أخبار

ضمير "سوار"

} حينما ينتصر الإنسان لضميره وخلقه وقناعاته وثقافته وتقاليده التي تربى عليها، يغسل دواخله ويستريح من وعثاء الشعور الداخلي بالتناقض والهزيمة والعار.. وحينما يصبح الإنسان مطية شهوته ومصالحه ودنياه ونعيمها، يسقط من عليائه ويصير (عبداً) لنزواته ومصالحه.. وفي التاريخ الإنساني القريب والبعيد عبر ودروس وأخلاق بها يقتدي الناس.. كان “أنتوني أيدن” رئيس وزراء بريطانيا وقد قدم استقالته من المنصب الرفيع حينما دهست سيارة في خدمة منزله لاجئاً أفريقياً أسمر اللون في شوارع مدينة مانشستر.. وفي (بغداد صدام حسين) أذعن الوزراء لقرار الرئيس الذي جاء بميزان في مكتبه لقياس أوزان الوزراء أسبوعياً، فإذا وجد أحدهم قد زاد وزنه بمقدار كيلو غرام واحد، فرض عليه عقوبة بدنية وخصم من الراتب الشهري. وارتضى رجال حول “صدام حسين” هذا السلوك المهين الذي يحط من قدر الرجال، ولكن خرج عليه رجال آخرون لم يذعنوا للإرهاب والإذلال مثل الشاعر “محمد مهدي الجواهري”.
وتقدم “صلاح أحمد إبراهيم” باستقالته من وزارة الخارجية ومن محطة الجزائر، حينما انتابه إحساس بأن وجوده في الخارجية بعد مقتل زوج شقيقته “فاطمة”.. “الشفيع أحمد الشيخ” يمثل خيانة لأخته التي يحبها، ولكن شقيقه الآخر “مرتضى أحمد إبراهيم” اختار مدح “النميري” والركوع تحت أقدامه نظير وظيفة (تافهة).
} الآن يخرج “حاج ماجد سوار” عن تقاليد الوزارة التي وضعها الإنجليز قديماً، وتحدثه نفسه وضميره بأن الأيادي التي قتلت “ابنة البلتاجي” وانتهكت أعراض الإسلاميين في مصر، لا ينبغي الترحيب بها في الخرطوم.. وكأن “حاج ماجد سوار” يعيد للأذهان قصة الشيخ “موسى حسين ضرار” نائب دائرة طوكر في البرلمان، الذي اختاره الرئيس “الأزهري” مع نخبة من زعماء العشائر لاستقبال الرئيس المصري “جمال عبد الناصر”. وقف الشيخ “موسى حسين ضرار” بثياب بدوية في مقدمة زعماء العشائر، وحينما مد إليه “عبد الناصر” يده مصافحاً أشاح بوجهه بعيداً ورفض مصافحة رئيس مصري تتوق لرؤيته الملايين، وقال قولته الشهيرة: (لن أصافح بيدي أيادي ملوثة بدماء “سيد قطب”)!! فكيف بمن تربى في كنف أسرة الشيخ “سوار” التي لا يعرف عنها في جبال النوبة إلا التقوى والتدين.. و”حاج ماجد” الذي كان يبكي المصلين في مسجد كادقلي العتيق بخطبه وهو طالب في المرحلة المتوسطة.. و”حاج ماجد” الذي رفض أن يصافح “جون قرنق” حينما نظر إليه وتذكر الشهيد “الكلس وديدي” و”حاج نور” وتذكر خاله “المأمون سومي” الذي حزنت لرحيله فتيات الحوازمة من تلودي حتى الأبيض.. كيف له الانسجام وجدانياً مع الذين قتلوا الأبرياء في ميدان رابعة العدوية؟!
} كتب “حاج ماجد” لوزير الخارجية “علي كرتي” ولوزير الدولة “صلاح ونسي” رافضاً استقبال الخرطوم للوزير المصري، وهو يعلم تبعات خطابه والثمن الذي يدفعه مستقبلاً بالإبعاد من المنصب، وربما الإقصاء من الحزب والحركة الإسلامية.. ولكنه اختار إرضاء ضميره ووجدانه والتعبير عن ذاته، وقد شعر في دواخله أن الدفاع عن المواقف (الرمادية) لحكومتنا مما يحدث للإخوان في مصر، يمثل خزياً وعاراً ولا يليق بحركة إسلامية واجهت كل صنوف الأذى، ولكنها بقيت على قيد الحياة وستبقى..
} شكراً “حاج ماجد” على الموقف والمبدأ.. وأخلاق الرجال.. الرجال.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية