حوارات

القيادي بالمؤتمر الشعبي "يوسف لبس" بعد (13) عاماً وراء الأسوار يقول لـ(المجهر):

عاش (14) عاماً بين المطاردة والاختفاء والسجن.. كان هادئاً ومنشرح الصدر وهو يتلقى التهاني بالخروج من زملائه وإخوانه على الضفتين (الوطني والشعبي)، وتأخذه أسرته الصغيرة وعامة الناس بعيداً للحديث بالهاتف إلى البعيدين عنه.. ظهر ابنه وابنته أكثر من مرة وهما يمنحانه الهاتف للحديث مع طرف آخر.. “لبس” تحدث لـ(المجهر) عن فترته التي قضاها في السجن والدروس والعبر التي تعلمها، وما يفكر فيه لأيامه القادمات.. فكانت إفاداته على النحو التالي..
} أخبرنا عن تفاصيل توجيه الاتهام لكم حتى محاكمتكم؟
– هناك ثلاث فترات، الأولى كانت مطاردة من بداية العام 2001م حتى العام 2002م، والثانية في الاعتقال لمدة تسعة أشهر، وبعدها تم إطلاق سراحي وأُعيد القبض عليّ بعد خمسة أيام وبقيت (16) شهراً، وأطلق سراحي بعفو رئاسي وبقيت لمدة شهرين خارج منزلي، لذلك اختفيت حتى سبتمبر 2004م وحوكمت في 2005م، وتمثل الفترة الثالثة، وبقيت حتى 2013م تحت الحكم في السجن، وتقريباً لو جمعت كل تلك الفترات تصل إلى أكثر من (14) عاماً.
} وما طبيعة الاتهام الذي وجه لكم والمواد التي حوكمتم بها؟
– اتهمت بتقويض النظام الدستوري، ووجه لي الاتهام تحت (13) مادة من القانون، وتتلخص كلها في تقويض النظام الدستوري واستعمال القوة.
} صف لنا شعورك وأنت في منزلك ووسط أولادك وأهلك؟
– أنا سعيد جداً بعد (13) عاماً أعود للأهل والأسرة، وتقريباً أعدّ هذا (ميلاداً جديداً) بعد فترة طويلة فقدت فيها الحرية وفجأة خرجت في ميلاد جديد، والكثير من الناس سيعدّون السجن قاسياً جداً وصعباً، لكن أيضاً فيه الكثير من الفوائد الكثيرة جداً.
} وماذا استفاد “يوسف لبس” من السجن؟
– استفدت من التجربة في الحياة بصورة عامة، ولو قلت ذلك قد لا يصدقه الناس، ولكن التجربة التي يأخذها الإنسان من (الحيطان الأربعة) تفوق التجارب التي يمكن أن يحصل عليها الإنسان من التجوال على المستوى العالمي والمحلي.
} مثل ماذا؟
– الإنسان يعيش في السجن وسط أناس ارتكبوا كل أنواع الجرائم الموجودة في الدنيا، وبأنماط مختلفة، وطبائع مختلفة من البشر وطريقة التفكير مختلفة، وأصلاً حياة الإنسان مرتبطة بالناس ولابد أن يفهم كيف يأكلون ويشربون ويعيشون!! وإلا لن يستطيع أن يعيش معهم، وبالتالي نحن استطعنا أن نخترق طبيعة التعامل في السجن واستطعنا أن نخترق الناس، وكانت في البداية مجتمعاً صفوياً من الحركة الإسلامية، وعشنا الفترة الأولى بعيدين عن الناس، ولكن أنا استطعت فهم المجتمع العام والخاص كلهم مع بعض.
} في ماذا تفكر بعد الخروج من السجن؟
– الإنسان لم يخلقه الله ليعيش لنفسه، وإنما لابد أن يضيف للآخرين شيئاً. أنا أفكر في أن أعيش حياة جديدة، وأنا على ثقة من قدرتي على أن أضيف شيئاً للآخرين إن شاء الله تعالى.
} خرجت من السجن في ظل متغيرات كثيرة جداً حدثت.. كيف تنظر لها؟ وهل كنت تتابع ما يحدث خارج السجن؟
– إلى حد ما كنت أتابع، وبالحد الأدنى، ولا أقول إني كنت متابعاً بشكل كبير، ولكن في النهاية طول الغياب لا يمكن الإنسان ليقول إنه مستوعب للحياة كلها، وبالتالي يعبر عنها مباشرة، وهذه تحتاج إلى مراحل متعددة لتدخل إلى المسار الصحيح، وأنا أقر أنني أحتاج إلى زمن.
} وكيف كانت الأسرة تعيش وأنت في السجن؟ وهل تصلك أخبارهم؟
– حياتهم كانت طبيعية، ولديهم زيارة أسبوعية، وفي أسبوع آخر مرتان، وهم لم يغيبوا ولا مرة عن زيارتي في السجن وحياتهم في المدارس وغيرها كانت طبيعية ولم ينقطعوا عني وعن زيارتي، وكانوا على ارتباط دائم بي طيلة فترة السجن.
} ألم تشعر بالقلق على الأسرة وأنت في السجن؟
– كنت مطمئناً أكثر مما يتصور الإنسان، ولم يواجهوا أية مشكلة.
} ومن كان مسؤولاً عن الإشراف على الأسرة؟
– الأسرة الممتدة، وهناك إخواننا في الأخوة الإسلامية أيضاً موجودون، ولكن الأسرة الممتدة كانت تشرف بشكل مباشر.
