تقارير

قمة «البشير» و«سلفاكير».. مخرجات بعيون الـخبراء

لم يحتفِ بعض المراقبين بنتائج زيارة رئيس حكومة الجنوب «سلفاكير ميارديت» للسودان، واعتبروا أن سقف التوقعات لمستقبل العلاقة بين حكومتي الشمال والجنوب، على ضوء هذه الزيارة، تجاوز المعدل الواقعي. وبنوا تفسيراتهم على طبيعة الزيارة، ووقتها الذي تقارب مع فترة نهاية التمديد بالنسبة لأنبوب نفط الجنوب، بجانب الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها الجنوبيون، إلى درجة جعلت بعضهم يطالبون الأسبوع الماضي بالوحدة مع السودان، كما اعتقدوا أن هناك قضايا مثل أبيي مازالت تهدد بتعكير صفو الأجواء، ودللوا على ذلك بحديث الرئيس «سلفاكير» نفسه، عندما قال في ذات الزيارة إن أبيي ستحل وفقاً للاتفاقية وبروتوكول أبيي وقرار محكمة لاهاي. وهذه كلها أكدت حق (الدينكا) في أرض أبيي، إلا أن آخرين اختلفوا مع هذه النظرة، واعتبروا نتائج الزيارة بمثابة مؤشر لاتجاهات العلاقة في المستقبل. وأكدوا أن ما تم على مستوى حكومة الجنوب من تغييرات، طالت شخصياتٍ معروفة بعدائها للسودان، كان له أثر كبير في هذا التحول السياسي المعروف. والزعيم المعارض دكتور «لام أكول» بدوره كان قد أبدى تفاؤله لمسار العلاقة بين السودان وجنوب السودان، في حوار أجرته معه الزميلة الرأي العام قبل زيارة رئيس حكومة الجنوب للخرطوم. وأكد أن المستقبل القريب سيشهد تطوراً ايجابياً في إطار تحسين العلاقة بين السودان وجنوب السودان. وأوضح أن هذا التفاؤل مبني على ما اتخذته حكومة الجنوب من خطوات حقيقية في اتجاه تغيير إيجابي، نتمنى أن ينعكس على تحسين العلاقة بين البلدين، ونوه أنه لا يتحدث عن الأشخاص.
ويذكر أن «لام أكول» كان من الشخصيات المقربة للرئيس «سلفاكير»، ولهذا السبب دفع به إلى موقع وزارة الخارجية بعد توليه رئاسة الحركة، ومنصب النائب الأول لرئيس الجمهورية بعد مقتل «جون قرنق» في حادث طائرة الرئاسة اليوغندية، وتم تغييره بعد أن اتهمه أولاد «قرنق» بتنفيذ أجندة المؤتمر الوطني، في سياسته لوزارة الخارجية، أو كما كانوا يقولون. بعض المراقبين كانوا يعتقدون أن «لام أكول» لا تربطه علاقة حميمة بـ»باقان» وبقية أولاد «قرنق»، حتى قبل مشاركة الحركة الشعبية للمؤتمر الوطني في الحكم، ولا يستبعد الكثيرون انضمام «أكول» إلى طاقم حكومة «سلفاكير».
من ناحيته اعتبر رئيس تحرير صحيفة (إيلاف) دكتور «خالد التجاني»، أن أهم ما حققته زيارة «سلفاكير» هو بث روح التفاؤل في نفوس شخصيات، سواء كانت مسؤولة أو من عامة الناس، لدرجة جعلتها تتحدث عن تحسين الأوضاع الاقتصادية، بعد أن كانت تعتقد في السابق أن الجنوب عبء ثقيل على السودان يجب التخلص منه. وهذا قاد إلى تغيير مهم في المزاج السوداني الرسمي والشعبي، واستبعد أن يكون دافع الزيارة لتحسين الأوضاع الاقتصادية في الجنوب، مؤكداً أن اقتصاد الجنوب ليس بأسوأ من السودان، لأنه اقتصاد معيشي لا يعتمد على الدولة، فيما تسيطر دولة السودان على 80% من الاقتصاد. وأشار إلى أن العائد التجاري لحكومة السودان من الجنوب أعلى من العائد النفطي، لأن تجارة الشمال تحظى بقيمة تفضيلية في الجنوب، مؤكداً في الوقت نفسه أن العلاقات الاقتصادية الطبيعية، هي ما يحقق الأمن وليس العكس، كما كانت تعتقد حكومة الشمال.
