركة طريق (الدبيبات – الدلنج).. وما بين دموع الفرح بالعودة وزغاريد الحسان، كان المشهد الأول في منزل “أحمد داؤود حماد” من الحوازمة الرواوقة.. ظل مقاتلاً في صفوف قوات الدفاع الشعبي لـ(17) عاماً حتى تم أسره في رمضان الماضي، ويروي الأسير العائد لـ(المجهر) قصته التي بدأت بالتصدي للقوات التي هاجمت طريق (الدلنج – الدبيبات)، وقال: نحن نجهل تماماً المجموعة التي هاجمت الطريق.. لكننا على قناعة أنهم متمردون يتبعون لـ”عبد العزيز الحلو” وتم إلقاء القبض علينا بعد أن قاتلنا حتى نفدت ذخائرنا.. ووقعنا في الأسر، وتم نقلنا إلى منطقة (كجورية).. ومنها لمناطق بعيدة جداً.. عند وصولنا (كجورية) جاءت قيادات من (الحركة الشعبية) أبناء النوبة وطلبوا تسليمنا لهم ليقوموا بتصفيتنا جميعاً.. لكن حركة (العدل والمساواة) التي يقودها “ود البليل” رفضت تسليمنا.. وقالوا لهم أذهبوا شارع الزلط ستجدون غنائم أخرى.
ونفى الأسير العائد تعرضهم لتعذيب بدني أو نفسي أثناء وجودهم مع المتمردين، وقال إن المجموعة التي نفذت عملية رمضان وألقت القبض عليهم جميعهم من العناصر العربية ومن (العدل والمساواة) يقودهم “ود البليل”، وأكد أنهم رفضوا مبدأ العمل في صفوف التمرد، وقالوا بعبارة واضحة: (أفضل لينا الموت من حمل السلاح معكم).
وعن الكيفية التي تم بها إطلاق سراح الأسرى قال العمدة “صديق حامد إدريس” عمدة الحوازمة دار نعليه لـ(المجهر) إن الاتصالات بالمتمردين بدأت منذ رمضان الماضي من خلال قيادات في الإدارة الأهلية، وعمدة قبيلة المسيرية (الدرع) العمدة “الصديق حامد” الذي فاوض المتمردين في مناطق (الزعفاية) و(سمبي) وحصل على موافقة المتمردين لدخولنا المنطقة بصعوبة شديدة.. وللوصول للمناطق التي توجد فيها حركة التمرد (العدل والمساواة) استقللنا سيارات اللاندكروزر بعد دفع مبالغ طائلة نظير ترحيلنا، وبعد الوصول لـ(الزعفاية) التقينا العمدة “صديق حامد” والذي ساعدنا في الوصول للمتمردين عن طريق الدراجات البخارية (المواتر)، ويبلغ سعر جالون البنزين هناك (60) جنيهاً، وأجرة الموتر (600) جنيه لمسافة (10) كلم فقط.. ثم تعذر على الدراجات البخارية السير في الوحل والطين، وسرنا على أقدامنا لمسافة (4) ساعات حتى وصلنا لمناطق التمرد.
التفاوض مع المتمردين
قال العمدة “داؤود حماد” نائب الأمير “عثمان بلال” (الحوازمة الرواوقة) إنهم لم يدفعوا مبالغ مالية أو فدية مقابل إطلاق سراح الأسرى الأربعة.. وإن قيادات حركة (العدل) سألتهم عن الأسباب التي دفعت (الحوازمة) لقتال الحركة بعد أن عبروا كل ولايات دارفور ولم تتعرض لهم القبائل التي تقطن مناطق عبورهم.. فقال العمدة “داؤود”: (نحن بيننا و(الحركة الشعبية) ثارات قديمة أينما وجدنا (الحركة الشعبية) قاتلناها.. لأنهم أخرجونا من ديارنا بغير حق في (الدندور) و(عقب) و(السعفاية).. وأضاف “داؤود”: قلنا لهم نحن لا نعرف حركة (العدل والمساواة)، ولكن التمرد واحد وهدفه زعزعة الأمن والاستقرار.. لذلك سوف نقاتله بسلاحنا ما وسعنا ذلك).