} أنت خارج في واقع يتردد فيه حديث عن وحدة الإسلاميين.. كيف تنظر إلى تلك الدعوات؟
– أنا مع وحدة الإسلاميين، وأية وحدة تبنى على أسس، وهي التي تحدد، والأساس الذي يتوحد عليه الناس هو المهم، وليس إطلاق الشعارات والكلمات، والإسلام نفسه يدعو للوحدة، وكلما توحدت الناس قويت، وبالتالي مبدأ الوحدة لا يرفض، ولكن على ماذا نتوحد؟ هذا ما يحتاج إلى نقاش بين الناس.
} كيف تم الإفراج عنك وإطلاق سراحك؟
– نحن صحيح اتهمنا بالانقلاب، وقبلنا كانت هناك محاولات أطلق سراح المشاركين فيها، وبعدنا كانت هناك محاولات آخرها ما اتهم به أخونا “محمد إبراهيم” وهم أيضاً أطلق سراحهم، وهذا حرّك أهلي الموجودين بالمؤتمر الوطني، وتحركوا وقابلوا الرئيس وتم الإفراج عني.
} كيف تبدو الحياة في السجن وخارجه؟
– بالنسبة لي هي طبيعية، والناس لا تنظر إلى السجن بنمط واحد، وبالنسبة لي كانت الحياة طبيعية جداً، وأتيحت لي الفرصة لأقرأ واطلع وأتأمل، وحتى في حياتي الدعوة بعد الموت للوالدين كانت واحدة من الأشياء الأساسية التي أوقفتنا. وغير السجن أشياء كثيرة جداً في حياتي حتى في الإطار الخاص.
} ما نوع الكتب التي قرأتها؟ وكيف كانت تصلك؟
– في السجن والشرطة هذه مسألة متاحة، وأي نوع من الكتب مسموح بإدخاله لك ولا توجد مشكلة في ذلك، ودرست اللغات وكتب الفكر الإسلامي، وتبقت لي (15) يوماً فقط من الفراغ من التحضير للماجستير في فض النزاعات في جامعة بحري.
} وكيف كانت تتعامل معكم إدارة السجن؟
– كانت بيننا علاقة احترام، وكل إنسان لديه حد لا يستطيع تجاوزه، وكان الاحترام متبادلاً بيننا، وأنا حضرت (6) إدارات في السجن، وقلنا لهم إننا نساعدكم في الكثير من الأشياء المخلة التي يمكن أن تعمل بلبلة في السجن، كنا نساعد على إزالتها، وعلاقتنا كانت طيبة.
} كيف كنت تتعامل مع وسط المحكومين بالقتل وصنوف الأجرام المختلفة؟
– كنا في الماضي لا نتعامل مع أي شخص مخالف لنا في الرأي، بل ننظر له على أنه عدو بالنسبة لنا، وطبعاً هذه واحدة من الأشياء التي استطعت اختراقها، ولا أكره شخصاً لأنه يحمل فكرة ولكن أرفض الممارسة في حد ذاتها، وهذه واحدة من الأشياء التي تعلمتها.
} هل هذه من فوائد السجن؟
– نعم، ولم تكن بعفوية، ولكن من منطلق التعمق في فهم الدين نفسه، وتوصلت إلى أن أرفض الممارسة السيئة ولا أرفض الإنسان نفسه، لأن حامل الفكرة السيئة في نظرك يمكن أن تدخل معه في حوار ويتبدل ويبدل فكره، ويصبح أفضل منك في المسار الذي تسير فيه.
} هل كانت تدور بينكم نقاشات في السجن؟
– نعم.
} ما طبيعتها؟
– طبيعتها نقاشات فكرية، وبعض منها مسائل فقهية.
} ومع من تدور تلك المناقشات؟
– فيما بيننا، ونحن أصلاً كنا مجموعة ونتناقش فيما بيننا، ولكن الخمسة أشهر الأخيرة قضيتها وسط المحكومين بجرائم مختلفة، وأتاحت لي فرصة مخاطبة الناس في إطار واسع خلافاً للمحدودية التي كنا نعيش فيها، وكنا معزولين في مكان وحدنا، ولكن في الخمسة أشهر الأخيرة تواصلنا بصورة أوسع.
} وكيف تقيّم الفترتين اللتين عشتهما في السجن سواء مع إخوانك في الحركة الإسلامية أو مع عامة المساجين؟
– من ناحية شخص لديه رسالة الفترة الأخيرة أفضل.. أما الإنسان الذي يريد أن يعيش في السجن مرتاحاً فالحالة الأولى أريح، ولكن الحالة الأخيرة أفضل.
} الحياة وسط السجن هل واجهت فيها أي مشاغبات أو مشاكسات من المسجونين؟
– لا الحمد لله، طيلة الفترة التي قضيتها لم يحدث أي شغب في السجن.
} واقع دارفور كيف تنظر له؟ وكيف تتابعه من خلال اتصالاتك خلال فترة السجن؟
– اتصالاتي لم تكن بالمستوى الذي تتحدث عنه لتصل على مستوى دارفور والعالم، وفقط كانت اتصالاتي في السجن على مستوى الأسرة والأصدقاء، وصحيح يمكن أن نجد التناول في الصحف، وهي غير كاملة للإنسان حتى تمنحه القدرة على التقييم.
} وماذا تحمل لدارفور خلال الفترة القادمة؟
– ليس دارفور، ولكني أريد للسودان كله أن يتعافى ويستقر، ونكون آمنين ومستقرين إن شاء الله.
} آخر كلماتك التي يمكن أن توجهها.. ماذا تقول؟
– الدعوة مقدمة للجميع، والإنسان بالحوار والتفاهم والتناول بموضوعية يمكن أن يصل مع الناس لنتيجة صحيحة، وإذا لم تتبادل الأفكار مع الناس فستكون في انغلاق نتيجته في النهاية العنف.. وعدم الأفكار يولد العنف.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية