تحالف المعارضة .. (همو العندو غالبو يشيلو)..!!
(تحالف المعارضة) أو (تحالف جوبا) أو (قوى الإجماع الوطني) أو أياً كان مسماها فهي أسماء لجسم واحد رغم خروج بعض مكوناته، ولكنه ظل يتغير في المسمى مع ثبات في الموقف الداعي لإسقاط النظام دون إحداث تأثير على الواقع الموجود.
تلك العبارات أو ما يرادف معناها صدرت عن رئيسة حركة القوى الجديدة (حق) “هالة عبد الحليم”، أمس الأول، التي وصفت فيها المعارضة بأنها (رثة وعاجزة وغافلة وفاشلة)، وذات المعاني تكررت حينما ربطت المعارضة تحقيق أهدافها بمدى زمني حددته بما سمَّته (خطة المائة يوم)، التي أعلنت عنها في الثامن من يونيو الماضي، وأيضاً المحصلة لم تسفر عن شيء، وظلت المعارضة تركض خلف السراب حسبما ظل يقول المؤتمر الوطني، الذي ذهب قادته في فترات سابقة إلى وصف ذلك بأنه أحد المستحيلات، حينما يتحدث قادة المؤتمر الوطني عن ربط قدرة المعارضة على إسقاط النظام بمقدرتها على (لحس كوعها)، ورغم أن تلك اللغة تغيرت إلى حوار بين بعض مكونات المعارضة والمؤتمر الوطني إلا أن الشحن تحول إلى خلافات حادة بين فصائل المعارضة فيما بينها، ويقول البعض إن قادة المعارضة ظلت أصواتهم عالية في الإعلام دون عمل ملموس على الأرض.
شجاعة “هالة”
رئيسة “حق” قالت لدى مخاطبتها المؤتمر السادس لـ”حزب البعث العربي الاشتراكي” أحد أحزاب التحالف المعارضة، (إن قوى الإجماع الوطني لازالت تتخبط، لا هي قادرة على المعارضة ولا هي قادرة على المعالجة)، وأضافت: (وهي مثال كامل”- تعني المعارضة- للعجز والفشل وبلا رؤية وتكرر أخطاءها، وعجزت المعارضة أن تقدم أي قيادة حقيقية ملهمة، والمعارضة غافلة تقدم أسباب الحياة للسلطة)،كما انتقدت الحكومة من جهة كونها لم تعالج المشاكل السياسية في البلاد،بالإضافة إلى عجزها في معالجة التردي البيئي والصحي الذي خلفته السيول والأمطار.
وكان حزب “المؤتمر الشعبي” أحد أحزاب التحالف المعارض أعلن الأسبوع الماضي العودة لوسائل العمل السري” رافضاً الكشف عن تلك الوسائل، قائلاً: (لن نكون شفافين هذه المرة حيال خططنا لكن سترونها بأعينكم). وتعكس الصورة القاتمة التي رسمتها رئيسة حركة “حق” المعارضة “هالة عبد الحليم” بمستقبل العمل المعارض بالبلاد، واتهامها تحالف قوى الإجماع الوطني بالفشل والتخبط وعدم الجدية، وأنه زاد من عمر النظام، وزادت بأن هذا التحالف (ظلّ يتخبط بدون وعي لا قادر على المعارضة ولا على المصالحة)، بل ظلّ يتربع على الفشل، وقالت: (إن العمل في التحالف يتم بلا رؤية وبلا أهداف)، وتابعت أنه فشل في تقديم قيادة ملهمة ورشيدة لقيادة العمل المعارض، وأصبح عاطلاً عن العمل وهو احد أسباب بقاء “المؤتمر الوطني” في الحكم طوال هذه المدة.
من جانبه ذهب رئيس حزب “المؤتمر السوداني” “إبراهيم الشيخ” إلى أن “المعارضة تحتاج لخارطة طريق جديدة لتغيير النظام، ودعا لمراجعة أداء تحالف قوى الإجماع الوطني خلال الفترة الماضية.
وكان تحالف قوى الإجماع الوطني قد أعلن قبل أكثر من شهرين خطة من (100) يوم لإسقاط النظام، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث البتة، وسبق لمحلل سياسيين أن انتقدوا قوى المعارضة ووصفوها بأنها تائهة ومشتتة ومنقسمة وشككوا في قدرتها الحالية على إسقاط حكم الإنقاذ، والمساهمة فى إخراج السودان من الأزمة السياسية المزمنة، مع وصفهم للواقع بـ(المفارقة)، حيث قالوا إنه توجد حكومة في وضع أضعف من السابق، لكن المعارضة أضعف، ومنقسمة، ومشتتة، كما أن قيادات الأحزاب الكبرى في المعارضة، رجلها في المعارضة ورجلها الأخرى في الحكومة،”
واعتبروا أن قيادات المعارضة في القوى التقليدية فشلت في استثمار أخطاء النظام التي وصفوها بالمتواصلة، وفي اليومين الماضيين، وسبق أن تعالت الاتهامات والانتقادات في أوساط قوى المعارضة لزعيم حزب الأمة “الصادق المهدي، إثر لقائه الرئيس “عمر البشير”. وقال الناطق الرسمي باسم قوى المعارضة “كمال عمر” إن خطوة “المهدي”، التي وصفها بالمخالفة لموقف المعارضة، سيخسر بها حزب الأمة والمعارضة في ميدان الصراع مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم.
