أخبار

دارفور من؟!

} تعجبت وأنا أتابع أحد التقارير الإخبارية بالإذاعة السودانية، وأحد المستطلعين – وهو دستوري ضمن محاصصة اتفاقية الدوحة – يتحدث من تلقاء مدينة نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور، مطالباً من وصفهم بـ (أعضاء الوفد التفاوضي) بتقديم التنازلات المناسبة واتخاذ القرارات الشجاعة. كما طاف صاحب الفخامة المتحدث على من أسماهم الوسطاء والمسهلين، طالباً بذل الجهد لتقريب الشقة بين وفدي التفاوض!!
} ظننت لبرهة قصيرة أن المتحدث يشير إلى محادثات تجرى في جنوب دارفور بين الفرقاء الفلسطينيين، حسب تصنيف “فتح” و”حماس”، أو أن السودان نهض بوساطة ما في شأن العراك المصري.. أو أن فتحاً دبلوماسياً قد تحقق فاجتمع “أسياس أفورقي” و”هايلي مريام” في (نيالا البحير) لطي ملف حرب الجوار والدم بين إثيوبيا وإرتريا.. ولكن خاب ظني واكتشفت أني حسن الظنون والاعتقاد ومتفائل بشكل خرافي.. إذ كان صاحبنا يتحدث عن مفاوضات تجرى بين (قبيلتين) بالمنطقة، وهذه جولة أخرى غير تلك التي رعاها والي شمال دارفور” كبر”، وغير تلك التي يسعى فيها الشيخ “موسى هلال”، وبخلاف تلك التي – أيضاً – ينشط فيها وسطاء آخرون من رموز السياسة وقادة الإدارات الأهلية!!
} ما أعلمه أن تلك مشاجرة قبلية وعراك قد يندلع لأسباب لا تحمل أبعاداً عنصرية أو سياسية، وإنما هو ردة فعل وتصرف فظ اعتاده الناس، ويصح فيه قطعاً التوسط وتطييب الخواطر وجبر الضرر، لكن ما لا أستوعبه شكل البناء الهيكلي والمفاهيمي لهذا الإجراء الذى سيتحول من تسوية لخلاف نشب حينما استبد الغضب بأحدهم لأن ثوراً له وطأ زرعاً، فلقي الثور الأبيض حتفه في يوم المزارع الأسود!! ليتحول الأمر من (جودية) أهلية حسب العرف الشائع، إلى مؤتمر ومفاوضين وغرف ووسطاء، يسعون بين العمد والمشائخ بالأوراق والمطالب، فيتحول الأمر إلى (سيرك) سياسي، يبدأ بمحاصصة المحليات ثم الوظائف الدستورية على قلتها، ليكون من الطبيعي ان يرتفع عدد الوزراء والمعتمدين بالرئاسة في ولايات دارفور إلى نسب خيالية، لأن كل مقتل لـــــ (تيس) وتخريب لـــ (جبراكة) ينتهى بحشود الواقفين على أبواب السلطة فى الولايات والمركز!!
} مثل هذه الامور والخلافات لم تتنام إلا لأنها صارت أقرب الطرق للتكسب السياسي. وقد يبدو هذا قولاً صادماً، لكن الصراحة لازمة فى مثل هذه الأمور. فالمؤتمر المشار إليه وغيره، ليس الأول ولن يكون الأخير. بل إن ذات الأشخاص والرموز لم يبق لبعضهم إلا أن يرسم خاتماً يغذيه بالأحبار، وتفويض يد ما لتدفع (ختماً) على ورقة صلح في شهر أكتوبر من العام الحالي، ثم من أكتوبر الذي يأتي بعد عشرة أعوام. وهو ما يتطلب أن ترد مثل هذه الخلافات والعراكات القبلية إلى سياقها الصحيح، فتحاكم بالقانون.. ومن كان معتدياً يجري عليه أمر التوقيف والمحاكمة، ليقرر القضاء من المذنب، بإلزامية تتجاوز قدسية القبلية التي صارت تنافس سيادة الدولة وهيبتها التي صار لها في دارفور كل حين لجنة وتشكيل ومراجعة.. وهيهات!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية