المؤتمر الوطني.. هل يدعم قيادة بديلة عن «جلال الدقير» ؟!
الكاتب الفرنسي الشهير “أندريه موروا” لديه حكمة عميقة مفادها (غير المتوقع يحدث دائماً)، فالشاهد أنه لا توجد حالة سرمدية وكتلة صماء في قانون الطبيعة وناموس الكون، والجدول مهما كان منتظماً ودقيقاً سينكسر على وتيرة العواصف الشديدة ورياح التغيير العاتية، وبذات القدر فإن القاموس السياسي لا يعرف المجاملة والصداقة الدائمة و(الطبطبة) على الأكتاف، ولا يقدر الشراكة في السلطة التي تسير على قضيب السكة الحديد، دون أن يكون هنالك القدر المطلوب من المناكفة والمحاججة!!
من ثنايا الصورة البليغة يفكر المؤتمر الوطني من خلال تحركات حثيثة في إعادة ترتيب علاقته بالاتحادي الديمقراطي المسجل الذي يقوده الدكتور “جلال الدقير” في سياق خطة سياسية مبرمجة تطأل جميع حلفائه في السلطة، فضلاً عن محاولة التفاكر مع القوى السياسية الأخرى من زاوية مقابلة تحديات المرحلة المقبلة على المسرح السوداني.
بلا مواربة، يرى المؤتمر الوطني أن الاتحادي المسجل يتمتع بخصائص ومزايا قد لا تتوفر في الحلفاء الآخرين تدفعه لاستمرار الشراكة معه خلال المستقبل، تتمثل في الكم الهائل من النماذج المؤهلة، علاوة على أهمية التواصل في الاستفادة من مبادرة “الشريف زين العابدين الهندي” كأمثولة دائمة لانفتاح الإنقاذ تتراءى خلال الظرف القادم على ملف التفاهمات مع المعارضين، غير أن المؤتمر الوطني الذي يعرف كل ما يدور في الاتحادي المسجل كما يعرف الإنسان كف يده، شعر بوجود معضلة قد تحول دون تحقيق تطلعاته، تتأطر في تغلغل الاحتقانات وتراكم العديد من الإشكاليات في أحشاء الحزب، فهو يريد تفعيل الشراكة وتطويعها على قوالب متينة لإنجاح الدور الجديد الذي يرسمه، المتمثل في إيجاد تنظيم له بصماته الاستثنائية استناداً إلى منهج الحزب الحاكم في تخلقات الوضع الجديد على المشهد السياسي الذي يحترم الأقوياء وينبذ الضعفاء.
انطلاقاً من تلك المعطيات التي ظهرت على أمواج التطورات اللاحقة لاحت في الأفق فكرة إيجاد قيادة جديدة مؤقتة في الاتحادي المسجل من جانب المؤتمر الوطني، في إطار تحقيق المطلوبات بعد التناغم مع بعض رموز الحزب الحليف. وقد لعبت فرضيات السياسة دوراً متعاظماً في جعل المؤتمر الوطني من خلال دائرة نافذة لا يمانع في دعم أية قيادة بديلة عن الدكتور “جلال الدقير” حتى موعد قيام المؤتمر العام، وقد أطلق الحزب الحاكم هذه الموافقة دون التغول الصارخ والتدخل الفاضح في شؤون الحزب، فالشاهد أن المؤتمر الوطني رفض القيام بمهام المندوب السامي على باحة الاتحادي المسجل، وبذلك انعكست خطواته في شاشة المؤشرات الإيحائية والإشارات الكهربائية والإيماءات الخاطفة!!
كان هنالك حوار هادئ وضروري بين المؤتمر الوطني وبعض القيادات في الاتحادي المسجل، جرى على أوتار الإضاءة الخافتة، تطرق إلى ضرورة تلبية نداء مسجل تنظيمات الأحزاب السياسية، والعمل على قيام المؤتمر العام على أسس مقبولة، والعمل على إصلاح القشرة الداخلية للحزب من ناحية التنظيم، وفتح العضوية، وتجفيف السلبيات والقرارات الفردية، فضلاً عن وضع آلية مواكبة وصحيحة تطبق على أوجه الصرف المالي.. علاوة على ذلك، حاول المؤتمر الوطني إحياء مشروع الاندماج بين الاتحادي الأصل والاتحادي المسجل لخلق كيان الوسط الكبير الذي يساهم في تقوية الشراكة السياسية بين الطرفين، وما تحمله من أبعاد ودلالات.
لا يفوت علينا وجود الحبل الممدود والعلاقة المشهودة بين الدكتور “جلال الدقير” والحزب الحاكم، وما تفرضه من تحركات وصولات في حال ظهور الإرهاصات الدالة على إنفاذ هذا المشروع الطارئ في سياق الإيقاعات المدروسة، وربما تكون مخرجات تلك الفكرة المسحورة قائمة على ركائز الصدمة المباغتة التي تهز الفؤاد والشعور، وصولاً إلى مراجعة الذات والانكباب على المنهج المقصود.
محاولة إيجاد بديل للدكتور “جلال الدقير” قد يكون شيئاً مهولاً عند بعض منسوبي الاتحادي المسجل، لكن إقناع العقل السياسي عموماً بإمكانية تغيير القيادات من مقاعد الصولجان يجب أن تسود من باب التجديد وسريان الدماء الحارة، وملامسة طموح الأجيال، والدكتور “الدقير” إذا ذهب من مقعده فذلك ليس خصماً عليه، فقد ذكر الرجل كثيراً بأنه على موعد مع الرحيل من الكرسي الإمبراطوري.