كما نفى أن يكون تحسن العلاقة بين السودان والجنوب مربوطاً بالشخصيات التي تم إبعادها، مثل «باقان أموم» وآخرين. وقال إن «باقان» يعتبر مهندس اتفاقية التعاون المشترك الأخيرة، والتي بحسب دكتور «خالد» قادت إلى تفاهمات، مرجعاً سبب توتر العلاقات في السابق إلى غياب رؤية السودان الاستراتيجية تجاه التعامل مع الجنوب.
ورهن مستقبل العلاقة بين السودان والجنوب، بالخطوة القادمة لحكومة الخرطوم، حينما قال: «سلفاكير» تصرف كرجل دولة حينما أشار إلى عدم رغبته في حرب مع الشمال، والآن الكرة في ملعب حكومة الشمال ومبنية على تصرفها القادم، فإذا كانت هناك سياسة واضحة مع الجنوب ستمضي في مسارها الطبيعي.
أما رئيس تحرير صحيفة (الأيام) محجوب محمد صالح، فطرح رؤية مغايرة في سياق رده على سؤال مستقبل العلاقة بين السودان والجنوب، حيث قال للمجهر (أنا لا أربط العلاقة بين السودان والجنوب بالتحولات الإيجابية المحدودة، لأنني أريد أن أنظر إليها من منطلق إستراتيجي أيا كان النظام القائم في البلدين، ووفقاً لذلك ينبغي أن يكون الناس متفقين على شكل العلاقة، ومثلما نتحدث عن ضرورة بناء علاقات أزلية مع مصر، كذلك لابد أن تكون علاقتنا مع جنوب السودان بهذا المستوى. وحذر «محجوب» من النظر للعلاقة بصورة تكتيكية، تكون مبنية على ما اتخذه الرئيس «سلفاكير» من تغييرات مؤخراً، أو نربطها بما تتخذه الخرطوم، داعياً للنظر إليها من خلال واقع العلاقات والمصالح الاقتصادية، وديمومة العلاقات الاجتماعية، حيث تربطنا أطول حدود يعيش حولها أكثر من 40% من سكان البلدين. وهناك منافع ومصالح اقتصادية تربط بينهم، ممثلة في تجارة الحدود والثروة الحيوانية وبني تحتية من بورتسودان إلى جوبا، وخط نيلي من كوستي إلى جوبا، ما يعني أن بنيتنا الاقتصادية مع الجنوب أقوى من أي دولة أخرى. والحديث لـ»محجوب» – وسمحنا لأنفسنا طيلة الفترة الماضية بإحداث فراغ ملأته دول أخرى – والآن لابد من تقوية هذه الجوانب، والمصالح الاقتصادية الشعبية تحمي الوحدة بين البلدين، حتى إذا كانا منفصلين، والتفكير الجزئي يضر بالقضية.
على المستوى الرسمي، أبدى وزير خارجية السودان «علي كرتي» تفاؤلاً كبيراً، حينما قال إن الزيارة أحدثت تحولاً في علاقات البلدين. وكشف عن تشكيل آليات لتوقيع اتفاقات في كل الملفات التجارية، وأكد أن من ايجابيات الزيارة، دعوة وزيري الخارجية إلى بروكسل، لفتح مجالات التعاون بين الخرطوم وجوبا، رغم حديثه عن أن أمريكا كانت أكبر معيق للعلاقات بين الخرطوم وجوبا، فهل ستنساب العلاقة دون تدخل الجهات الخارجية.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية