في زيارة (الساعات الست) : «البشير» و«سلفاكير».. الهروب من ماضي الصراع إلى مستقبل السلام والتعاون!!
عند التاسعة إلا ثلثاً هبطت الطائرة الكينية قادمة من جوبا وعلى متنها رئيس دولة جنوب السودان «سلفاكير ميارديت» ومعه عدد من وزراء القطاع الاقتصادي وقادة الأمن. وفي الخرطوم وصل الرئيس «البشير» قبل دقائق من هبوط الطائرة، وسبقه كل وزراء السودان تقريباً، وظهر «سلفاكير» في أول باب الطائرة ممسكاً بقبعته بكلتا يديه قبل أن تستقر قدماه على السلم الذي كان ينتظره في نهايته الرئيس «البشير» الذي عانق «سلفاكير» عناقاً حاراً، وتبادلا الابتسامات وبعض كلمات الترحيب، قبل أن يتوجها إلى إجراءات المراسم الرئاسية، حيث اصطف جنود الحرس الجمهوري ومن خلفهم الفرقة الموسيقية، وبيسارهم وقف رجال السلك الدبلوماسي من سفراء الدول المعتمدين بالخرطوم لمصافحة «كير» بعد الانتهاء من السلام الجمهوري لكلا البلدين.
الطرفان دخلا في مشاورات بقاعة الصداقة بالخرطوم عبر عن أجوائها رئيس الجمهورية المشير «عمر البشير» خلال كلمته التي ألقاها في فاتحة المباحثات بأن الفترة الماضية مرت فيها العلاقات بين البلدين بعقبات وتحديات، بيد أنه أكد على التواصل والحوار البناء بواسطة اللقاءات الرئاسية والآلية الأفريقية ودور الأصدقاء لتجاوز تلك العقبات بالعزيمة الصادقة.
حديث «البشير»
القمة المغلقة بين الرئيسين التي استمرت لما يقارب الساعة والنصف خرجت باتفاق قضى بتمديد أجل ضخ نفط دولة جنوب السودان عبر الأنبوب والمنشآت السودانية، حيث قال رئيس الجمهورية المشير «عمر البشير» إنه مع الرئيس «سلفاكير» أكدا على قيادة الشعبين لآفاق أرحب من التعاون المشترك وإزالة العقبات التي تعرقل انسياب العلاقات، وأكدا على أن الحدود ستكون مفتوحة أمام حركة البضائع والسلع، وستكون العلاقة بين الدولتين أنموذجاً في افريقيا. وأضاف: (نؤكد أن الاتفاق تضمن انسياب بترول جنوب السودان عبر المنشآت السودانية وميناء بورتسودان»، وأكد الرئيس «عمر البشير» الالتزام بعلاقات حسن الجوار واحترام سيادة دولة الجنوب كدولة جارة تمتاز العلاقة معها بخصوصية، وأعلن في الوقت ذاته التزام السودان واحترامه للاتفاقيات كافة الموقعة مع دولة جنوب السودان وتنفيذها بروح المسئولية والإرادة السياسية كحزمة واحدة وباتساق تام بين مكوناتها وبنودها كافة.
الرئيس «البشير» بدا مرتاحاً في كلماته التي حملت بشريات التفاؤل حيث قال إن العلاقات بين البلدين على أعتاب مرحلة جديدة يحدوها الأمل في أن تسلك طريقها القويم لتنفيذ جميع الاتفاقيات التعاونية بجدية ونزاهة، ودعا في الأثناء ذاته إلى مساعدة الآليات الأفريقية التي وردت بمقترحات «أمبيكي» والمتمثلة في آلية تحديد الخط الصفري، وآلية وقف الدعم والإيواء, على إنجاز أعمالها في أقرب الآجال وفقاً لخطة عملها، وجدد الالتزام والحرص على تجاوز عثرات الماضي، والانفتاح نحو مستقبل يليق بشعبي البلدين.
