الديوان

الحناء .. حضارة خالدة ونقوش ترسمها المناسبات الاجتماعية

إن المرأة كثيراً ما تنزح نحو مواطن الجمال ضاربة بمعاولها منقبة عن حيثياته، لذا فإنها لا تنفك تخترع وتطور في آلياته وتتبع ذاك التطور المنبثق عنه، لكن تبقى هناك أصول وطقوس متوارثة لم تفلح تلك الآليات في اقتلاعها أو زعزعتها، ظلت ضاربة بجذورها مستشرية في عدد من البلدان العربية، بل حتى الأجنبية والإفريقية، هي التزيين والتجميل بالحناء ونقشها، وهي عادة قديمة مستلبة من حضارات فائتة استشفت من لدنها ثم أدخلت عليها بعض التعديلات لتناسب العصر مع الحفاظ على بعضها كما كان عليه.
 موهبة فطرية
وفي السودان الحناء بطقوسها المتعارف عليها تعتبر موروثاً حضارياً لا غبار عليه ولا يمكن الاستغناء عنه ولأهميته فقد يصطحب بالتطير ما يؤكد إدراجه في قائمة العادات والتقاليد التي تختلف بين قبائله وتجتمع في كونها عادة جمالية ترتبط بالأفراح والمناسبات، وبخلاف ذلك فهي زينة للمرأة تلازمها دائماً ما لم تكن هناك موانع اجتماعية. هذا بالنسبة للحناء (السادة) أي غير المنقوشة. وهو ــ أي النقش ـ تتبارى في تشكيله المتخصصات (الحنانات) وينم عن خيال خصب وموهبة فطرية حباها الله لهن فضلاً عن التي يدرسنها في ظل توفر كليات معنية.. بيد أن الغالبية العظمى يعتمدن على الموهبة.
والنقش الذي تنزع إليه النساء ورغم جماله، إلا أن أسعاره ارتفعت في الآونة الأخيرة وقد عزتها (الحنانات) لارتفاع أسعار الصبغة، واشتكت مجموعة منهن ممن التقتهم (المجهر) بما أسمينه بفترة الركود وهي المدة الطويلة قبيل الأعياد اللهم إلا حالات محدودة وفردية تنشط نهاية الأسبوع. الأمر الذي يدفع بهن للهجرة خارج السودان وتكون الوجهة الأكثر قبولاً وتدافعاً هي (دولة الإمارات العربية) والعمل هناك سواء في محلات أو في بيوت السودانيات أو العربيات وأصبحت لديهن زبونات معتمدات، يقضين بها فترة محددة ثم يعدن أدراجهن للعمل في السودان خاصة في موسم الأعياد ثم الهجرة مجدداً متى ما تيسر ذلك وهكذا دواليك.
حناء المومياوات المصرية
والحناء ليست قاصرة على السودانيات فحسب رغم تهافت إعجاب بعض الدول (القريبة مننا) وافتتانهم بها مع أنها المصدر الأول المستقى منها، وللتعرف على هذه المادة المخضبة وما يصاحبها من طقوس واستطباباتها وموطنها ومسمياتها التي استقتها (المجهر) من عدد من المصادر نخلص منها للتالي نصه:
تؤكد المراجع التاريخية أن المصريين القدماء هم أول من استخدموا الحناء، حيث تم العثور عليها في أيدي المومياوات المصرية التي يعود تاريخها إلى عام (5000) قبل الميلاد وكان يسود الاعتقاد بأن وضع الحِنَّة على الأيدي والأقدام يحفظها من الشر.
أما في الهند، فقد كانت بداية استخدام الحِنَّة في المناطق الشمالية خلال القرن الثاني عشر الميلادي، أدخلها إليهم (المغول)، فأصبحت أكثر انتشاراً عندما بدأت النساء تعتمد في رسوم الحِنَاء على نقوش من التراث، بما في ذلك الحكايات الشعبية والميثولوجيا. وباعتبارها رمزاً للرفاء وحسن الطالع، ما تزال الحناء تلعب دوراً رئيسياً في المجتمع الشرقي الحديث، وأهم البلدان المنتجة لها هي مصر والسودان والهند والصين. وقد اختلفت مسمياتها من دولة لأخرى، ففي مصر تسمى (الحنة)، وفي تركيا معروفة باسم (كنّا)  في الهند (ميهندي) وفي الشام (القطب) واليمن (الحنون) والنوبة (الكوفرية)، والفتيات والنساء المتخصصات في النقش على الجسد تختلف تسميتهن من منطقة إلى أخرى في التسمية ـ المزينة ـ الكوافيرة المدن اليمنية والقرى الجبلية والممشطة والمولبة والمخضبة في (تهامة) وفي النقاشة والردية والرايسة والممرخة.
استطبابات الحناء
الحناء وفنون رسمها ظلت جزءاً من ثقافة آسيا وشرق إفريقيا على امتداد العصور، وليست فقط مجرد رسومات ونقوش جميلة، لكنها تقليد يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعادات، ومن المعتقد في (الهند) أنه كلما طالت الحناء في يد العروس كلما عاملها أهل زوجها بشكل جيد. أما إذا زالت الحناء بسرعة فهذا معناه أنها لن تكون سعيدة في زواجها، فضلاً عن استعمال الفراعنة لها في أغراض شتى منها أنهم يفرشون بها القبور تحت موتاهم ويدبغون بها الجلود ولها استخدامات طبية يعول عليها في علاج كثير من الأمراض خاصة الجلدية، وذلك منذ أمد  بعيد، فقد استخدمها الرسول “صلى الله عليه وسلم” ونصح أصحابه باستخدامها عن “سلمي أم رافع” خادمة النبي عليه الصلاة والسلام قالت: (كان لا يصيب النبي قرحة أو الشوكة إلا ووضع عليها الحناء)،  وبحسب الدراسات الحديثة، فإن لأوراق الحناء فعالية واضحة ضد بعض أنواع السرطان، منها مرض (الساركوما)، وتملك تأثيراً مشابهاً لفيتامين (ث) اللازم لوقف الإدمان والنزيف الداخلي، وتساعد في تخفيض ضغط الدم المرتفع، وتقوية القلب وتنشيطه، إضافة إلى فعاليتها في توسيع الشرايين والوقاية من تضيقها، إلى جانب فائدتها في علاج التهابات الأمعاء والقولون.
وتبقى حقيقة أن ظهور تقليد قديم مثل الحناء ليصبح اتجاهاً رائجاً في كل أنحاء العالم يؤكد غرابة الموضة، فاليوم يتزايد الطلب على الحناء وأدوات رسمها في كل أرجاء المعمورة، بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا والدول الأوربية!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية