رفع الدعم عن المحروقات .. الهلاك القادم
} الأزمة الحقيقية في السودان تندرج في التسرع في اتخاذ القرارات، والتمسك بالرأي حتى وإن كان مخلاً، أو لا يتسق مع السياسة العامة للواقع المعاش، لأن الفرضية والتسلط والديكتاتورية، إن جازت تسميتها، واحدة من السمات التي يتمتع بها عدد كبير من المتواجدين في المشهد العام، سياسياً ورياضياً واجتماعياً.
} الجدل الذي يدور هذه الأيام حول الخطوات التي بدأت في رفع الدعم عن المحروقات، تتمحور في ذات الاتجاه الذي ذكرته آنفاً، إذ أن القرار في شكله العام يعتبر واحداً من الأخطاء التي ستجعل الدولة في مواجهة حقيقية مع المواطن، الذي صبر عليها لما يزيد عن العشرين عاماً، أملاً في تغيير يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح وليس العكس.
} القرار الذي وصفه الاقتصاديون بأنه كارثي، يعتبر المعبر الحقيقي والمنفذ والمدخل الحقيقي لمعارضة المائة يوم، حتى تتمكن من تنفيذ وعدها الذي تبقت منه خمسة أيام فقط، لأن بعض القيادات في دولتنا قد منحوها المدخل على طبق من ذهب، إذ أن التفاعل من قبل المواطنين مع هذا الخيار الكسيح سيكون مختلفاً، لأن الإنقاذ لم تمنحهم خياراً للانتظار، وفضل وزير ماليتها أن يستفز “محمد أحمد”، من خلال سياسات تضعه في مواجهة مباشرة مع الحياة.
} لا بد أن تعي الحكومة أن رفع الدعم عن المحروقات، آخر الكروت التي يمكن أن تنهي النظام بأكمله، بل وتثير الزعزعة في البلاد، وتخلق نوعاً من التوتر والفتنة، كما حدث في مصر وغيرها، لأن التداعيات تفرض على الكل أن يدافع عن حياته من أجل البقاء، إذ أن المطروح الآن في الواقع الحياتي، يبين أن الجميع يدبر أموره بسياسة (البصيرة)، ولا يمكن أن يتحمل أعباء وزيادات أخرى في ظل مرتبات ضعيفة وعطالة، وارتفاع جنوني في الأسعار ابتداءً من الرغيف وانتهاءً باللحوم، التي صارت عمله نادرة في الموائد السودانية، رغم أننا أكبر دولة تمتلك ثروة حيوانية.
} أنا لست بخبيرة اقتصادية، ولا أعتقد أن الحلول التي يمكن أن أضعها ستفيد أهل الدراية بالشكل الكافي، ولكنني أمثل شريحة المواطنين المغلوبة على أمرها، لذلك فإن مطالبتنا بإيجاد حلول أخريات لن تتوقف، لأن المشروع الإسلامي الذي دعمناه منذ فترات طويلة، أراه في طريقه للانهيار، كحال كثير من الدول من حولنا، خاصة وأن الأوضاع هذه المرة مختلفة تماماً.
} تماسك السودان دون غيره، قدم تجربة مختلفة في الفترة الفائتة للحكم الديمقراطي، ولكن العبث الاقتصادي سيكون واحداً من الكروت التي سترمي بالحلم على قارعة الطريق، بمساعدة عدد من الأنظمة الخارجية التي باتت تعيش قلقاً كبيراً حيال تماسك الإنقاذ في السودان، وعليه فإن مخصصات وزرائكم وتقليص مؤسساتكم وبترول عرباتكم، هو الحل الأمثل والأنجع. وأرجو أن لا تفكروا بثقة عمياء، لأن التاريخ قد أثبت أن ثورة الجياع لا تخشى ولا تهاب ولا تخاف، ولا تفكر في تبعات حراكها.
} فكروا جيداً وابحثوا عن بدائل تعينكم على الخروج من المأزق، وابعدوا عن رفع الدعم عن المحروقات والسكر والقمح، لأن دعمها الآني غير مرئي، وتذكروا أن الانهيار يبدأ في لحظات من التدهور والإصرار الأرعن، وحينها فالطوفان سيقضي على الكل.