وبدا الرئيسان في كلماتهما وكأنهما يتوجهان للإعلان صراحة عن أولوياتهما في تنفيذ الاتفاقيات، حيث قال الرئيس «البشير» إن تحديد الخط الصفري مهم وأساسي للأمن على الحدود وتبادل المنافع من تجارة ونفط وحركة رعاة عبر الحدود، ونبه إلى أن وقف ودعم وإيواء الحركات المسلحة والمتمردة هو الوسيلة الأنجع في عملية بناء الثقة، واقترح الرئيس «البشير» على الرئيس «سلفاكير» الشروع في تشكيل اللجنة الوزارية العليا المشتركة ولجنتها التنفيذية حتي تضطلع بمهامها في تنسيق ومتابعة أعمال اللجان المشتركة كافة التي تصل إلى (30) لجنة بحسب مصفوفة تنفيذ اتفاق التعاون، موجهاً الوزراء في الوفدين بالاجتماع عقب أعمال اللجنة المشتركة لتفعيل ما تم إجماله بين الرئيسين، وأعلن «البشير» عزم السودان على إيجاد حل نهائي ومرض بشأن أبيي والحدود، وقال إنه يتخيل أن جوبا توافقهم الرأي في أهمية التمهيد لذلك وبذل الجهود والفكر الخلاق لتشكيل المؤسسات المدنية الانتقالية الخاصة بأبيي لإيجاد تسوية نهائية لهذه القضية حتى لا تكون خنجراً في خاصرة العلاقة بين البلدين. وأكد «البشير» أن السودان ملتزم وفق اتفاقيات التعاون بالشروع فوراً في ترسيم المتفق عليه بشأن الحدود. ودعا «البشير» إلى مواصلة لقاءات القمة الرئاسية بين البلدين وتبادل الزيارات الرئاسية في المستقبل بهدف تقوية علاقات الأخوة والصداقة بين البلدين.
حديث «سلفا»
الرئيس «سلفاكير ميارديت» بعد أن شكر الرئيس «البشير» على حسن الاستقبال قال في كلمته في فاتحة أعمال اللجنة إن جوبا تود إغلاق الفصل القديم، وترغب في فتح صفحة جديدة لتنفيذ كل ما تم الاتفاق عليه، وأكد أن اتفاق التعاون كان يتوجب أن يكون حداً فاصلاً لكل المشكلات بين البلدين، معرباً عن أمله أن تكون اللقاءات بمثابة وضع حل لكل المشاكل والأشياء التي لم تنفذ بين البلدين، مؤكداً التزام جوبا بتنفيذ الاتفاقيات.
الرئيس «سلفاكير» وهو يتحدث حرص على الرد على مخاوف الخرطوم التي وقف فيها عند خانة الدفاع عن النفس، وتحدث فيها بلغة مباشرة وقال إنه يريد أن يقول فيما يتعلق بقضية الدعم والإيواء للحركات المسلحة إنهم لا يساعدون ذلك الاتجاه، وأضاف: (أنا لا اود أن أدافع عن نفسي وأقول إننا لا نساعد هذا الشيء الذي يمكن رؤيته على أرض الواقع)، وذهب إلى أبعد من ذلك حينما قال: (ولا أود أن اشتكي أنه تم اتهامنا دون سبب بذلك، لكننا عازمون على حل كل المشاكل)، واصفاً موضوع الدعم بالبسيط، وقال: (هذا موضوع بسيط وسأتخذ إجراءات إذا كانت هناك دلائل ودليل على الدعم)، بل وطالب الخرطوم بتقديم الدلائل التي تثبت الدعم والإيواء، ووعد بإحداث فعل تجاه ذلك، وقال: (إذا كان هناك دليل قولوه لي وسأفعل ما وعدتكم بفعله)، ولفت «سلفاكير» إلى أن البلدين لا يمكن أن يكونا منصبين وفي حالة تأهب ونذر حرب. وقال: (البلدان لا يمكن أن يكونا منصبين ناحية التأهب والحرب، لن تكون هناك خدمات نقدمها لمواطنينا)، وقال إن مواطني البلدين يواجهون نفس الكوارث ويعانون ذات المعاناة. وأوضح «سلفاكير» أن موضوع أبيي لن يتم حسمه ويتوجب تنفيذ قرار المحكمة الدولية ومعالجة الوضع النهائي بحسب مقترح «أمبيكي» وقال: (منذ اليوم الأول قبلنا بمقترح «أمبيكي» وننتظر الرد من جانبكم)، مؤكداً أن الحدود بين البلدين لا تمثل مشكلة، إنما هناك سوء فهم وتقدير من قبل المواطنين بشأن أعمال فرق الترسيم وفرق الخبراء، مبيناً رغبة جوبا في الاتفاق على الخط الصفري، وأضاف: (سنتفق عليه ومن بعد ذلك من السهل فتح المعابر والممرات). وتعهد «سلفاكير» بأنه لن يغلق الحدود مع السودان، وقال: (إذا أغلقتم الحدود فنحن لن نغلقها وعلى استعداد لفتحها)، وأبان أن خلال (24) ساعة يمكن أن تُفتح الحدود وتُفعَّل المصالح التجارية بين البلدين، مضيفاً: (مواطنو الجنوب ينتظرون بصبر نافد فتح الحدود لدخول البضائع ولا مشكلة لدينا في الأنشطة التجارية). ونوه «سلفاكير» إلى أن القضايا العالقة كافة بين البلدين في غاية الوضوح وتحتاج لخلاصات حولها حتى تحل.
