أخبار

البحث عن خبر سار!!

يُقلِب كعادته الصحف التي بين يديه.. يقرأها صفحة صفحة.. خبراً خبراً.. سطراً سطراً.. حرفاً حرفاً.. نقطة نقطة.. يزداد (عبوساً).. تتسع دائرة (التكشيرة) التي ظلت ترتسم على وجهه.. يُلقي بالصحف على الطاولة التي أمامه.. ثم يأخذ نفساً عميقاً ويتمتم: (ذات الأخبار.. ذات الوجوه.. ذات الكوارث.. يا إلهي لطفك!!).
يرن هاتفه النقال.. يأتيه صوتها.. ويا لصوتها حينما سرى: جيب معاك وإنت راجع… وجيب… وجيب.. وجيب وجيب!!
يرد: حااااضر!!
يطأطئ رأسه واضعاً جبهته العريضة على الطاولة.. يغمض عينيه.. ينام.. يحلم:
– عليك مخالفة لأنك ما رابط الحزام!!
– السيد ولي أمر الطالب.. غداً آخر موعد لدفع القسط الثاني من مصاريف الدراسة.. نرجو الالتزام بالتسديد في الموعد المحدد!!
– ألم تقرأ عقد الإيجار.. هناك زيادة سنوية (15%).. يفترض أن تدفعها بدءاً من هذا الشهر!!
– وزير المالية في النشرة الإخبارية: (لا زيادة في الأجور.. لابد من رفع الدعم)!!
يرن الهاتف مجدداً.. يستيقظ من غفوته مذعوراً:
– (ألو.. البيت وقع!!.. سيول وأمطار.. البركة فيكم.. أقصد لا حول ولا قوة إلا بالله.. لا طبعاً.. حنصلكم يا خال.. حندفع في الكشف أكيد.. معقولة بس.. نحنا ناس أهل وكلنا حندفع في الكشف.. والوقع بتبني.. ما تشيل هم.. الجاتك في بيتك سامحتك..)!!
يدخل عليه زميله في العمل:
– تحياتي وسلامي.. أخيراً عندي ليك يا صديقي خبر سار.
– هل أنت جاد.. هاته يا رجل.. لكم بحثت عنه طويلاً.. إنه مفقود.. مفقود!!
– جَلَست والخوف بعينيها تتأمل فنجاناً مقلوب.. قالت يا ولدي لا تحزن فالحب عليك هو المكتوب.
– إنت جايي تقرأ لي شعر.. هات خبرك السار خلينا نمشي.. مواعيد الشغل انتهت والمَرَة في البيت طالبة ديشليون حاجة مفروض أشتريها ليها.
– إذن.. خُذ.. اقبضه جيداً حتى لا يطير منك كما الدخان!!
– ما هذا.. يا هذا؟!
– إنه المرتب يا بطل.. لقد صرفته لك للتو.
– ومنذ متى يا صديقي كان صرف المرتب خبراً ساراً إنه التراجيديا بعينها.
– ما دايره.. طيب مع السلامة.
– تعال.. تعال.. هاك هذه الوريقات التي تبقت.. واجلس معي على هذه الطاولة كي نُجري (المحاصصة الشهرية).. نصفه للإيجار.. وربعه للمدارس.. وربعه.. لا.. دي معادلة صعبة.. مافي داعي أشغلك بيها.. عموماً كتر خيرك.. بس فعلاً أنا كنت منتظر خبر سار.
– شكلك حتنتظر كتييير.
– الجرايد دي مليانة نكد.. إيه رأيك نسرِّب ليهم خبر سار (مضروب) عشان يعملوه (مانشيت) ونخلي العالم الغلابة دي تفك التكشيرة وتتبسط شوية.
– ناس الجرايد ديل عاوزين أخبار من العيار الثقيل والمثير: (انفجار.. سقوط.. مصرع.. اشتباك.. تظاهرة.. غاز مسيّل للدموع.. حكومة عريضة.. حكومة رشيقة.. حكومة قومية.. حكومة مؤقتة)!!
– لازم نخليهم يكذبوا علينا ولو مرة واحدة.. وينشروا لينا خبر سار.
– الحل الوحيد إنه ندفع تمن الخبر.
– يعني نعمل إعلان مدفوع.
– بالضبط.
– والله رغم الفلس الحاصل لكن أنا مستعد أدفع باقي المرتب كله للإعلان ده.
– وليه تدفع براك.. الموظفين المعانا ديل كلهم لازم يدفعوا.
– ديل شكلهم قنعوا من حكاية خبر سار دي.
– طيب الخبر السار مضمونه شنو؟
– مش مدفوع.. أكتب: زيادة المرتبات بنسبة 100% وبأثر رجعي.. التأكيد على دعم السلع كافة وبكل قوة.. إلغاء رسوم المدارس.. ادخل أية صيدلية وخذ ما شئت من دواء (مجاناً مع تحيات وزارة الصحة!!).
يرن هاتفه مقاطعاً:
– ألو.. منو معاي؟.. مندوب الإعلانات بـ(صحيفة الأمل) والله لي عظيم الشرف بمعرفتك.. بالضبط كده أنا ياهو ذاته.. يا سلام عليك يا أستاذ فعلاً الصحفيين عندهم حاسة سادسة وسابعة كمان.. فعلاً أنا الشخص الببحث عن خبر سار.. وعرفتو حكايتي كيف بالله.. والله فعلاً الصحفيين ديل مافي حاجة بتفوت عليهم.. يا سلام عليك.. قررتوا في اجتماع التحرير إنه أخبار بكرة في الصفحة الأولى كلها حتكون سارة.. ده والله قرار عظيم.. قرار تاريخي.. ما سامعك كويس.. قلت شنو؟.. حتكون الصفحة (مدفوعة).. إعلان.. حتعمل لي تخفيض.. عال.. عظيم ولا يهمك.. لا ما في داعي ترسل لي مندوب.. أنا حأجي لحد عندكم أدفع.. بس عليك الله كتِّر النبرة التفاؤلية وزيد البهارات.. خلي الناس الغلابة دي تفرح يوم واحد في حياتها.. مع السلامة.
يغلق هاتفه وينفجر في الضحك بطريقة هستيرية.. يسأله زميله:
– ده منو؟!
– ده.. خليه في سرك.. أوعك تشتري جرايد بكرة!
– ليه؟!
– أنا قررت (احتجب).
– إنت شغال صحفي (أوفر تايم) وإحنا ما عارفينك؟!
– أنا أشطر صحفي متخصص في الأخبار السارة.
يواصل الضحك الهستيري.. تمتد يديه إلى الطاولة التي أمامه، يبدأ في تمزيق الصحف.. ينثرها في غرفة المكتب.. يدور حول نفسه ويصرخ: اشتر (صحيفة الأمل).. صحيفة الأخبار السارة.. المانشيتات السارة.. الأعمدة السارة.. سارة للدعاية والإعلان ترحب بمشتركيها من أصحاب الدفع المقدم وتعلن عن منع نشر أي خبر غير سار.. سار.. سار!!).
} توضيح: هذه القصة لا علاقة لها بالواقع.. إنها مجرد خيال.. خيال يبحث عن خبر سار!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية