حوارات

(المجهر) تحاصر "هالة عبد الحليم" بالأسئلة الملحة (1-2):

تقول السيرة الذاتية لهالة عبد الحليم التي تقود حركة القوى الجديدة (حق) إنها انضمت للجبهة الديمقراطية – الواجهة الطالبية للحزب الشيوعي- منذ العام 1987م أثناء دراستها في كلية الحقوق جامعة القاهرة فرع الخرطوم، ثم انتمت للحزب الشيوعي عام 1990م، وظلت فيه حتى خرجت عنه عام 2002م بعد انشقاق “الخاتم عدلان” الشهير وتكوينه ما يُسمى بحركة القوى الحديثة المعروفة باسم (حق)، وربما أن دروب العمل السياسي منذ أن كانت صبية تتلمس خطاها الأولى هو ما جعل بعض المراقبين يلصقون بها صفة الشراسة أو الحدة تجاه عدد كبير من القضايا السياسية، ولم يكن نقدها العنيف للمعارضة التي ينتمي لها تنظيم “هالة” بعيداً عن سياق هذه الشخصية، التي تميز من تم انتخابها كأول رئيسة لحزب سياسي بالبلاد.
لفتت “هالة عبد الحليم” الأنظار إليها بشدة خلال الفترة السابقة من خلال حدثين مهمين؛ الأول هو هجومها على المعارضة من خلال منبر عام رمت فيه المعارضة بتهمة الفشل في إحداث التغيير، وثاني تلك الأحداث كان نشر عدد من الصحف تلقيها منحة عبارة عن سيارة (برادو) من السفارة الهولندية بالخرطوم. ورغم أن (المجهر) وضعت أمام “هالة” حزمة تساؤلات ملحة حول تلك القضايا، إلا أنها أجابت على كل تلك التساؤلات بشفافية عالية، وكشفت الكثير مما كان غير مفهوم.. فإلى مضابط الحوار.

{ نبدأ من حيث انتهى تصريحك الأخير الذي صوبت من خلاله هجوماً ضارياً على المعارضة…هل ثمة إشارات محددة قادتك إلى هذا الهجوم..؟
– نحن في (حق)، لم تكن المرة الأولى التي ننتقد فيها المعارضة في منبر عام، وانتقدناها في دار حزب الأمة وفي المؤتمر الشعبي، ودائما نحن نوجه النقد لها.. وعندما أقول المعارضة لا أعني أشخاصاً آخرين بل أعني أنفسنا..لأننا لا نستثني أنفسنا من النقد، ولا نسنتثني أنفسنا من هذا الفشل.. ونحن بحاجة إلى أن نصارح جماهيرنا..قوى الإجماع ليسوا هؤلاء الـ(15) شخصاً الموجودين داخل قاعة مغلقة.. ولكن قوى الإجماع هي الجماهير العريضة وشرائح واسعة جداً من الناس الذين يؤملون فيها ويتطلعون إلى الحلول.. وإذا لم يحدث التحام حقيقي بهذه الجماهير وحدثت مصارحة ومكاشفة حتى يحترمونا.. يعني ما ممكن نتكلم مع جماهير لا تحترم قادتها، ولهذا فإنك تكشف لهذه الجماهير حالتك الحقيقية وتصفها لهم حتى تصل إلى الحلول معهم.
{ برأيك ما هي المشاكل التي تواجه قوى الإجماع ؟
– أعتقد أن قوى الإجماع تعاني من مشكلة.. وأي مشكلة إذا لم يتم الاعتراف بها فلن يتم حلها.
{ هل نقدك كان مصوباً لقوى الإجماع الوطني تحديداً، أم للمعارضة بشكلها الواسع ؟
– أنا خصصت المعارضة المدنية الموجودة في الداخل الممثلة في قوى الإجماع السلمية، أعتقد أن النقد ليس جديداً.. نحن نؤمن أن أي جسم لا يمارس النقد هو جسم ميت.. نعتقد أن التحامنا الحقيقي هو أن تعرف الجماهير كل شيء، وعندما أقول هذا الحديث لا أحدث الجماهير بأشياء غائبة عنها لأن ما تعلمه أكثر منا عن فشل هذه المعارضة، وأظنها خطوات مصالحة مع جماهيرنا وشفافية وإعادة بناء الثقة بيننا بحديثنا عن هذه المشكلة مع جماهيرنا وليس مع الذين يمثلون أحزابهم في قوى الإجماع.