البيان الختامي
وأعلن الطرفان في البيان الختامي عن أن المباحثات اتسمت أجواؤها بالصراحة والإرادة لتجاوز العقبات كافة التي تعترض مسيرة العلاقات، مما مكن الجانبين من التوصل لتفاهمات تمهد الطريق لتنفيذ بنود اتفاقيات التعاون كافة، كما أمن الجانبان –بحسب البيان الختامي- على أهمية دعم وتسهيل مهمة الآليات الواردة في مقترح الآلية الأفريقية بشأن تحديد المنطقة الآمنة، ووقف الدعم والإيواء للحركات المتمردة حتى تستكمل عملها في إطار خطتها, باعتبار أن مهمتها جوهرية وحيوية لاستتباب الأمن على الحدود وتحديد المعابر بما يسمح بانسياب حركة المواطنين والبضائع والنفط، بالإضافة لحركة الرعاة والمزارعين عبر الحدود. كما اتفقا على المخاطبة المشتركة للمجتمع الدولي بدعم من الآلية الأفريقية رفيعة المستوى لإعفاء ديون السودان ودعم التنمية بالبلدين. وأكداً على أهمية الاستمرار في الحوار البناء والفاعل لحل ما تبقى من قضايا وتشمل قضية «أبيي» والحدود، حيث أمنا على أهمية التوصل إلى اتفاق عاجل بشأن تشكيل المؤسسات المدنية الانتقالية بمنطقة أبيي بما يمهد الطريق للرئيسين للتوصل لتسوية نهائية بشأنها. كما اتفقا على تسهيل عمل فريق الخبراء الأفارقة لحل قضية المناطق المتنازع عليها والشروع في ترسيم الحدود المتفق عليها. يذكر أن الجانبين وقعا خلال الزيارة على مذكرة تفاهم لإنشاء مجلس مشترك لرجال الأعمال بين البلدين. بالإضافة إلى مذكرة تفاهم بين وزارتي خارجية البلدين، وقع على المذكرة من جانب السودان وزير الخارجية «علي كرتي».
لقاءات المعارضة
توجه رئيس دولة جنوب السودان لعقد مقابلات مع قادة المعارضة السودانية (حلفاء الأمس)، حيث التقى سكرتير الحزب الشيوعي السوداني «محمد مختار الخطيب»، ورئيس الهيئة العامة لقوى الإجماع الوطني «فاروق أبو عيسى»، ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل مولانا «محمد عثمان الميرغني»، ورئيس حزب الأمة القومي الإمام «الصادق المهدي»، والأمين العام للمؤتمر الشعبي الدكتور «حسن عبد الله الترابي»، كما التقى الرئيس «سلفاكير» سفيري مصر وتشاد.
حديث «الترابي»
«الترابي» هو الوحيد من بين قادة المعارضة الذي أدلى بتصريحات مقتضبة للصحفيين، حيث قال: (أنا الآن أكثر استبشاراً بمصائركم، أهل السودان جنوبا وشمالاً، الآن الشعبان أدركا أن علاقتهما أوثق مما كان يريدانه يوم تفاصلا). أما حزب الأمة القومي فقال لـ(المجهر) إنه يعمل على صياغة بيان وإصداره للرأي العام عن لقاء الرئيس «سلفاكير» مع رئيس حزب الأمة القومي. بينما قال الحزب الشيوعي إنه يعتزم عقد اجتماع، ومن بعده سيتحدث للصحافة والإعلام عن لقاء الرئيس «سلفاكير» سكرتير الحزب الشيوعي «محمد الخطيب».