تضارب تصريحات «المهدي» و«الأمين».. خلاف حول موقف أم ذلة لسان؟؟
القضايا التي تمس حياة المواطنين ومعاشهم، ظلت محل تجاذب بين الحكومة وقوى المعارضة، ويبدو أن كل طرف ينتظر أن يحدد الآخر موقفه واتجاهاته، حتى يتخذ اتجاهاً وموقفاً مخالفاً له. لكن رئيس حزب الأمة القومي الإمام «الصادق المهدي» بدا بالأمس وهو يتحدث في المؤتمر الصحفي الذي عقده حزبه، للحديث عن القرار الحكومي المرتقب برفع الدعم عن المحروقات، ينادي زملاءه الآخرين في قوى المعارضة للتفريق بين ما أسماه بمعارضة (الوطني) ومعارضة الوطن.
في الآونة الأخيرة ظل حزب الأمة القومي ورئيسه «المهدي»، عرضة للاستقطاب الحاد من مجموعتين كل تسعى لكسبه إلى صفها، فالحكومة غازلت «الأمة» ورئيسه «المهدي» في الفترة الماضية كثيراً، ولعل المغازلة الأبرز هي التي جاءت على لسان من يوصف بأنه أحد أعتى صقور النظام، وهو الدكتور «نافع علي نافع» حينما تغزل في «المهدي» وشكر حزبه على مواقفه الوطنية، بينما الطرف الآخر ظل يكيل الاتهامات والعنف اللفظي في مواجهة «الأمة» و»المهدي»، طمعاً في تقوية التيارات المعارضة للتقارب مع المؤتمر الوطني، لتؤثر بدورها على مواقف الحزب بأكمله، و»المهدي» بصفة خاصة، حسبما ترى تلك المجموعة من قوى الإجماع الوطني، ويقود تلك المجموعة مسئول الإعلام بتحالف المعارضة، الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي «كمال عمر».
تشاور وتنوير
ربما التيارات التي ترمي حزب الأمة وزعيمه «المهدي» بسهام الاتهام، تنطلق في مواقفها مستندة إلى وقائع سياسية، تقوم على معطيات محددة ومن بينها اللقاء الذي جمع الرئيس «البشير» بـ(المهدي) قبل أسبوعين، والذي مازالت تداعياته تسيطر على الساحة السياسية، بل وتنظر إليه بعض مكونات المعارضة بنوع من الريبة وكثير من الظنون، ولعل ما عزز ذلك تسارع الأحداث ومشاركة «المهدي» في مناظرة نهاية الأسبوع الماضي إلى جانب مهندس لقاء (البشير – المهدي) وهو الدكتور «مصطفى عثمان اسماعيل» بقاعة الشهيد الزبير، ومن بعد ذلك زيارة وزير المالية، «علي محمود» برفقة محافظ بنك السودان المركزي «محمد خير الزبي» إلى منزل «المهدي» للتشاور معه، أو فلنقل كما قال «المهدي» في مؤتمره الصحفي بالأمس «لتنويره» بما تعتزم الحكومة اتخاذه من تدابير، جراء القرار المرتقب برفع الدعم عن المحروقات.
«المهدي» قدم في فاتحة المؤتمر الصحفي مرافعة، فحواها أن أسباب التدهور الاقتصادي والعجز المالي في البلاد، يعود لأسباب موضوعية تتمثل في قطع العلاقة مع دولة جنوب السودان، والحروب المستمرة في أكثر من جهة، والإنفاق على دولة مترهلة ومسرفة، بجانب فساد العلاقة مع الأسرة الدولية. وقال «المهدي» إن الانفراد بإدارة الشأن العام سيما الاقتصاد والمال، والانفراد بإدارة ملف السلام وملف العلاقات مع دولة الجنوب مثلا، سبب في أن تقع البلاد –بحسب «المهدي» – في الحالة الاقتصادية والمالية التي تعاني منها البلاد. وطالب «المهدي» في وصفته لحلول تلك المشكلات، بضرورة عقد مؤتمر قومي اقتصادي لتشخيص الحالة، وتحديد العلاج، وأضاف (من كثرة نداءاتنا صار المستحقون أن يضحك عليهم يضحكون علينا).
وخلص «المهدي» إلى الترحيب بتحسين العلاقات مع الجنوب، وضرورة إعلان مبادئ للحوار مع حملة السلاح داخل السودان، وتكوين برلمان شعبي من القوى السياسية والمدنية في البلدين، يرعى علاقة التوأمة بينهما. وقال إن النظام يسعى لتحميل المواطن السوداني أخطاءه، باتخاذ قرار رفع الدعم عن المحروقات.
«المهدي» والمعارضة
علاقات «المهدي» مع مكونات قوى الإجماع الوطني، تبدو كمن يقف وفي حذائه حبة حصى.. لا هو قادر على الانحناء لإخراجها، ولا هو قادر على الضغط عليها وتحمل ما تسببه له من ألم..