{ ولكن المعارضة خلال الفترة الأخيرة تحركت فعلياً تجاه مصادمة الحكومة ومن ضمنها برنامج المائة يوم…هل تعتقدين أن ثمة تحركات كان ينبغي على المعارضة أن تكون فيها أكثر فعالية.؟
– المعارضة عليها أولاً أن تتوحد، وهذه المعارضة غير موحدة الهدف، وغير موحدة الرؤية، وغير متفقة على أساليب عملها.. ونقدي الذي أوجهه لنا كلنا في المعارضة، أنه ينبغي علينا أن نتوحد قبل أن نخطو أي خطوة ونعمل أي عمل، ومن يقول إن هذه المعارضة موحدة في هدف واحد هو في الحقيقة شخص يقفز على الحقائق ويقفز على الواقع.
{ إذن ما هو رأيك في برنامج المائة يوم ؟
– أعتقد أن كل هذه برامج طرحت لتفعيل العمل المعارض وكسر الجمود حول الهوة الكبيرة بين الجماهير وأحزابها..أفتكر أن الناس عملوا في المائة يوم، ولكن مرود أي عمل في غياب الوحدة وغياب الرؤية المشتركة لهدف واحد يظل ضعيفاً ويحمل كل الأوصاف التي وصفتها بها ما لم تتحقق الوحدة حول هذا العمل سيكون ضعيفاً.
{ هل تعتقدين أن المعارضة تستطيع إسقاط الحكومة القائمة؟
– نعم تستطيع، وإن واجهت هذا النقد، لأنني أعتقد أن هذه المعارضة تستطيع أن تسقط هذا النظام خلال فترة أقل مما يتصور أي شخص.. ولكن السلوك الذي تنتهجه وعدم إرادتها السياسية على وحدتها يؤدي إلى عدم فعاليتها، وإذا لم تكن هناك وحدة فإن الفعالية سوف تبطل..وأنا أفتكر أن هذه المعارضة إذا ملكت الإرادة السياسية وواجهت نفسها واعترفت بمشاكلها ووجهت النقد لنفسها واستعادت الثقة بينها وجماهيرها، فإنها تستطيع أن تفعل ذلك خلال وقت وجيز وأن تسقط هذا النظام خلال وقت أقل مما يتخيل أي شخص؛ ولهذا نحن وجهنا نقدنا لها.. وهو ما يطلق عليه (عجز القادرين عن التمام) وأنا أصوب سهام نقدي من هذه المنطلق…أصوبه من منطلق أن الجماهير مهيأة، وكل الظروف التي تحيط بالمعارضة مهيأة، ولكنها الجهة الوحيدة غير المهيأة.
{ هل تقصدين أن المعارضة لم تستغل ظروف الربيع العربي وما تبع ذلك من حركة جماهيرية داخل البلاد..؟
– ما قلته سبب نقدنا للمعارضة، وهذه هي الأسباب التي أدت بنا إلى أن ننتقد عملنا، لأننا أصبحنا لا نستطيع أن نملك زمام المبادرة حتى نضم الشباب العريض الذي يعمل على التغيير.. في كل الدول العربية صحيح أن الشرارة لم تنطلق من القوى السياسية، ولكن بعد ذلك أمسكت الأحزاب والقوى السياسية زمام المبادرة فيها، والقيادات الملهمة وفي مصر القريبة لعبت الأحزاب السياسية دوراً كبيراً جداً في تنظيم التظاهرات وتوفير الأدوية والعلاج للمتظاهرين وحشدهم بوسائل الإعلام، والسبب الرئيسي الذي يجعلنا ننتقد أنفسنا هو أننا لا نستطيع أن نعمل أي مساهمة في كل ما ذكرته أنت سابقاً.
