"ســــــــــــوار"..
إن صح أن السفير “حاج ماجد سوار” سفير السودان بليبيا، قد حرر مذكرة احتج فيها على زيارة وزير الخارجية المصري – وزير “السيسي” – إلى الخرطوم، فإنه يكون قد أتى (البدعة) وارتكب خطأ كبيراً وساذجا ًفي الوقت عينه. وإن صح كذلك أن وزارة الخارجية قد قررت إرجاعه للخرطوم نقلا أو إعفاء، فإنها تكون اتخذت القرار الصحيح والمناسب ولا تثريب عليها، لأنها إن لم تفعل لتحولت إلى (ركن نقاش) وساحة نشاط تسمح لأي دبلوماسي وسفير أن يخرج منتقدا رئاسة الوزارة، لأنها فعلت ذاك وتركت هذا حسب تقديره وربما عاطفته.
أن يرى “سوار” كمواطن مسلم وكادر حركي وإنسان ملتزم بالولاء للحركة الإسلامية و(الإخوان)، أو كمحض إحساس عادي مؤمن بالعدالة والحرية وتمكين قيم الشورى والديمقراطية.. إن كان يرى من هذه المنطلقات أن ما جرى في مصر انقلاب ودق لعنق مسيرة الإسلام بأرض الكنانة، وتآمر دولي وإقليمي وإهدار لروح سلطة ذات تفويض شعبي بالانتخاب الحر فوضت الرئيس “مرسي”، فذاك شعور وموقف لا يدين أحد فيه السفير في حالته (الشخصية). ولكن أن يتحول هذا الرأي والموقف ليكون موقفاً يراد به إلزام وزارة الخارجية والحكومة السودانية، فلا بد من وقفة وتراجع يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح.
ذات معتقد سفيرنا المجلوب من ليبيا قد يكون في دواخل مئات الضباط والمدنيين المؤيدين لـ “السيسي” نفسه، وقد يكون دخيلة نفس نخب ودوائر عربية تدعم الانقلاب وهى تثق تماماً أنه فعل حرام ومسلك شائن، ولكنهم حين يعبرون عن المواقف العامة يلتزمون بركائز الجهات التي يعبرون عنها، حيث لا حيز للآراء والمواقف الخاصة التي يتم تجاوزها لما يعبر عنه كخط عام وسياسة دولة، أو جهة لتظل قناعاتهم المسكوت عنها جهراً آراء مكانها لقاء النصح الخاص أو استعراض تقدير الموقف وبحث الخيارات، ولكنها لا تخرج لتكون (مذكرة) احتجاجية في سلوك أولى به دور النقابات والأحزاب وليس مؤسسات الدولة!
السفير – أي سفير – إنما يعبر عن سياسة بلده، وحكومته، ينضبط بضابط الجماعة العام أي موجهات الدولة المرسلة، ولا يفترض بالطبع أن تكون كامل تلك السياسة مقنعة للدبلوماسي المفوض بالتمثيل، وقطعاً سيكون له رأيه في كثير، ولكنه ملزم بالتعبير عن تلك السياسة وتعضيدها (ولا على كيفو) إلا إذا كان قد سبق كل هذا واعتذر منذ بدء التكليف، فيصرف قبل تسليم أوراق اعتماده. وحتى في المواقف الطارئة كما وقع بمصر مؤخراً فالصحيح والشاهد أن الدبلوماسية السودانية ستلتزم بموقف دولتها التي قالت جهراً إن ما وقع شأن داخلي، وهو ما معناه أن الخرطوم ليست مع جهة أو ضد الأخرى، والأمر مسألة مصرية خالصة، والتاريخ حسيب من نشطوا فيها.
بعض الوظائف والتكاليف والسلطات تتخذ قوتها من متانة كوابحها الانضباطية، ولئن كان الأمريكان العسكريون يقولون (لا ديمقراطية في الجيش) فإن الـــــ (لا) أكبر في وزارة الخارجية والعمل الدبلوماسي.