ويتفق أستاذ العلوم السياسية بجامعة “النيلين” البروفيسور “حسن الساعوري” مع ما قالته رئيس “حركة حق” هالة عبد الحليم”، واعتبر حديثها هو الواقع بعينه، وقال إنه لا توجد معارضة شعبية بل ما وصفها “معارضة كرتونية”، ومع أن هذه الأحزاب منظمة إلا أنها تفتقر للشعبية، ولا يوجد لديها وجود أفقي أو رأسي في كل السودان، حتى يكون لها النفوذ، بل إن وجودها هو وجود اسمي فقط، ومن غير شعبية ونشاط سياسي ، بينما تجد- والحديث ما زال لـ”الساعوري”- أن “منبر السلام العادل” على سبيل المثال نشط وفاعل في الساحة بأكثر من أحزاب المعارضة. ومضى “الساعوري” إلى القول: (حزب مثل حزب الأمة على سبيل المثال لم يستطع الاستمرار في “ندوة” راتبة ناهيك عن بقية الأنشطة الأخرى، على الرغم من أنه حزب عريق. وقال الساعوري إن “الحق والحرية” لا يمنحان” بل يتم انتزاعهما، وبطبيعة الحال فإن من حق الحكومة من الناحية الأخرى أن تعمل على إضعاف المعارضة، وتجريدها من سندها الشعبي، هذا الواقع -يواصل- أضعف المعارضة السياسية، ويشجع المعارضة المسلحة، وهذه لا يمكن أن يعول عليها لأنها لو وصلت إلى الحكم فإنها ستفرض رؤيتها بالسلاح، لأنها اعتمدت على البندقية.
وهذا الواقع يعكس أزمة كبيرة وذلك أن المعارضة “ضعيفة”، وبهذا الضعف لا تريد كما يقول البروفيسور “الساعوري ” أن تشارك في وضع الدستور، ما يجعله دستوراً حكومياً، ويضيف: “أما في حال وصول الحركات المسلحة مع الحكومة لاتفاق سياسي يجعلها شريكاً في الحكم، فبالتأكيد سيكون نصيبها من اقتسام كعكة السلطة كبيراً، مرجحاً عدم إقدامهم على هذه الخطوة”. ويرى “الساعوري” أن المستقبل سيكون رهيناً بأزمة النظام الحاكم في الداخل، ثم أزمة النظام مع الحركات المسلحة، وأزمته مع المعارضة، وأخيراً أزمة النظام مع نفسه، ويعتبر أن هذه الأزمات الأربع إذا لم تعالج سيظل السودان “في كف عفريت”.
إلا أن أستاذ العلوم السياسية بجامعة “الزعيم الأزهري الدكتور “آدم محمد أحمد” يجد مبررات لواقع أحزاب المعارضة الحالي ، ويقول إن حكم “الإنقاذ” الذي استمر لـ(24) عاماً قام باختراق هذه الأحزاب، وأضعفها، وقسمها إلى مجموعات تحالف شق منها مع النظام ، بينما بقي الآخر على معارضته له، ويرى أن الأحزاب مرت بـ”عواصف” أضعفتها تماماً حيث تم استخدام وسائل مشروعة وأخرى، كما قال: “غير مشروعة”، مثل “القبلية، والمال والترهيب والترغيب، وقال إن الهدف تدمير تلك الأحزاب المعارضة، الأمر الذي جعلها فعلاً “ضعيفة” في نهاية الأمر، ويمضي إلى أن ذلك ينطبق حتى على الأحزاب الكبيرة ما جعلها تتلقى إعانات وإعاشات من الحكومة، وبالتالي لا تستطيع اتخاذ مواقف “حادة”، ويواصل بالقول: (هذه العواصف جعلت من الصعوبة لأحزاب المعارضة أن تقف في وجهها، وبالتالي أنتجت واقعاً يقول بأن قيادات التغيير غير موجودة فعلياً، وهذا أخطر ما في الأمر حيث يمكن توقع أن يجعل من حدوث التغيير عنيفاً، الأمر الذي يؤدي إلي صوملة البلاد)، ويقول إن تلك الأحزاب “مخترقة” من الداخل منذ حتى ما قبل وصول الإسلاميين إلى السلطة، وبعدها تعمقت هذه الاختراقات بوجود مغريات السلطة والمال ، ما يجعل حدوث اتفاق بين أحزاب المعارضة أمراً مستحيلاً.
ويرى أستاذ العلوم السياسية، عميد كلية الاقتصاد بجامعة بحري د.”عمر عبد العزيز” أن القاعدة الشعبية والسند الجماهيري المؤثر في الشارع غير موجود لدى أحزاب المعارضة، وهذا الواقع سيعطي تمدداً لحزب “المؤتمر الوطني” الحاكم، ويقلل من مصداقية الأحزاب المعارضة والأمر المهم الآخر الذي يقول به هنا هو أن تحالف المعارضة “هش” وليس لديه أجندة سياسية متفق عليها، فتحالف المعارضة يقوم على هدف إسقاط النظام، وهذا الأمر عادة ما يكون قصير الأجل، وقاعدته “هشة”، ويعتبر حديث زعيمة حركة “حق ليس المرة الأولى، فقد سبقها السيد “لصادق المهدي” ، ويرى أن السند الجماهيري للأحزاب هو المؤثر في الشارع ، وهذا ما تفتقده عملياً، وحتى حزب الأمة الذي يملك سنداً جماهيرياً لم يكن بقلبه كله مع التحالف، ودائماً ما يقف في المنتصف .
ويبدو أن المعارضة بحالها الحالي تشابه كمن يحمل هم الآخرين ويعجز عن معالجة حاله، وكأنما يطابق حالها كلمات الشاعر: (الشايل هموم الناس وهمو العندو غالبو يشيلو)، أو المثل القائل: “باب النجار مخلع، أو كما المثل القائل: “فاقد الشيء لا يعطيه”.