{ تحدثتِ عن الأدوار الطليعية للقوى السياسية ومعروف أن تلك الأدوار دائماً ما تضطلع بها قوى اليسار..وحزبكم أحدهم ولكنها انزوت..فهل ستقدمين نقداً ذاتياً لحزبكم..؟
-نعم نحن لا نستثني نفسنا من النقد، ولا نستثني أنفسنا من هذا العجز، ونحن جزء منها واعترافنا به هو جزء من بناء الثقة بيننا وجماهيرنا، وهناك تراجع كبير حدث لليسار عموماً، ونحن لا نستثني أنفسنا من هذا العجز.. وهذه من الأسباب التي جعلت روح المبادرة تنعدم وسط الأحزاب السياسية..اليسار غير قادر على قيادة المبادرة.
{ ننتقل إلى محور آخر..كنتِ أول امرأة سودانية تترأس حزباً سياسياً هل تعتقدين أن ترؤسك الحزب الذي كان نتيجة لظروف بالغة التعقيد سواء إن كان من (الحقانيين) أو من القوى الأخرى جعل كثيراً من المفكرين يصوبون النقد تجاهك…هل تعتقدين أن ما حزتِ عليه من منصب يمثل اختراقاً للأعراف التي لا تعترف بدور المرأة، أم هو تلميع لحركة حق أو للحركة اليسارية عموماً؟
– أعتقد أننا في حركة القوى الجديدة (حق) ظل الكلام كثير حولها والتنظير حول المرأة وأهميتها ودورها، وعن الأقليات والكلام الجميل الموجود في أدبيات الأحزاب كان بحاجة إلى أن يتعرض للتجربة والبرهان.. بمعنى أنه ليس كفاية أن نقول إننا نؤمن بقدرات المرأة وبعملها وقيادتنا تستمر رجالية، وكان يجب أن يضع هذا التنظير في المحك.. و(حق) بادرت بهذه المسألة بأن تضع هذا الكلام على المحك، وتقوم بدل التنظير بفعل حقيقي.. وننتقل إلى الناحية العملية وخضنا هذه التجربة، وأعتقد أنه في سبع سنوات كنت خلالها على رأس الحركة لا أستطيع أن أحكم على دوري، ولكن الجماهير والناس المتابعين يستطيعون أن يحكموا، هل كان مجرد شيء (ديكوري) أم أن اختراقاً حقيقياً حدث وإن هناك جوانب تمتلكها المرأة ولا يمتلكها الرجل، وكل هذه الأشياء يحكم عليها الناس والأداء ولا أستطيع أن أقول إن التجربة كانت على مستوى من النجاح من يستطيع أن يحكم عليها هو الجماهير التي تابعت.
{ تنظيم (حق) لا يخرج من إطار المجموعات الصغيرة وليس لديه سند جماهيري حقيقي..هل تتفقين معي في ذلك؟
-الخارطة السياسية السودانية الجديدة سوف تستعيد فيها هذه القوى مكانتها عندنا أمل في أن نكبر، وأي حزب يولد صغير ثم يكبر، ونحن من ناحية التاريخ نشأنا أخيراً جداً، وليس هناك مقارنة بين نشأتنا ونشأة الأحزاب الأخرى.. ولا ترددوا صغيرة..صغيرة.. ومعظم النار من مستصغر الشرر، ونحن نسعى إلى أن يكبر حزبنا حتى يتحول من حزب صفوي إلى حزب جماهيري يضم كل الشرائح، وأي صاحب رسالة عندما يأتي يكون في البداية لوحده، ومن ثم يتحلق الناس حوله.. وحتى الرسل المنزهين ابتدأوا أولاً بأنفسهم وشيعة صغيرة.. ودي طبيعة الدنيا وهذه ليست سبة.