وأكد العمدة “حماد موسى” أبوهم عمدة (الحوازمة دار شلنقو) أن للحكومة سياساتها، ولكن المجتمع تضرر كثيراً من الحرب وباتت الثروة الحيوانية مهددة بالانقراض، وإذا فقد الرعاة ثروتهم الحيوانية صاروا نازحين في المدن، وإذا لم يتحقق السلام عن طريق التفاوض، فإن الخيار الوحيد الدخول في تفاهمات مع (الحركة الشعبية) وحركة (العدل والمساواة) ألا يعتدون علينا ولا نعتدي عليهم ويسمحون لنا بالمرور عبر الأراضي التي يسيطرون عليها وبها مناهل المياه.. وقال العمدة “حماد موسى” بالتفاهم الشعبي والتفاوض المباشر مع أهلنا (المسيرية) توصلنا لاتفاق بإطلاق سراح الأسرى.
اعترافات مثيرة
قال المجاهد “محمد أحمد شنتو” إن أيام الأسر العصيبة كانت بمثابة امتحان لنا للصبر على المكاره والثبات.. وأكثر ما حز في نفوسنا أننا أصبحنا طلقاء أحرار وقائدنا المقدم “ياسر” لا يزال في الأسر، وطمأن عبر (المجهر) أسرته بأن صحته جيدة ولا يتعرض لأية مضايقات أو تعذيب، وقد رفض في ثبات وشجاعة الانضمام لـ(العدل والمساواة)، ولم يكشف سراً للعدو، ولكنه ينتظر مبادرة من أهله وعشيرته لإطلاق سراحه في مقبل الأيام.
وقال “شنتو” إن جميع القادة في الحركة التي نفذت الاعتداء على منطقة (الدلنج) من أبناء (الحمر) و(المسيرية) و(الرزيقات)، وعدد قليل من (الزغاوة).
وكان المهندس “علي أحمد دقاش” القيادي في المؤتمر الوطني قد خاطب احتفالية استقبال الأسرى العائدين، وقال: إن مدينة (الدلنج) بقدر حزنها الشديد على فقدان أبنائها، إلا أنها تستقبل عودة الأسرى بالأفراح والزغاريد.. وإن الحرب التي نشبت في المنطقة هددت حياة الناس، وقال: إن حكومة (جنوب كردفان) الجديدة لها سياسات جديدة فتحت صفحة السلام وطوت صفحات الحرب، وإن التفاوض هو خيار أبناء المنطقة مع حاملي السلاح.
وتعهد “دقاش” بالسعي سلماً عن طريق النظام الأهلي لإطلاق سراح ما تبقى من الأسرى في الأيام المقبلة.
غياب حكومي
أثار غياب حكومة الولاية ومحليتي (الدلنج) و(القوز) عند استقبال العائدين من الأسر علامات استفهام كبيرة.. وذكر متحدث باسم الأسرى العائدين في منزل المجاهد “داؤود حماد” أن مدير جهاز الأمن بمحلية (الدلنج) وحده من كل المسؤولين في الدولة زار الأسرى وهنأهم بالعودة، بينما اختفى آخرون كنا نعتقد أنهم أقرب إلينا لأسباب لا نعلمها.
من أطلق سراح الأسرى
وحدها (الإدارة الأهلية) ممثلة في العمد والشيوخ والأمراء وقيادات من المسيرية (الدرع) ساهمت في إطلاق سراح الأسرى بعيداً عن الحكومة وحزب المؤتمر الوطني وإدعاءات بعض منسوبي (حزب الأمة) بأن لهم دوراً، فقد قال العمدة “حماد موسى”: لا حزب معارض ولا حزب حكومي وراء إطلاق سراح الأسرى.. هذا جهد خالص لقبيلة (الحوازمة) تم بمباركة وتأييد من الوالي “آدم الفكي محمد الطيب”، ولولا تشجيع الوالي لما ذهبنا إلى الغابات البعيدة من أجل أبنائنا الأسرى، وأثنى العمدة “داؤود” على موقف حركة (العدل) بقيادة “محمد البليل” لتجاوبها مع المبادرة الأهلية وإطلاق سراح الأسرى.