البعض يقول إن خلافات «المهدي» مع المكونات الحالية للمعارضة ورموزها، تعود لعشرات السنوات للوراء وخاصة مع الأمين العام للمؤتمر الشعبي الدكتور «حسن عبد الله الترابي»، والذي رغم علاقة المصاهرة التي تربطه بالمهدي إلا أن تلك العلاقة لم تفلح في إزالة الرواسب العالقة في داخل الزعيمين، والتي لا تعود إلى الثلاثين من يونيو وحدها، وإنما إلى عقود ماضية مرت فيها الكثير من المياه أسفل الجسر، وبقيت الكثير من التفاصيل حبيسة في صدور الرجال، وخرج القليل منها في زفرات ساخنة ألهبت الطقس السياسي بين الحزبين لدرجة جعلت السيدة «وصال المهدي» شقيقة الإمام «الصادق» وزوجة الدكتور «الترابي»، تقول في إحدى مرات الخلاف بين زوجها وأخيها إنها الأكثر شقاءً بذلك الخلاف.
وبدا «المهدي» متمسكاً بضرورة أن توافق قوى المعارضة ممثلة في قوى الإجماع الوطني، على عقد ورشة لمناقشة هيكلة التحالف ومواقفه السياسية والفكرية ومستقبله، والمتابع يلحظ أن ذلك الطرح لم يكن وليد الأمس، بل ردده «المهدي» كثيراً وتعالى صوته في المطالبة بذلك بعد انفصال جنوب السودان، ما أدى إلى تحول الخلاف حول تلك القضية إلى (مراشقات) بين «المهدي» ورئيس الهيئة العامة لقوى الإجماع الوطني «فاروق أبوعيسى».
إشارات «المهدي» ورسائله لقوى المعارضة بالأمس، كانت أكثر وضوحاً من ذي قبل، حيث أكد الرجل عدم وجود تواصل بين حزبه وقوى الإجماع الوطني، وأضاف (لا يجمع بيننا وقوى الإجماع الوطني أي تنسيق حول المواقف الحالية، وطالبنا بعقد ورشة وإجراء إصلاحات، وإلى أن تتم ما نعبر عنه هو موقف حزب الأمة وحده).
بل ذهب في إشارات أخرى إلى توجيه اتهامات مبطنة لقوى المعارضة، حينما قال إن بعضهم يملأ العيون بالشطة ويتحدث كما يريد، في التعبير عن مواقفه في مواجهة الحكومة وحزب المؤتمر الوطني الحاكم، وأضاف (نحن نتحدث بموضوعية ولا نسيء لأحد).
موقف «المهدي» من التواصل مع قوى الإجماع الوطني، لم يكن محتاجاً لمزيد من الشرح، ولكن الأمين العام لحزب الأمة القومي، الذي تحدث في المؤتمر الصحفي د.»إبراهيم الأمين» ورد على أسئلة الصحفيين، بدا وكأنه على خلاف كبير مع رئيس الحزب، حينما قال إن حزب الأمة القومي على تواصل مع قوى الإجماع الوطني، وأن الأخيرة وافقت على عقد الورشة التي اقترحها حزبه لمناقشة المشكلات التي تعكر صفو العلاقة بين الطرفين. وذهب الأمين إلى أبعد من ذلك، حينما قال: (تم الاتفاق مع الإجماع الوطني على الورشة وعلى الأوراق، وتبقى فقط تحديد التوقيت المناسب لذلك).
«المهدي» وابنه
نجل الإمام المهندس «صديق» قدم ورقة اقتصادية كلف بإعدادها –حسبما قال والده- بوصفه رئيس اللجنة الاقتصادية بالمكتب السياسي لحزب الأمة القومي، وقدم «المهدي» في ورقته الكثير من الأرقام الحسابية، واستند في تقوية أطروحاته بتقارير حكومية وتصريحات منسوبة لقادة في الدولة، تقر بوجود اختلالات في الاقتصاد السوداني، بل تحدث عن (جوال من المال) قال إن مؤسسات حكومية تبرعت بها لمناسبة اجتماعية لأحد منسوبي النظام، ووصلت بالخطأ إلى أحد منسوبي حزبه، إلى أن تم استعادتها إلى الشخص المعني.
«المهدي» جلس إلى جوار ابنه وهو يتابعه بصفتين بدتا ظاهرتين على وجهه. الأولى كونه قائد الحزب الذي يعمل على إعداد خلفاء يتولون شئون القيادة، والثانية لكونه الوالد الذي يراقب خطوات ابنه في أرض خبر الوالد مطباتها ووعورة طرقها، نتيجة سيره فيها لعقود طويلة. وفي كلتا الحالتين، فإن «المهدي» سيزود ابنه بملاحظاته على أدائه في مواجهة أجهزة الإعلام المحلية والعالمية.