{ وأنت قلت قبل ذلك إنكم لستم حزباً أيديولوجيا…بل أنتم حزب صغير ثم (ح نشوف بعد داك ح يحصل شنو)..؟
-نحن طلعنا من إطار الأيديولوجية الضيقة ويجمعنا برنامج سياسي ولا تجمعنا أيديولوجيا ضيقة سواء كانت ماركسية أو على النطاق الآخر التي هي إسلامية، وكل الأحزاب العقائدية عندها أيديولوجي..والأيديولوجي (بتاعهم) هم ملزمون به.. ونحن في حركة (حق) ملزمون ببرنامج سياسي يتغير من سنة لأخرى ومن مؤتمر لمؤتمر ويتغير حسب حاجة البلد له والدعوة الأساسية في (حق) هو تجميع القوى الجديدة ونوحدها، وحركتنا تجمع قوى وتيارات كثيرة جداً وجديدة في داخلها، ولحظة رأينا أننا قد جمعنا قوى كثيرة بداخلنا فهذا البرنامج قد يتغير وبرنامج (حق) مرحلي بعد أن يحقق هدفه الأساسي بعد داك نشوف ح يكون شنو، أن يستمر هكذا أو أن يتبنى أيديولوجيا أو يتبنى برامج أخرى، ونحن ما يميزنا عن الأحزاب هو أننا نعمل وفق برنامج مرن، ويمكن أن يحدث أي تغيير في أي لحظة.
{ هل الممكن أن تعود (حق) إلى حظيرة الحزب الشيوعي..؟؟
– (حق) أصلاً ليست خروجاً من الحزب الشيوعي.. وما جعل الحركة تلصق بالحزب الشيوعي هو أن من كوَّن الحركة كانوا قادة في الحزب الشيوعي أمثال “الخاتم عدلان” و”الحاج وراق” و”عمر النجيب” و”محمد سليمان” كلهم كانوا قيادات في الحزب الشيوعي وانشأوا (حق).. ولكن بالمقابل كان معهم قيادات وأعضاء كثر لـ(حق) أتوا من تنظيمات أخرى، وبعضهم لم يكن لديه تنظيم، ولأول مرة ينتمون لتنظيم،وكان معنا عدد كبير من الأعضاء الاتحاديين والناصريين، وكان معنا في اللجنة المركزية السابقة ناصريون، وكان معنا بعثيون…بمعنى أن فكرة حق لم تكن انشقاقاً لأن الانشقاق دائماً ينشق لخلاف تنظيمي، وتصبح المرجعية الواحدة، وعندما خرج قادة (حق) قدموا نقداً واضحاً لمرجعية الحزب الشيوعي نفسها، التي هي الماركسية..ووضعوا رأياً واضحاً ومتكاملاً في أيديولوجي الحزب؛ ولذلك عندما خرجوا وأنشأوا حق أتوا ببرنامج جديد.. وهي ليست انشقاقاً من الحزب الشيوعي. ونحن لم ننشق، ولكنننا وضعنا رأياً واضحاً في البرامج ومرجعية الحزب، ووضعنا برنامجاً سياسياً بديلاً والتزمنا به، وهو ليس لديه أي علاقة بالحزب الشيوعي.
{ ولكن قادة (حق) خرجوا عن الحزب الشيوعي وكونوا تنظيماً موازياً وهو في عرف العمل السياسي يسمى انشقاقا..؟
– أختلف معك، لأن الاختلاف لا ينصب على الأشخاص..ولكن هو أن تتمسك ببرنامج.. حصلت انشقاقات كثيرة في الحزب الشيوعي في (67 و69 و71) في مراحل متعددة بالحزب الشيوعي، والمنشقون كانوا يتمسكون بالبرنامج، والاتحاديون الآن يتمسكون ببرنامج الاتحادي ولكنهم يخرجون لإشكالات تنظيمية يعملون على علاجها ولكن مجرد خروج الأشخاص لا يعني بالضرورة أن ينشق من هذا الحزب.. وقادة الحزب الشيوعي الذين كونوا (حق) كأن رأيهم واضحاً جداً عندما خرجوا وقالوا إن هذا ليس انشقاقاً. ومثلاً البعثيون بفصائلهم الأربعة لا يخرجون عن مرجعية “ميشيل عفلق” وكلهم الأربعة يحملون رؤى جديدة لنظرية البعث، ولكن تظل مرجعيتهم واحدة هي البعث، وكل الذين انشقوا من الحزب الشيوعي كانت تجمعهم المرجعية الماركسية..ونحن برنامجنا سياسي.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية